نعيم عبد مهلهل : معدان الاورزدي باك وموزارت
تمسكنا الموسيقى من نياط قلوبنا فنسجل معها مشاعر ذكريات تديم فينا الأمل وحب الحياة وتخلصنا من ملوثات الحياة الاتية من أمراض بعض طبائع البشر ، فنعالجها بالموسيقى والسماع ، ففي نهاية اللحن سيكون بمقدوركَ ان تمتلك الطاقة الإيجابية وقدرة التسامح والتفاؤل .
وفي ذكريات التعليم في مناطق الاهوار ، علينا أن نسجل مدائح بالغة الثناء والعظمة لمسجل الكاسيت وراديو السانيو والفيليبس ذو البطاريات الثلاثة الكبيرة ، فهما وحدهما من كانا ينشطان في ذاكرتنا الاشتياق الى اشياء نتمناها ، وهما وحدهما من صنعا في اصابعنا هاجس الكتابة ، وهما وحدهما من جعلا اعادة الذكريات في الرأس متسلسة ونحن نعيش مهاجرنا ونود استعادة تلك الأيام.
كانا يمتلكان سطوتها وسحرهما حيث يتوحد الليل المطرز بنشوة ولمعان ملايين النجوم في السقف السماوي الذي فوقنا ، فتأتي الكمانات والحناجر الشجية واصوات مذيعي نشرات الاخبار لتنقل لنا صورة العالم الذي نعيش بعيدين عنه في عزلة القصب والجواميس وفطرة اهل الاهوار عندما تحمل عامل الخدمة في مدرستنا ( شغاتي ) نظرات الاستغراب والاسئلة من اهل القرية يوم قرر أن يشتري مسجل سانيو بعد ان شارك في القرعة في معرض الشركة العامة للتجارة الافريقية التي كانت تبيع السلع المعمرة والى اليوم لا ادري لماذا اطلقوا اسم ( الافريقية ) على هذه الشركة التي تشارك الاورزدي باك بيع الكماليات الحضارية الى الناس وبالكاد عرفت معنى ومن اين أتت هذه الكلمة حيث تعددت الاقاويل عن اصل كلمة اورزدي , فمنهم من قال: انها مشتقة من الكلمة الانجليزية Ours Day Bag اي حقيبة تسوقنا اليومية. انها اسم شركة اجنبية افتتحت اول سوق بهذا الاسم ، او كلمة فرنسية تعني سوق مركزي او مول وهي مشروع التجاري في بغداد تابع لشركة عمر افندي وقد بيعت الى يهودي فرنسي يدعى اورزدي باك وسمي السوق بهذا الاسم.
شكل هذا الجهاز سرا سحريا في انزواء الرجل في صريفة نومه ، غير مكترث بشخير زوجته ام مكسيم وقد اتعبها نار كامل من الرعي والحًلب وعمل الطابك والطبيخ ، والان يجيء لها زوجها المسكين بأصوات لم تسمعها بحياتها ، فتحاول أن تضع خرقة قماش صغيرة في اذنيها لتتحاشى سماع ما لا تحب أن تسمعه عدا تلك الاغاني التي تطربها بصوت ناصر حكيم التي كانت تسمعها من الغرافون الذي يضعه صاحب مقهى في سوق الجبايش وكانت تعرض بضاعتها من القيمر أمامه ، فأطربت صدى صباحها بصوت ناصر حكيم وداخل حسن وحضيري من اسطوانات جقمقجي الذي كان صاحب المقهى يجلبها من تسجيلات ابو العود في الناصرية .
والآن هذا الرجل الذي تعده مجنونا تراه يأتي بجمهرة من الآلات تطلق نغما لاتعرف معناه ولاتدري انه ارقى هاجس لسماع الموسيقى ويسمونها السمفونيات..
تقول في قرارها :مجنون هذا الشايب وهو يسمع هكذا خرابيط.
يرد عليها هو بدارجة اهل الهور :ولج بنت المشعول هذا موزارت .
ترد هي :خليه الك تلتهى معاه انا لا يطربني.
الآن اقف امام بيت موزارت في مدينة سالزبورغ النمساوية ، اتذكر شغاتي ، واسئلته عن الصبي موزارت ، وسؤاله الغريب :هل كانا خداه احمران مثل خديّْ برجيت باردو الذي يراهمها مطبوعين على غلاف المجلات الفنية التي يجلبها المعلمون.
كاتب واديب عراقي مقيم في ألمانيا