آراء

نعيم عبد مهلهل : الحسين وسلفادور دالي

تقع كربلاء جنوب المحنة الواقعة بين الألاف والعشرات ومن جهتي القاتل والقتيل . الآف جيش يزيد أبن معاوية ، والعشرات أنصار الحسين بن علي .. وتقع غرناطة جنوب بساتين البرتقال بين الالاف والمئات .الالاف هم عساكر اليميني الجنرال فرانكو والمئات هم أنصار اليسار وأصدقاء لوركا وأنطونيو متشادو وروفائيل البرتي.
 
هذه المقارنة في حقيقتها لم تكن مدار بحث في أي دراسة ، لكن الصدفة حملة قصة الحسين ع المقتول في كربلاء 61 هجرية بسبب موقف ثوري وعبارة قالها : أن الظلم لكي لا يدوم عليك أن تقاومه . وهي ذات العبارة التي نقلها كاسترو الى الرسام الاسباني سلفادور دالي بحضور المناضل الثوري أرنستو تشي جيفارا . العبارة ظلت ترن كما جرس فخم في كنيسة نائية في مسامع الفنان وعندما عاد الى شقته الباريسية تخيل الأمر بصورته السريالية فرسم تفاحة على شجرة وتحتها وجوها بشعة تخرج من كرة أرضية يتسابق البشر على قضمها ، وهناك في أفق بعيد من ذات اللوحة رسم حواء وهي تبكي ويتساقط الدمع من عينيها كمانات ومدافعا وأدوات طبخ واثداء نساء وأشياء غامضة صغيرة الحجم ومن بينها رأسا مقطوعا لرجل كان الرسام يتخيله في نوبة الإلهام لديه وكما قرأه في واحدة من المرويات الدينية المسيحية ، أنه رأس يوحنا المعمدان على صحن من ذهب …
 
بقيت اللوحة تفسرها نظرة الشاعر وفق ما نقله اليه كاسترو فيما يفسرها نقاد السريالية على انها الشر والقسوة والجوع في الذات البشرية . في المعرض السريالي الثاني التي أقامته بلدية مدريد في بعد عودة الملكية وتخلي فرانكو عن كافة صلاحياته ، علقت اللوحة مع الأعمال الشهيرة لدالي وبيكاسو وغيره من الرسامين .. وفي الافتتاح كان دالي موجودا وعندما القى نظرة أخيرة على مكان لوحاته على الجدار انتبه الى هذه اللوحة وتذكر عبارة كاسترو . اخرج ورقة من جيب سترته القصيرة وكتب العبارة ذاتها وعلقها تحت اللوحة وكتب اسم كاسترو على شكل سيجار ..والغريب انه تذكر شكل توقيع الرئيس الكوبي فوقعه بدلا عنه وقال : في ذلك اللقاء خولني الرئيس بأشياء كثيرة ومنها التوقيع نيابة عنه.
 
في الافتتاح تسمر الفنان العراقي فائق حسين الذي يعتبر من اعظم الفنانين العراقيين الحفارين على الخشب المقيم في اسبانيا ( مواليد الناصرية ــ 1944 ــ 2003 ــ محلة الجامع ) أمام اللوحة حين قرأ العبارة وصرخ بدون شعور : تلك العبارة ليس لكاسترو .انها للأمام الحسين بن علي .انا سمعتها من فم قارئ حسيني يجلبه موكب الندافين في الناصرية في كل شهر محرم اسمه الشيخ النويني وهو ذكر العبارة عن لسان الحسين ليعلم الحاضرين المعنى الحقيقي للثورة .
 
لم يفهم اغلب الحاضرين حماس الفنان وتفكيره ، فالأجانب هنا في اغلبهم قد سمع وقرأ قصة رأس يوحنا المقطوع ولكنه لم يسمع بقصة رأس الحسين . وحده الفنان سلفادور دالي انتبه الى كلام الفنان العراقي وحماسه وسأله عن مصدر العبارة عندما أخذه بعيدا وأجلسه في زاوية وأريكة أثرية كانت من بعض أثاث السفينة التي اكتشف فيها كولمبس أمريكا جلس الاثنان وبأصغاء حقيقي سمع دالي قصة الحسين ع من الفنان العراقي الشاب واكد له أن العبارة هذه متداولة عن فم الإمام الشهيد عبر الأجيال . لم يرد دالي على كلام الفنان فائق حسين سوى بعبارة: لقد قالها كاسترو ولم يشر الى مصدرها .لقد كذب عليَّ فلم يكن هو قائلها . ثم توجه الى اللوحة ليشطب توقيع كاسترو ويضع توقيعا على شكل طغراء ويكتب اسم الحسين بحروف لاتينية ، ثم قال وهو يعيد اكتشاف لوحته : عليَّ أن انزلَ اللوحة من الآن وأعيدها الى البيت لأجعل الرأس المقطوع كبيرا ….!
 
 
 
كاتب واديب عراقي مقيم في المانيا
زر الذهاب إلى الأعلى