أطفال داعش ولدوا في سوريا لأمهات أوروبيات ودول ذويهم ترفض استقبالهم
على مدى سنوات لم تتلق عشرات الأسر رسائل تذكر من بناتها اللائي سافرن للانضمام لما يعرف بتنظيم (داعش).
والآن تلقت هذه الأسر في مختلف أنحاء أوروبا رسائل منهن يتوسلن فيها من أجل العودة للوطن من أماكن احتجازهن في سوريا.
هؤلاء البنات يمثلن بعضا من 650 أوروبيا كثيرون منهم أطفال رضع محتجزون كما تقول مصادر كردية لدى فصائل كردية مسلحة تدعمها الولايات المتحدة في ثلاثة مخيمات منذ هزيمة داعش في العام الماضي.
ولا يرغب الأكراد الذين يتولون حراستهم في بقائهم كما أنهم يسببون صداعا للمسؤولين في أوروبا.
وفي رسائل تم إرسالها عبر الصليب الأحمر وفي رسائل هاتفية تتوسل البنات من أجل السماح لأولادهن بالعودة لتربيتهم في أوطانهن.
ففي رسالة تلقتها امرأة في مقهى بأنتويرب تؤكد ثرثرة أحفادها الصغار مناشدات الأم.
وتريد امرأة أخرى في باريس رعاية أحفادها الثلاثة الذين قالت إنها لم تلتق بهم إذ ولدوا بعد أن رحلت ابنتها إلى سوريا في العام 2014 في سن الثامنة عشرة. وقالت المرأة "إنهم أبرياء. لم يكن لهم دور في شيء من ذلك".
ومثل أقارب آخرون للمحتجزات في سوريا طلبت المرأتان إخفاء هويتهما خوفا من ربطهما بتنظيم الدولة الإسلامية وخشية أن تتعرض البنتان لتصرفات انتقامية.
وقد تسلمت الولايات المتحدة، مثل روسيا وإندونيسيا، بعض مواطنيها وتريد أن تقتدي بها أوروبا خشية أن ينمو في المخيمات جيل جديد من المتطرفين.
مقاتلون من وحدات حماية الشعب الكرديةرويترز
وقال مسؤول أمريكي كبير في مجال مكافحة الإرهاب "نحن نقول للحكومات الأوروبية: استعيدوا مواطنيكم وحاكموهم… فهم أخطر عليكم هنا منهم عند عودتهم للوطن".
وترفض أوروبا في أكثر الأحيان حيث لا يوجد تعاطف يذكر مع أسر المقاتلين المتشددين إذ لا تزال آثار الهجمات القاتلة ماثلة في الأذهان في عواصم كثيرة ويقول دبلوماسيون أوروبيون إنهم لا يمكنهم التصرف في منطقة لا تحظى فيها سيطرة الأكراد باعتراف دولي.
وبالنسبة للأطفال أنفسهم ربما يتحدد مصيرهم من خلال الدولة التي جاءت منها أمهم.
ويقول الأكراد إنه ليس من مهامهم محاكمة هؤلاء أو الاحتفاظ بهن إلى أجل غير مسمى الأمر الذي خلق مأساة قانونية للأمهات والأطفال.
وقال دبلوماسي كبير تدخل هذه المشكلة ضمن اختصاصاته "لا أحد يريدهم على الإطلاق. فكيف تقنع الرأي العام بأنك تعمل بهمة لمساعدة أسر أعدائك؟"
غير أن القلق المتزايد من التخلي عن مئات الأطفال الذين يحق لهم الحصول على جنسيات الاتحاد الأوروبي، وأغلبهم دون سن السادسة، يدفع الحكومات للعمل سرا على استكشاف سبل معالجة التعقيدات التي تنجم عن إعادتهم للبلاد.
وقال روبرت برتولي رئيس وكالة المخابرات الهولندية (أفيد) في وقت سابق من العام الجاري "الخطر الناشئ عن أطفال دولة الخلافة غير مسبوق حقا وغير مرئي ومعقد جدا – خطر علينا أن نتعامل معه على الفور".
