بين طهران والحلفاء والمحتجين: عادل عبد المهدي “أسير” بغداد
فيما تعم الاحتجاجات المناهضة للحكومة البلاد، يجد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي نفسه محاصراً ومعزولاً، وأن سلطاته لصنع القرار وفريق مستشاريه باتت خاضعة لضغوط متزايدة من إيران، وفق ما يقول مسؤولون عراقيون.
ووصل عبد المهدي، إلى السلطة في العام الماضي، بعد تسوية سياسية بين رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، زعيم أكبر كتلة برلمانية، وزعيم تنظيم بدر المقرب من إيران هادي العامري، وبمباركة المرجعية الدينية الشيعية العليا في البلاد.
كان ينظر لعبد المهدي على أنه صاحب خبرة، وقادر على حل مسألة البطالة والفساد، خاصةً أنه أول رئيس وزراء في العراق، بعد دحر تنظيم داعش الإرهابي.
وتوقع مراقبون أن تؤدي احتجاجات صيفية إلى إنهاء ولايته مبكراً، حتى أنه هو نفسه قال في أكثر من مناسبة "كتاب استقالتي في جيبي".
وعندما انطلقت الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والبطالة في مطلع أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، جهز عبد المهدي خطاب الاستقالة لتوجيهه إلى الشعب عبر التلفزيون، حسب ثلاثة مصادر حكومية، طلبت حجب هوياتها، لكنه لم يتمكن من الإدلاء به.
ويقول مسؤول إن عبد المهدي "كان جاهزاً تماماً للاستقالة في الأسبوع الأول من الاحتجاجات، لكنه بقي تحت ضغط أطراف عدة".
وظهر رئيس الوزراء في خطاب مسجل بُث في الثانية فجراً من يوم 3 أكتوبر(تشرين الأول) وقدما جملة مقترحات لإصلاحات أغضبت الشارع.
ومذ ذاك التاريخ، قاوم عبد المهدي الدعوات لاستقالته وإجراء تعديل حكومي، متبنياً موقفاً أكثر حدة من المتظاهرين.
ويقول مسؤول ثان: "رئيس الوزراء أسير الأحزاب السياسية التي أتت به إلى السلطة".
وأسفرت الموجة الأولى من الاحتجاجات بين 1 و6 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، عن مقتل 157 شخصاً على الأقل، غالبيتهم من المتظاهرين الذين قضوا بالرصاص الحي في بغداد، وفق أرقام رسمية.
وبعد 18 يوماً من الاستراحة بسبب الزيارة الأربعينية، عادت الاحتجاجات في 24 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، لكنها اتخذت طابعاً آخر.
وبدأت اعتصامات وإضرابات مفتوحة في المدارس، والجامعات، والنقابات، والدوائر الرسمية، وقطع المتظاهرون طرقاً رئيسية عدة.
لكن عبد المهدي قال إن هؤلاء يستخدمون "دروعاً بشريةً" من "مندسين".
ويقول أحد المسؤولين، إن رئيس الوزراء "يعيش في فقاعة، ويُبلغ بأن الاحتجاجات مؤامرة ضد حكومته، وأن عليه البقاء في السلطة. وبدأ يقتنع بذلك".
وأكد مصدران أن هناك قطيعة حالياً بين رئيس الوزراء والرئيس العراقي برهم صالح، الذي كان يعتبر أهم حلفائه، خاصةً أن رئيس الوزراء لا يملك أي قاعدة شعبية.
ويشير مسؤول، إلى أن "صالح كان أول من اقترح إيجاد بديل لعبد المهدي، وساءت العلاقة بينهما بعد ذلك".
وعقد رئيس الجمهورية اجتماعات عدة مع القيادات السياسية لوضع خارطة طريق لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، قد تؤدي إلى اختيار رئيس جديد للوزراء.
لكن عبد المهدي استبعد المقترح الثلاثاء، لأنه "يعتقد أنه إذا سقط، فعلى الجميع أن يسقط معه"، حسب مسؤول عراقي.
ويلفت آخرون، إلى أن رئيس الوزراء كان أيضاً، يخضع لضغط متزايد من إيران وحلفائها في العراق الذين أجبروه على تنحية عدد من القادة العسكريين، بحجة أنهم مقربون من الولايات المتحدة.
وتصاعد الضغط مع وصول قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني إلى العراق، مباشرةً بعد انطلاق التظاهرات.
وعقد سليماني اجتماعات في بغداد، والنجف لإقناع قادة الأحزاب السياسية بحماية الحكومة.
ويؤكد مسؤول أن سليماني "هو من يصدر التعليمات".
ويشير مسؤول آخر، إلى أن عبد المهدي "ليس في موقع يمكنه، من مواجهة النفوذ الإيراني".
ويضيف "هو يعلم أنه إذا لم يتبع الخط الإيراني، سيُقصى وسيُحمّل مسؤولية ما يجري".
وأطل عبد المهدي في خطابات تلفزيونية عدة، وأصدر بيانات بشكل شبه يومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن حكومته فرضت قيوداً على الإنترنت في غالبية المحافظات العراقية.
وبعدما أعلن استعداده للمرة الأولى للاستقالة إذا وجدت الأطراف السياسية بديلاً، عاد أخيراً بموقف أكثر تشدداً.
وقال عبد المهدي الثلاثاء، إن "حكومة تصريف أعمال لن تملك الصلاحيات الكافية لتوقيع العقود الضرورية".
وأشار مسؤولون إلى أن تسوية كانت في طور التشكل، تُبقي على عبد المهدي رئيساً لحكومة انتقالية، لكنها كانت ستبقى مشلولة سياسياً على الأرجح.
ويقول المحلل السياسي العراقي عصام الفيلي، إن الانقسامات ستُبقي على العجز في أي "استقلالية للقرار".
ويضيف "عندما توجد قاعدة صلبة وواسعة، توجد حرية التحرك. لكن عبد المهدي ضحية الصراع الداخلي المحيط به".
أ ف ب