«داعشيات» في مهمة تجنيد
في حين قال مراقبون إن تنظيم داعش الإرهابي بات يعتمد بشكل كبير الآن على الغربيات العائدات من أرض الهزائم في سوريا والعراق، للتخطيط للعمليات الإرهابية المقبلة، واستخدامهن كمنسقات عبر الإنترنت لتجنيد أتباع جُدد، سواء رجال أو نساء، والتنسيق بين عناصر التنظيم القديمة والجديدة، أكد باحثون في الحركات الأصولية أن الكتائب الداعشية تتواصل مع النساء عبر قنوات متخصصة على موقع «تليغرام»، وأن التنظيم نجح في إعداد جيل من «المنظرات الجدد» اللائي لم يكتفين بدراسة المواد الشرعية، بل يشاركن بأنفسهن في استقطاب غيرهن من الرجال والنساء. وأوضح الباحثون أن «توظيف النساء في تنفيذ العمليات الإرهابية قد حقق كثيراً من المزايا لـ(داعش)، إلى جانب مضاعفة المجندين المحتملين. وساهم تقليل المتابعة الأمنية لهن في إمكانية مرورهن للأماكن المزدحمة والمستهدفة بسهولة، دون إثارة للريبة».
أدت النساء أدواراً محورية في «داعش»، من بينها دعم الأزواج، وتربية الصغار على الأفكار المتطرفة، وتجنيد أخريات. وقال رسمي عجلان، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» استخدام النساء العائدات في استقطاب الأفراد الجُدد، حيث يعملن كحلقة وصل بين «المتطرفين» الجدد والمقاتلين المتمرسين، ويعملن أيضاً كمنسقات على الإنترنت، حيث يقمن بدور المنسق بين قيادة «داعش» والأفراد المقاتلين، أو الخلايا الصغيرة القتالية، أو الذئاب المنفردة، مضيفاً أن النساء اللاتي كانت مهمتهن الحمل والإنجاب والعمل بالمنزل في البداية، باتت لهن قدرة كبيرة على تجنيد المزيد من المتطرفين بصورة فعالة خلال الفترة الماضية.
وأكد عجلان أن الداعشيات تحت سن الثلاثين يستطعن حمل السلاح الذي يخلفه الرجال الذين لقوا مصرعهم في المعارك بسوريا والعراق، فهن لسن فتيات ساذجات يسعين وراء الحب، أو وجدن أنفسهن بطريق الخطأ في صفوف «الخلافة المزعومة»، بل إنهن أكثر نشاطاً وعنفاً من ذي قبل. فقد تم الاعتماد على النساء في مجال اللوجيستيات والدعاية والتجنيد، فضلاً عن القيام بعمليات انتحارية.
تناقض «داعشي»
وكشف عجلان عن زيف زعم تنظيم داعش، الذي كان يزعم أنه يطبق صحيح الدين الإسلامي مع النساء، لكنه استخدمهن بصورة أكبر في العمليات الحركية، وإنشاء كتائب نسائية، على رأسها «كتيبة الخنساء» التي أُنشئت للعمل في الحسبة ومراقبة النساء، ثم تطور الأمر إلى نزول المرأة إلى ساحة القتال، وترك المنزل نتيجة للتطورات الأخيرة للوضع الداعشي، وانحساره على الأرض بسبب الهزائم المتلاحقة على يد قوات التحالف في سوريا والعراق. ويبدو أن دائرة استغلال النساء اتسعت بشكل أكبر، خصوصاً في ظل وجود النساء الغربيات المنضمات للتنظيم.
ويتسق كلام عجلان مع دراسة لوحدة التحليل والمتابعة بمرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الافتاء المصرية، أكدت أن تنظيم داعش يناقض فتاواه حول حقيقة مشاركة المرأة في العمليات القتالية، سواء ما جاءت به صحيفة «النبأ» الأسبوعية التي شرّعت مشاركة المرأة في القتال، أو فتاوى إذاعة «البيان»، التابعة للتنظيم، التي رفضت مشاركة المرأة في القتال.