وأضاف "هؤلاء الأطفال ضحايا قبل أي شيء آخر".
ويقول مسؤولون فرنسيون إنهم سيعملون على إعادة الأطفال للوطن لكن دون الأمهات. وقال مصدران من الاستخبارات الأوروبية إن دولا أخرى من أعضاء الاتحاد الأوروبي تجري محادثات مع السلطات الكردية غير أن هذه المباحثات معقدة لأن الأكراد يريدون أن تأخذ الحكومات كل رعاياها لا الأطفال الصغار فقط.
وقال مصدر أمني أوروبي كبير "كلنا نتفق على الأطفال لكن لا نتفق على الأمهات".
رسائل للوطن
جمع الصليب الأحمر هذا العام حوالي 1290 رسالة موجهة للأسر في زيارات لمخيمات الروج والهول وعين عيسى التي تعيش فيها النساء المحتجزات.
وتقع المخيمات في منطقة من سوريا تحت السيطرة الكردية في أعقاب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في كل الأراضي التي كان يحتلها تقريبا في سوريا والعراق.
كتبت امرأة في الثالثة والعشرين من العمر "مامي وبابا سامحوني على كل شيء" ورسمت قلوبا صغيرة على هامش الصفحة التي كتبت فيها رسالتها. وأضافت بخط متعجل "لقد مررت بأمور لا يتخيلها العقل. وأريد أن أكون معكم وألا أرحل أبدا".
امرأة تنظر من خلال النافذة خلال اجتماع لـ(جهاد الأمهات) وهي مجموعة تهدف إلى إعادة نساء وأطفال بلجيكيين محتجزين في مخيمات للاجئين السوريين
وترسم هؤلاء النساء صورة قاتمة. فمرض السل متفش كما أن الطعام وألبان الأطفال والرعاية الطبية لا تتوفر بما يكفي. بل حدثت وفيات بين هؤلاء النسوة.
وقال نديم حوري مدير برنامج مكافحة الإرهاب في منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الذي زار بعض المخيمات "إبقاؤهن هناك ليس خيارا عمليا في الأجل الطويل".
وأضاف "أنت لا تبني سياسة مكافحة الإرهاب على أساس الرأي العام".
ويقول المسؤولون الأكراد إن من تحت حراستهم من الأجانب يمثلون 900 مقاتل من تنظيم داعش و500 امرأة وأكثر من ألف طفل.
وتقول مصادر أمنية غربية إن الأعداد ستتزايد إذ تعمل قوات التحالف على تطهير جيوب التنظيم الباقية.
وتخشى المصادر ألا تتحمل المخيمات بقاءهم لفترة طويلة. فقد أعادت القوات الكردية بعض النساء إلى مقاتلي التنظيم مقابل الإفراج عن أسرى كما أطلقت سراح أخريات.
ويوضح تقرير أعده المركز الدولي لدراسة التطرف في لندن أنه رغم أن النساء يمثلن حوالي 20 في المئة من 5900 أوروبي غربي انضموا لتنظيم داعش وقد أنجبن ما لا يقل عن 566 طفلا في الخارج فلم يعد إلى أوروبا سوى قلة منهن.
غموض قانوني
رفعت أسر في بلجيكا وفرنسا وهولندا دعاوى قضائية على الحكومات للتدخل وإعادة أحبتها إلى البلاد.
وقد وجهت إحدى الأمهات التماسات للسلطات منذ تلقت رسالة في 30 مارس آذار من ابنتها وهي واحدة من 20 امرأة بلجيكية على الأقل يعشن في المخيمات.
قالت الأم في لقاء مع أمهات أخريات من مختلف أنحاء البلاد تناولن فيه الشاي والكعك وتبادلن الحديث عن همومهن في أحد أيام السبت بأنتويرب "جربت كل شيء. لا صوت لنا. فنحن موصومون بأننا آباء وأمهات الإرهابيين".
