“الحوالة”.. نظام تحويل الأموال المعتمد لدى المهاجرين والمهربين
يقدم مهربو البشر يوميا عروضا عديدة لإغراء الراغبين بخوض غمار الهجرة غير الشرعية ويحددون سعر الرحلة وفقا لطريقة التهريب. ولتيسير معاملاتهم المالية، يعتمد المهربون بشكل أساسي على ما يدعى "نظام الحوالة". لكن على ماذا يقوم هذا النظام، ولماذا يعتمد عليه المهربون والمهاجرون؟
يقدم أبو خالد وعودا وعروضا للمهاجرين لإيصالهم من تركيا إلى اليونان عبر البحر. ولكي يقنعهم بخوض غمار رحلة الهجرة غير الشرعية، يؤكد لهم بأنه يمكنهم استخدام "نظام الحوالة" (خارج النظام المصرفي الرسمي)، أي أنه لن يستلم المبلغ المطلوب إلا بعد وصولهم إلى اليونان.
وباستخدام نظام الحوالة، لا يضطر المهاجر إلى التنقل مع مبالغ مالية كبيرة نظرا للمخاطر التي قد تواجهه خلال رحلته. ويتمكن المهرب من الحصول على المال دون وجود وثائق تثبت التحويل المالي.
ضمن إطار تحقيق صحافي حول الهجرة غير الشرعية، قال المهرب أبو خالد لمهاجر نيوز " تبلغ التكلفة 500 دولار للشخص الواحد، وبإمكانك وضع المال في أحد مكاتب التأمين في تركيا وتختار رقما سريا (كود) لا أحد يعرفه سوى المكتب، وبعد وصولك إلى اليونان ترسل لي الرقم حتى أتمكن من سحب المال".
واستعان سعيد، وهو لاجئ سوري وصل إلى جزيرة ليسبوس في العام 2016، بأحد المهربين في تركيا. وقبل موعد الرحلة بأيام، وضع سعيد 700 دولار في أحد مكاتب التأمين في إزمير التي تنشط فيها عمليات تهريب البشر إلى الجزر اليونانية. وبعد وصوله إلى اليونان، اتصل سعيد هاتفيا بالمهرب وأعطاه الرقم السري الخاص ليتمكن من سحب المبلغ.
واتخذ الاتحاد الأوروبي قرارات تسعى لتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء ضد شبكات المهربين من خلال قنوات الشرطة الأوروبية "الإنتربول". وبحسب مكتب المفوضية الأوروبية، كان العام 2016 الأكثر دموية بالنسبة للمهاجرين في البحر الأبيض المتوسط منذ عدة سنوات، إذ تم تسجيل وفاة أكثر من 5000 شخص.
ما هو نظام الحوالة وعلى ماذا يعتمد؟
تعتبر الحوالة إحدى الوسائل غير الشرعية لتحويل الأموال من مكان إلى آخر من خلال شبكة غير رسمية خارج النظام المصرفي، بشكل يعتمد على الثقة بشكل أساسي بين أطراف العملية.
وتفيد مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، أن تحويل الأموال في هذه الحالة "لا يتم فيها عادة انتقال مادي أو إلكتروني للأموال"، بل تتم عبر تسوية متفق عليها بين الوسيط المرسل والوسيط المستلم.
ويتم تحويل الأموال بشكل قانوني عادة عن طريق المصارف أو شركات مختصة مسجلة لدى المصرف المركزي توثق العملية المالية.
ويختلف نظام الحوالة عن نظام التحويل المصرفي، فالحوالة نظام غير مركزي و"مكاتب التأمين" التي يعتمد عليها المهربون غير مسجلة أو مرخص لها لدى سلطة المصرف المركزي في الدولة التي يقع فيها مكتب الحوالة.
لماذا يستخدم المهربون والمهاجرون نظام الحوالة؟
تختصر الحوالة الكثير من الإجراءات المصرفية المعقدة التي تتطلب عددا من الوثائق الرسمية (مصدر المال، هوية العميل…) كما هو الحال في البنوك التقليدية، وذلك لأنها لا تخضع إلى المعايير الرسمية المستخدمة في الأنظمة المصرفية.
وبذلك يتم تحويل المال بدون أوراق توثق المبلغ وعملية الحوالة وتاريخها وأطرافها.
وبدون تلك الوثائق، يصبح من غير الممكن تتبع الأموال لأنها خارج منظومة عمل المؤسسات المالية.
ويوضح الصحافي الاقتصادي محمد بسيكي لمهاجر نيوز أن "التهريب عمل غير مشروع بطبيعة الحال ومخالف للقوانين. وبالتالي إيجاد هذا النموذج من التحويل اللاشرعي للأموال يأتي للتغطية على العملية ولتحقيق العوائد المالية التي هي أصلا لقاء عمل غير مشروع". مؤكدا أن العملية كلها غير آمنة وغير موثوق بها لأنها خارج الإطار الرسمي.