وقالت الدراسة المصرية التي اعتمدت على تحليل مضمون 8 كتب أعدها «ديوان الافتاء، ومكتبة الهمة»، إضافة إلى عدد من الفتاوى الصوتية الصادرة عن «إذاعة البيان»، الناطقة باسم التنظيم، وبعض المقالات التي كتبها رموز «داعش» في صحيفة «النبأ»، إنها توصلت إلى أن تلك النصوص كشفت الشذوذ الفكري لدى التنظيم الإرهابي، في المضمون الديني والاجتماعي، وفضحت جهل أتباع التنظيم بالأصول الفقهية والشرعية، وانفصالهم عن الواقع المعاصر، وإفلاس التنظيم من المشروع الإنساني المحقق لمقاصد الشريعة.
وأوضحت الدراسة، التي أعدها باحثون في دار الافتاء، أن أفكار التنظيم حول المرأة أكدت جهله بماهية حقوق وواجبات المرأة في الإسلام، وانحصار رؤية الفكر الداعشي للمرأة في جانب الغريزة الجنسية المتطرفة حد الهوس الجنسي، حيث ركزت غالبية النصوص التي يتبناها فكر الدواعش في الحديث عن المرأة على أحكام «وطء المرأة بعد سبيها، والاستمتاع الجنسي بالسبية، وأحكام زواج المرأة بعد سبيها، والتفريق بينها وبين زوجها»، واعتبر التنظيم سبي المرأة خير وسيلة لتسهيل زواج عناصره غير المقتدرين.
وأضاف الباحثون أن دراسة رؤية «داعش» كشفت غلبة السادية العنيفة على عقلية أفراد التنظيم في تعاملهم مع المرأة، فمعظم كتابات التنظيم تحقر المرأة وتسلبها كيانها الإنساني المتمتع بالحقوق والواجبات، فهي لا ترى في المرأة سوى أداة للجنس، توطأ وتباع كأي شيء مملوك، كما أنها تورث ويتم التشارك فيها، وهي تضرب وتعنف إذا ما خالفت «سيدها». كما أشارت إلى أن التنظيم الإرهابي أفتى بردة وتكفير المسلمات اللاتي لا يخضعن لأحكامه، بل توسع التنظيم في استخدام هذا المصطلح لتبرير اختطاف أكبر عدد من النساء في مناطق نفوذه، وهو ما دلت عليه حوادث التنظيم في سوريا، بمنطقة السويداء، أخيراً.
وكشفت الدراسة أيضاً عن أن نصوص التنظيم الداعشي فرضت وصاية على المرأة في ملبسها، بتأكيدها وجوب ارتداء المرأة للنقاب، وإصدارهم فتاوى متعددة تقضي بحرمة ارتداء أي ملابس سوى النقاب. كما حرمت اختلاط المرأة بالرجال، وشددت على حرمة خروج المرأة من منزلها إلا للضرورة، وعدم سفرها دون محرم.
«قتال مُباشر»
وأكد الباحثون في دار الافتاء أن نصوص التنظيم وكتاباته، التي قامت بتحليلها ودراستها، أوضحت وجود مزيد من التناقض والإفلاس والجهل الشرعي لدى عناصر التنظيم في ما يتعلق بالمرأة، وقد تنوعت مساحات التناقض والإفلاس في النصوص، ومنها غياب أي نص مكتوب من قبل التنظيم، أو «ديوان الافتاء» التابع للتنظيم، يعمل بشكل أساسي على تأصيل أحكام مشاركة النساء مباشرة في العمليات القتالية، ووجود فتاوى متناقضة حول حقيقة مشاركة المرأة في العمليات القتالية، سواء ما جاءت به صحيفة «النبأ»، التي شرعت مشاركة المرأة في القتال، وفتاوى إذاعة «البيان»، التابعة للتنظيم، التي رفضت مشاركة المرأة في القتال، وهي تتناقض أيضاً مع ما جاءت به مطوية «وجوب ستر المرأة» الصادرة عن التنظيم. وهناك تناقض بين فتاوى التنظيم النسائية والواقع الميداني للتنظيم، فقد كشفت بعض إصدارات التنظيم المرئية عن توظيف المرأة في العمليات القتالية مباشرة، كما أن التنظيم أتاح لعناصره النسائية كشف الوجه، رغم تحريمه ذلك في العمليات، كما اختلطت نساء التنظيم مع الرجال في أثناء وبعد تنفيذ العمليات، رغم تحريم مسألة الاختلاط.
