هل صرف المهاجرون النظر عن طلب اللجوء في أوروبا؟
أصدرت منظمة "أطباء بلا حدود" تقريرا حول أوضاع المهاجرين النفسية في بلجيكا، والظروف المعيشية الصعبة التي يمرون بها. فإضافة لحالات القلق الدائم والإحباط التي باتت ملازمة لهم، عبر المهاجرون عن خيبتهم من الاستقبال الذي حظوا به في أوروبا، ما دفع معظمهم للتفكير بالذهاب إلى بريطانيا، معتقدين أن سوق العمل متاح والمساعدات الإنسانية أوفر وأنها تتمتع بنظام لجوء أكثر عدلا.
صدر مؤخرا عن منظمة "أطباء بلا حدود" تقرير يتحدث عن واقع مهاجري "الترانزيت" في بلجيكا، أي أولئك الذين يريدون استكمال رحلتهم إلى دول أوروبية أخرى، والأسباب التي تمنعهم من طلب اللجوء أو أي نوع من أنواع الحماية الأخرى في بلجيكا.
ووفقا لشهادات معظم المهاجرين التي جاءت في التقرير، فإن أوروبا التي حلم بها المهاجرون ليست أوروبا التي وجدوها على أرض الواقع. وكانت المنظمة الدولية قد جمعت تلك الشهادات خلال تموز/يوليو 2018 في محيط حديقة ماكسيميليان العامة في بروكسل ومحطة قطارات الشمال، فضلا عن بيانات جمعها فريق المنظمة العامل في عيادة الأمراض النفسية الموجودة ضمن مقر "مجموعة العمل الإنساني".
"فقدنا الأمل"
أحد المهاجرين القادمين من أريتريا، قال في شهادته التي وردت في التقرير "جئنا إلى أوروبا بسبب الأوضاع المتدهورة في بلداننا، ولكن يبدو أن الوضع هنا ليس مختلفا. نحن نعيش الآن بدون أي هدف ولا نعرف وجهتنا القادمة، فقدنا الأمل".
مهاجر آخر يقول "الإجراءات معقدة وطويلة… أنت بحاجة للأوراق هنا كي تتمكن من الحياة بشكل طبيعي، ولكن عليك الخوض بإجراءات طويلة جدا، دون أن تكون متأكدا من أنك ستحصل على الأوراق في نهاية المطاف".
يذكر أن جميع المهاجرين الذين وردت شهاداتهم في التقرير، وصلوا إلى بلجيكا بعد عبور عدد كبير من الدول الأوروبية، حيث تم رفض لجوئهم فيها كلها. يضاف إلى ذلك خوفهم وقلقهم الدائم من معاهدة دبلن ومفاعيلها، حيث من الممكن أن يتم ترحيلهم في أي وقت.
ووفقا للأطباء والأخصائيين النفسيين في عيادة "أطباء بلا حدود" النفسية في مقر مجموعة العمل الإنساني، فإن حالة "الانتظار" التي يمر بها هؤلاء المهاجرين تمنعهم من تخطي الصدمات التي تعرضوا لها، وهي تترجم نفسها بحالات القلق والإحباط وفقدان السيطرة، ما ينتج عنها عدم القدرة على النوم والكوابيس وحتى الأفكار الانتحارية.
صدمات نفسية مؤذية
ويضاف إلى كل ما سبق الحالة المعيشية الصعبة التي يعاني منها المهاجرون. فعند إعداد التقرير، كان نحو 70% من المهاجرين المستطلعين ينامون في الشارع في محيط حديقة مكسيميليان العامة. وهذا وضع لم يتوقع المهاجرون أن يعيشوه في أوروبا أبدا. فالحياة في الشارع وما يرافقها من بحث دائم عن الطعام والماء والمأوى، تثير صدمات نفسية من الماضي.
مهاجر إريتري آخر يبلغ من العمر 22 عاما قال "من الصعب أن أعيد شريط ذكريات ما مررت به، خاصة في السودان وليبيا. لقد تعرضنا للعنف والتحرش والاستغلال، أحيانا كان حراس السجن في ليبيا يقدمون لنا ماء الشرب المخلوط بالمحروقات وغيرها من الأشياء الكريهة… أنا تعرضت للتحرش مرارا وللضرب أيضا… لا أريد أن أتذكر تلك المرحلة".
بريطانيا وجهة بديلة
بعض المرضى ممن يتلقون العلاج في عيادة "أطباء بلا حدود" قالوا إن ما يمرون به في بلجيكا وأوروبا إجمالا أعاد إلى أذهانهم ذكريات العنف الذي تعرضوا له سواء في بلدانهم أم في ليبيا. أحد هؤلاء المرضى، وهو سوداني يبلغ من العمر 42 عاما، يقول "في إحدى المرات، كنت نائما في إحدى زوايا الحديقة. حضرت الشرطة وأجبرونا على المغادرة، حاولنا أن نقول لهم أننا لا نملك مكانا لنذهب إليه، إلا أنهم لم يستمعوا إلينا وطردونا. همنا في الشوارع حتى ساعات الصباح الأولى، عدنا إلى الحديقة. معظم المهاجرين هنا ممن ينامون في الحديقة هربوا من العنف والحروب، لذا ترانا نخاف جدا عندما تتصرف معنا السلطات بهذا الشكل".
ووفقا للتقرير، فإن الظروف التي مر بها المهاجرون دفعتهم إلى التخلي عن الحلم الأوروبي، ليضعوا نصب أعينهم الذهاب إلى بريطانيا. فإضافة إلى إتقان معظمهم للغة الإنكليزية، يشكل وجود الأقارب والاعتقاد بوجود فرص عمل أوفر مقرونة بنظام لجوء أكثر عدلا، عوامل جاذبة لهم.
ورأى التقرير أن "معاملة اللاجئين السيئة ليست حكرا على بلد أوروبي دون آخر، فالإجراءات الحالية التي تتبعها تلك الدول تتجاهل الحقوق الأساسية لهؤلاء وتدفع بهم إلى أيدي عصابات التهريب.
ما هي مجموعة العمل الإنساني؟
من أجل توفير مساعدات أشمل للمهاجرين وطالبي اللجوء في بلجيكا، قامت عدة جمعيات منذ أيلول/سبتمبر 2017 بالانضواء ضمن مجموعة عمل إنسانية تطالب بتأسيس مركز استقبال وإرشاد للمهاجرين في البلاد، إضافة إلى تطبيق معاهدة دبلن ضمن شروط أكثر إنسانية.
وأسست الجمعيات في الطابق الأول من محطة قطارات الشمال في العاصمة البلجيكية، بالقرب من متنزه ماكسيميليان، مقرا لمساعدة المهاجرين والإجابة عن تساؤلاتهم، مجهز بنقاط إنترنت ومحطات توزيع ملابس، إضافة إلى تقديم العناية الطبية والدعم النفسي اللازمين.
infomigrants/ر.خ