عمليات النصب والاحتيال
ومن خلال شهادات المهاجرين الذين لجأوا إلى هذه الطريقة، نلاحظ وقوع الكثير من عمليات الاحتيال حيث لا يستطيع المهاجر سحب المال في حال عدم وصوله إلى وجهته مثلا أو إذا عدل عن رأيه بعد إيداع المال.
ويشير أبو أنور، وهو لاجئ سوري مقيم حاليا في ألمانيا، إلى أنه استعان بأحد المهربين في تركيا من أجل السفر إلى اليونان، لكنه وقع ضحية استغلال المهرب الذي "قام بسرقة مبلغ 2000 يورو وضعته بصحبة 4 أشخاص آخرين في أحد مكاتب التأمين، لكن المهرب احتال علينا ولم نستطع سحب سوى نصف المبلغ الذي كنا قد وضعناه في المكتب".وأكد أبو أنور لمهاجرنيوز أن "هذه الضمانات التي يقدمها المهرب للمهاجر تبقى عارية عن الصحة والمهرب يستطيع الحصول على المال بعد مرور حوالي 10 أيام حتى إذا لم يكن الرقم السري بحوزته".
يوجد شكل آخر من أشكال الحوالة يعتمد بشكل أساسي على الثقة والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد من نفس الجنسية في بلد ما مثلا.
ويرسل الشخص المال من بلد إلى آخر عبر وسيط (عن طريق أحد أصدقائه أو أحد المعارف)، ويتفق مع الشخص على تفاصيل إرسال المال. ويختلف الأمر وفقا لكل حالة ومستوى المعرفة بين الأشخاص.
وفي هذه الحالة، يتم الانتقال الفعلي والمادي للأموال.
وهنا قد يتم انتقال الأموال بالعملات الأجنبية كالدولار واليورو من بلد إلى آخر خارج سعر الصرف الذي يتم تحديده رسميا وفقا للدولة. ويشير بسيكي إلى أن "التحويل غير الرسمي عبر القنوات غير المرخصة يسبب خسارة لخزينة الدولة لأنه يمنع دخول القطع الأجنبي عبر القنوات الرسمية إلى الخزينة، وهذا يضغط على سعر الصرف وعلى الاحتياطي النقدي".
وقد تلجأ شبكات التهريب في حال تواجد أعضائها في دولتين مختلفتين، إلى نقل الأموال من دولة إلى أخرى عبر وسطاء.
فمثلا، يدفع المهاجر جزءا من المبلغ قبل السفر وبعد وصوله إلى وجهته يعطي الجزء المتبقي إلى وسيط يتبع للمهرب. وبذلك يتمكن المهربون من تغطية تكلفة تجارتهم وتحقيق الأرباح (كتكلفة صنع الوثائق المزورة وتكاليف التحضير لرحلات الهجرة غير الشرعية في البحر).
عوامل مغرية
وقد تأخذ الحوالة شكلا آخر يعتمد على تحويل قيمة المال دون الانتقال الفعلي للمال.
ووفقا لتقارير صحفية، يشتري المهاجر في السودان مثلا، ما قيمته 200 دولار من دقائق خطوط الهاتف المحمول المدفوعة مسبقا، وبعدها يرسل الرقم السري الخاص بهذه الدقائق للمهرب عبر رسالة نصية. وتستخدم دقائق المحمول المدفوعة مسبقا كعملة في أجزاء عديدة من أفريقيا خاصة في الأماكن التي تندر فيها المصارف أو تكون غير موثوقة.
ومن العوامل الأخرى المغرية في الحوالة هي التكلفة المنخفضة لرسوم التحويل. ففي مكاتب التحويل الرسمية مثل "ويسترن يونيون"، يتم فرض نسبة معينة على المبلغ المراد تحويله، وبالتالي تكلفة التحويل بالطريقة الرسمية أعلى بكثير من الحوالات غير الرسمية.
ويوضح ديليب راثا، المتخصص في الهجرة والتحويلات في البنك الدولي في نيويورك لمهاجر نيوز أن "الحوالة في بعض الأحيان هي الطريقة الوحيدة لتحويل الأموال إلى دول في حالة حرب مثلا. ونحن لا نوافق على هذا النظام [الذي هو غير قانوني في أوروبا وفي جزء كبير من الغرب] ولكننا نعرف أنه مستخدم من قبل الكثير من الأشخاص. والحوالة على سبيل المثال واسعة الانتشار في دول الخليج".
كذلك لقيت الحوالة اهتمام المنظمات الدولية المختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مثل مجموعة العمل المالي (FATF) التي تعمل على مواجهة استغلال المجرمين للنظام المالي.
infomigrants