وتطلق النساء على قضيتهن اسم جهاد الأمهات ويخططن لرفع دعاوى قضائية جماعية بعد أن خسرت إحدى الأمهات من هذه المجموعة قضية من أجل إعادة ستة أحفاد كلهم دون سن الخامسة أنجبتهم ابنتها وابنة زوجها من مخيم الروج.
وقضى القاضي بأنه رغم أن على بلجيكا واجب أخلاقي بمقتضى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل يلزمها بإعادة الأطفال فلا يمكن إرغامها على أن تفعل ذلك في منطقة الحرب التي لا سلطة فيها لدولة.
وقالت الجدة بعد صدور الحكم "لقد انكسرت".
وفي هولندا حقق محامون يمثلون حوالي 35 امرأة يعشن في المخيمات نصرا صغيرا. وأصدر قضاة أحكاما تقضي بضرورة أن تعيدهن الحكومة لمحاكمتهن وإلا فسيحاكمن غيابيا عن دورهن في تنظيم داعش.
وما دامت السلطات الهولندية لا تتحرك فستظل محاكماتهن مجمدة. وقال مسؤول بالحكومة "هو قرار سياسي. دول أخرى تأخذ خطوات لإعادتهن".
وفي فرنسا يقول محامون إن غياب الموقف الحكومي الرسمي فيما يتعلق بما لا يقل عن 60 امرأة فرنسية و150 طفلا في المخيمات جعل من الصعب رفع الدعاوى في المحاكم.
وقال مارتان براديل الذي يمثل عدة أسر "قوبلنا بصمت مشوب بالاحتقار".
"إنكار وذعر"
يعتبر الأطفال في عيون المسؤولين ضحايا ومصدر خطر في الوقت ذاته لذلك فإن إعادتهم إلى المدارس والبيوت في أوروبا محفوف بالصعوبات.
وقال بيتر ماورير رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر "أدرك الحساسيات في البلاد التي عانت من اعتداءات إرهابية ومع ذلك فما زلنا نأمل في تسهيل الحلول الإنسانية للأطفال".
غير أن اختبارات الحمض النووي لتأكيد الجنسية قد لا تتيسر في الحالات التي تكون الأمهات قد توفيت فيها. ففي كثير من الأحيان تتزوج الأرامل في تنظيم داعش مرة أخرى الأمر الذي يعقد مشاكل حضانة الأطفال. كما أن فصل الأطفال عن الأمهات يخرق القانون الإنساني الدولي.
وقال موريل دوميناش الذي يقود مساعي لمحاربة التطرف في فرنسا حيث تولت الدولة أمر حوالي 78 طفلا من أبناء المتشددين الذين فروا من تنظيم داعش "يجب أن يتوقف النقاش عن التأرجح بين الإنكار والذعر".
وأضاف "هؤلاء ليسوا أطفالا مثل بقية الأطفال ولا هم قنابل موقوتة".
وعندما يفحص الأطباء النفسيون الفرنسيون الصغار للمرة الأولى يجدونهم في حالة صدمة لفصلهم عن أمهاتهم في المطار.
وقال تيري بوبيه الذي يعالج 40 طفلا في إطار برنامج أعدته السلطات الفرنسية العام الماضي "نجدهم في حالة مزرية عندما نفحصهم".
ويتم تسليم الأطفال لأسر حاضنة خلال الفترة التي تحتجز فيها الأمهات العائدات قبل محاكمتهن. ويحتار الكثير من هذه الأسر في كيفية التعامل مع حالة الصدمة وقد بدأت تحضر جلسات جماعية ينظمها الأطباء النفسيون.
وفي كثير من الأحيان يكون الأطفال في سن صغيرة لا تسمح لهم بفهم الوصمة المرتبطة بتنظيم داعش أو مدى الانزعاج الذي قد تسببه كلماتهم للجيران والمدرسين ومشرفي الرعاية الاجتماعية.
وقال بوبيه "يتحدثون عن القنابل. ويتحدثون عن آبائهم الراحلين. ويتكلمون عن تنظيم داعش طول الوقت".