«مقاتلات جُدد»
وفي السياق ذاته، قال تقرير لمرصد الأزهر في القاهرة إن الجماعات الإرهابية استخدمت النساء للقيام ببعض العمليات التي يصعب على الرجال اختراق أهدافها. وبعودة الأجنبيات المنضمات لتنظيم داعش إلى الغرب، أمكن للدواعش استغلال الفكرة الشائعة عن أن النساء لا يمثلن خطراً كبيراً، في ما يتعلق بالهجمات الإرهابية، مثل الرجال. وأضاف المرصد، في تقرير له: رغم أن سوريا والعراق كانت معقلاً لهؤلاء المنسقات والمخططات، فإنه حديثاً بات ممكناً أن تتم هذه العمليات على نطاق أوسع في الدول الغربية التي سوف يتفرق بها العائدات الأجنبيات. وبما أن النساء الغربيات في «داعش»، اللائي عملن مستقطبات للتنظيم، يتمتعن بأسلوب مقنع لجذب الأخريات، فعمل المرأة كمخطط للعمليات يوحي بأن الغرب سوف يضم المزيد من المقاتلات من النساء.
وخلص تقرير الأزهر إلى أن الدور النسائي في الجماعات الإرهابية سوف يظل محل تناقض دائم، فهم يدعون دائماً إلى اقتصار دور المرأة على داخل بيت الزوجية، باعتبارها زوجة وأماً تربي جيلاً من المقاتلين، ثم إذ بهم يخرجونها من بيتها لتحمل السلاح وتقاتل معهم، كما يبرز دورها أيضاً في التنسيق والتخطيط الإلكتروني للعمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم. ونرى أنه إذا كانت النساء المقاتلات في صفوف الإرهاب يمثلن خطراً على مجتمعهن، في ما يتعلق بتنفيذ الهجمات الإرهابية والتخطيط لها، فإن الخطر الأكبر هو غرس هؤلاء النساء للآراء المتطرفة التي تشبعن بها في عقول أبنائهن، ليصحو العالم على جيل من الأطفال المتطرفين ينتشرون في أرجائه.
«فتاوى متناقضة»
وقدر المراقبون نسبة المراهقات المنضمات لتنظيم داعش بنحو 55 في المائة، وأن حلمهن كان في البداية مجرد الزواج بأحد عناصر التنظيم في أرض «الخلافة المزعومة»، لكن تحول إلى سعيهن لتنفيذ هجمات انتحارية والمشاركة في القتال.
وعن استخدام «داعش» للنساء بشكل كبير الآن، أكد رسمي عجلان أن «من أبرز العوامل التي يستغلها التنظيم لجذب أعداد جديدة لصفوفه هي ضعف الوازع الديني، الذي قد يتوفر في المسلمات الجُدد اللاتي لم تكتمل لديهن حصيلة وافية من المعرفة الواعية بالإسلام». والمنسقات الداعشيات يستهدفن استقطاب المراهقات الأوروبيات حديثي العهد بالإسلام، حيث يعاني معظمهن من مشاكل أسرية، وعدم المعرفة الكافية بدينهن.