الصيام في الأديان الكبرى.. اختلاف في الطقوس والتقاء في المعاني
يعتبر الصوم شعيرة دينية مهمة في جميع الأديان الكبيرة في العالم. وقد تختلف طقوسه وتقاليده من دين لآخر، لكن أهدافه الدينية والروحية مثل التزهد والعبادة تتشابه في جميعها. تعرف على طقوس الصيام في الأديان الخمس الكبرى.
الصوم هو أحد المشتركات بين الأديان الكبرى في العالم، سواء أن كان ذلك للكفارة عن ذنوب أو استذكارا بفاجعة أو استغناءً مقصود عن متطلبات الجسد من أجل الاعتكاف والصلاة. وحتى لو كان التخلي المؤقت عن الملذات الجسدية ينظر إليه بشكل مختلف، فإنه لا يمكن استبعاد الصوم من الإسلام واليهودية والمسيحية إضافة إلى البوذية والهندوسية.
ففي جميع الديانات هناك الحاجة إلى "التقليص وتركيز الحياة على ما هو أساسي"، يشرح توماس ليمين، المسؤول عن الحوار بين الأديان في أبرشية الروم الكاثوليك في مدينة كولونيا، في حوار مع DW. وقال ليمين إن الأمر يتعلق باكتشاف أبعاد جديدة في حياة البشر أو اكتشاف العلاقة مع الرب". في هذا تتشابه الديانات. فما هو أصل طقوس الصيام؟
رسم صليب الرماد على جبين الكاثوليكي وهو رمز فترة الكفارة
المسيحية: الفناء والتكفير عن الذنوب
تفيد النصوص الإنجيلية بأن السيد المسيح اعتكف 40 يوما في الصحراء حيث كان "إبن الرب" يصلي ويصوم ويقاوم إغراءات الشيطان. وعاد قويا ومحصنا في داخله من فترة الوحدة التي قضاها. وهذا الوصف الإنجيلي يعتمده الكثير من المسيحيين عندما يتخلون نحو سبعة أسابيع عن الأطعمة اللذيذة أو عن اللحوم. وأهم فترة صوم مسيحية تبدأ في أربعاء الرماد بعد الكرنفال في شهر فبراير أو مطلع شهر مارس عندما يتم رسم صليب رماد على جبين الكاثوليك كرمز للفناء والتكفير عن الذنوب.
وتنتهي فترة الصوم في أحد الفصح، اليوم الذي يتم فيه الاحتفال بقيامة السيد المسيح. والصوم لا يكون أيام الأحد. وقلما تُتبع اليوم قواعد صارمة في الصوم. فالكثير من المسيحيين يقررون بأنفسهم عن ماذا يتخلون.
ومنذ الماضي البعيد لم يكن التعامل بجدية مع الاستغناء أو التقشف أثناء الصيام، وحتى في العصور الوسطى نجح مسيحيون في تفادي القواعد الكنسية الصارمة، وبما أن لحوم الحيوانات كانت محظورة في أيام الصوم، تم أكل السمك وحتى بعض الحيوانات البرية مثل القنادس أو ثعالب الماء عوضا عنها، وكان يتحججون بأن هذه الحيوانات تعيش أغلب وقتها في الماء وبالتالي يمكن مقارنتها بالأسماك.
وحتى فيما يخص المشروبات الكحولية لم يتوقف المخادعون. ويبدو أن البابا ساعد بدون قصد في ذلك، إذ ذكر أستاذ الأديان ميشائيل شميدل من جامعة بيليفيلد لـDW، أنه توجد قصة تتحدث عن رهبان من ولاية بافاريا الألمانية حملوا برميلا من جعة الشعير القوية إلى روما ليسألوا البابا إذا كان بإمكانهم شرب هذه الجعة في وقت الصوم. "لكن إلى حين أن وصل البرميل إلى روما كانت الجعة قد فسدت. والبابا تذوق الشراب ثم بصقه وقال: بإمكانكم شرب هذا بسرور في وقت الصوم".
الإسلام: الوحي من الله
في الإسلام يتم التقيد بقواعد الصوم بشكل صارم بالمقارنة مع المسيحية، لاسيما خلال رمضان حيث يُعد وقت التدبر والوعي، فهو يذكر بأنه في هذا الشهر التاسع من التقويم القمري الإسلامي نزل القرآن. وفي خلال رمضان يتخلى المسلمون عن الأكل والشرب والجماع الجنسي. ويتلقى الفقراء الصدقات. وفي كل سنة يتغير موعد شهر رمضان بأسبوعين. وفي الصيف تكون فترة الصوم أطول مما هي عليه في أيام الشتاء. وهذا يتطلب صبرا أكبر من الصائمين وخاصة في الأيام الحارة.
ويمكن للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات والحوائض والمسافرون والرياضيون المحترفون والمرضى أن يعفوا من فرض الصيام. أما البالغين فعليهم أن يصوموا الأيام التي لم يتمكنوا من صيامها. وينتهي شهر رمضان بعيد الفطر الكبير.
وفي ألمانيا التي يغلب عليها الطابع المسيحي يبدو أن طقوس الصوم الإسلامي تلقى قبولا اجتماعيا أكبر، كما يقول توماس ليمين، خبير الحوار بين الأديان في كولونيا. وهذا ما يشاهده المرء من خلال رسائل التهنئة من الكنائس ومشاركة ممثلي السياسة في طاولات الإفطار. فرمضان يتم استيعابه بإيجابية لدى الرأي العام. ويضيف ليمين:" ما إذا كان الجميع يشارك هذا الرأي، فهذه مسالة أخرى"، في إشارة إلى آراء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي.
اليهودية: تدمير المعبد (أو الهيكل)
اليهود لهم عدة أعياد دينية يصومون فيها. والأهم منها في التقويم اليهودي هو "يوم كيبور"، يوم الغفران. وهذا العيد الصارم يستبدل من الناحية اللاهوتية للوظيفة التي كان يكتسيها معبد (أو هيكل) القدس حتى تدميره من قبل البابليين ومن ثم بعدهم الرومان: وهي مصالحة الإنسان مع الله.
وتاريخ هذا اليوم يختلف سنويا ويكون في شهري سبتمبر أو أكتوبر. وفي عيدهم الأهم يصوم اليهود 25 ساعة دفعة واحدة. ويتخلون ابتداءً من غروب الشمس عن الأكل والشراب والجماع الجنسي وحتى عن تدخين السجائر، وحتى سياقة السيارة والاستحمام والتجميل وألعاب الكمبيوتر والعمل غير مسموح بها. ولا شيء يجب أن يلهي عن عملية الاعتكاف الداخلي.
والبنات تصمن ابتداءً من سن 12 عاما والأولاد انطلاقا من سن 13 عاما. والكثير من اليهود يقضون هذا اليوم داخل المعبد. وفي "يوم كيبور" تتوقف الحياة العامة في إسرائيل وتبدو للغرباء وكأنها متجمدة. وتبقى المطاعم والمقاهي باستثناء العربية مغلقة. وفي الشوارع لا تسير إلا سيارات الإسعاف والإطفاء و الشرطة.
الهندوسية: تنقية الروح
وبعكس الديانات التوحيدية الثلاث المذكورة أعلاه لا توجد في الهندوسية قواعد صوم ثابتة. وفي الغالب يحصل الصوم قبل الأعياد الكبرى. الغورو (المعلمون) والرهبان يعيشون بعض الأسابيع في السنة أو أكثر في زهد ويستغنون عن كل شيء لا يحتاجونه بالضرورة للعيش. ويوجد في الهندوسية تقاليد زهد كبيرة، كما يقول الباحث الديني ميشائيل شميدل من جامعة بيليفيلد. وأشار إلى نمط حياة "السادو" حيث غالبا ما يتم هزال الجسم ويظهر الهيكل العظمي للشخص. وأضاف شميدل أن هؤلاء الناس "يحظون بتبجيل كبير من قبل الهندوس وغالبا ما يحصلوا على الأشياء الضرورية للحياة كتبرعات، لأن المتبرعين يعتقدون أن ذلك يمنحهم تأثير إيجابي على أنفسهم". ومن أشهر أنصار هذا الصوم كان مهاتما غاندي الذي قال يوما "لا أستطيع الاستغناء عن الصيام، كما لا أستطيع الاستغناء عن عيني. وكما تعني العين (في رؤية) العالم الخارجي، يعني الصيام (في رؤية) العالم الداخلي" للبشر.
البوذية: الاعتدال لكارما جيدة
كما هو الشأن في الهندوسية لا توجد في البوذية قواعد صوم عامة. ويحتفل البوذيون بأهم يوم صوم في عيد "فيساخ" ويتم فيه في أول يوم يكتمل فيه القمر في شهر مايو أو يونيو بالاحتفال بذكرى ميلاد بوذا وتنويره ووفاته. وأشكال الاحتفال تتراوح بين الراحة التأملية والصوم واحتفالات شبيهة بالكرنفالات. ويبقى الجنس والكحول وأكل اللحوم من المحظورات في هذا اليوم.
وفي المقام الأول يكون الإيمان بالـ "كارما" وهي مفهوم أخلاقي يشير إلى مبدأ السببية وأن أي عمل يصدر عنه نتيجة مشابهة – في هذه الحياة كما في الحياة الآخرة. ويتعلق الأمر "بتذكير المرء بأن الوجود في الحياة ما هو سوى معاناة، وأنه من خلال اتباع الطقوس يمكن تحسين الكارما للمرء على الأرض"، كما يشرح توماس ليمين.
وبصفة عامة يُلاحظ في البلدان الأوروبية التي يغلب عليها الطابع العلماني مثل ألمانيا أن حتى الناس بدون اعتقاد ديني يستغلون أكثر فترات الصوم كمناسبة للزهد في الأكل. والحدود بين الحمية والصوم أصبحت متداخلة فيما بينها.
رالف بوزن/ دويتشه فيله