يورو تايمز تحاور أبو الايتام .. قصة الشاب الذي تبنى الايتام ومنحهم إسمه وتاريخ ميلاد موحد وزوج 8 منهم
بغداد / رعد اليوسف
مازلت ابحث عن الفرح
فقد جففت الاحزان سواقي السعادة في الروح
واغتال الوجع ، اشعة الامل
ايام بلا غد .. وغد بلا ضياء
زمن تداعت فيه وحوش الغابة على وليمة تدمير
الحياة في الوطن ..
بؤس .. فقر .. يتم.. مقابر.. ارامل ..
وثكالى !!
ويكاد الموت ان يخنق الهواء..
الصمت .. والحس الصحفي
الخير مازال يدق اجراس الحياة .. قال زميل رحلة الصحافة الفنان المبدع فالح خيبر .. وهو يحدثني عن قصة امل بطلها شاب عراقي متفائل .. نظرت اليه بصمت اليائس .. وقلبت صفحات حديثه ، فشدني الحس الصحفي ومضى بقلمي الى حيث يمارس هذا الشاب العمل .
كانت الاسئلة تحاصرني ، وتتوق روحي الى نفحة او رشحة من امل يداوي الجروح ..واية جروح هذه المرة .. جروح ايتام لفحتها اشعة الشوارع حتى أدمتها .. وضياع خطوات طفولة على ارصفة المشردين .. لا بوصلة لها او هدف !
كل الشر تآمر على هؤلاء ، كما تآمر على وطني .. ولكن هل الاستسلام هو الحل ؟!
المقاومة .. والامل
بثقة لم اعهدها الا في زمن الخير ، يقول هشام الذهبي : المقاومة هي الامل ، والاصرار على الوصول الى الهدف يحطم الحواجز .. نظرت الى الذهبي وبدأت أرصد مرحه ومداعباته الشباب والاولاد ، وود هؤلاء له .. لوحة بهية الجمال ، تجسدت امامي مسحت الهموم عن روحي ، وألبست قلبي ثياب بهجة خاصة .. جلسنا بعد دردشة سريعة لننجز مهمتنا .. فبادرت بوضع السؤال امام الذهبي .. والذهبي متخصص في مجال علم النفس / باحث نفسي ومدير البيت العراقي للابداع .. كيف كانت البداية ؟.. قلت له ، فأجاب
– حينما دخل الامريكان الى العراق ، فتحوا سجون الاحداث واطلق سراحهم ، فضجت الشوارع بالاطفال والشباب ، وبشكل غير متناسق مع هيئة الحياة ، فهم اكتسبوا صفات غريبة أنتجت صفات غريبة ، فلفت انتباهي ذلك ، وصادف ان رأيت معاملة انسانية لامرأة امريكية لطفل من هؤلاء المشردين في الشارع ، فقررت ان انجز عملا انسانيا يليق بهذه الشريحة المحرومة .
اقتربت من هؤلاء فوجدت الثقة لديهم بالاخر محطمة .. انتظرت الفرصة حتى ولدت على يد منظمة حماية اطفال كردستان اذ فتحوا فرعاً لايواء الاطفال المشردين في بغداد ..وكنت من الذين استعانوا بهم .. فجمعنا عددا من الاطفال ..واستأجروا بيتا لهذا الغرض ، وبدأنا رحلة العمل حتى عام 2006 حيث استشهد الباحث هاني شاكر .
وماذا جرى بعد هذا التاريخ ؟
– حدث تحول هام ، اذ قررت المنظمة اغلاق المشروع وتسليم الاولاد الى الدولة !
وهل تم ذلك ؟
– نعم اغلق المشروع .. فبادرت الى انشاء مشروع جديد ، فإستأجرت بيتا صغيرا في السيدية جمعت فيه الاولاد ، وبدأت رحلتي الجدية في تنفيذ احلامي الانسانية .
كان ذلك متزامنا مع (الحرب) الطائفية القذرة ، مما ضاعف من تعقيد المشهد ، فالطرقات خطيرة جدا ، والاجواء مشحونة بالموت ، الامر الذي اضطرني الى ترك المنطقة واستئجار بيت بديل في منطقة اخرى بحثا عن الامان .
منحتهم اسمي .. ووحدت مولدهم
يحاول الذهبي بطريقته الذهبية في الحديث ان يجمع الصورة والمعاناة التي يحبها رغم قسوتها ، فيقول :
استمر مشروعي حتى توصلت الى صيغة تنسيق وتعاون مع الوقف السني ، فدفعوا لي مشكورين ايجار سنة في بيت جديد ..
ويزيد مؤكدا ..من الصعوبات التي واجهتني ، ظهور الحاجة لمستمسكات ثبوتية للاولاد ، فنظمت لهم في عام 2008 صيغا قانونية واصبحت وصيّا عليهم ..وان اكثرهم كان لا يمتلك شهادات او وثائق فمنحتهم اسمي ، وجمعتهم في يوم ميلاد واحد (7-7) وصرنا نحتفل بميلاد جماعي لهم كل عام .
وفي واحد من الاحتفالات بعيد ميلادهم الجماعي ، شارك شخص من الاخوة الاكراد معنا ، فوجه لنا دعوة لسفرة جماعية ترفيهية الى كردستان لمدة اسبوع ..
وعند العودة وجدنا مفاجأة كبرى قد حدثت ، يقول السيد هشام .
ماذا حدث ؟!
– الذي حدث هو تحقيق امنية جميلة على يد هذا الاخ الكردي ، حيث قام بإستئجار هذه الدار التي نجلس فيها الان ، وأثثه بالكامل ، ودفع ايجاره لمدة سنتين ، وسلمنا المفتاح عند عودتنا من الرحلة كمفاجأة سارة جدا.. حيث لم نعلم بذلك.
حقا مفاجأة جميلة ولو كان بالامكان لذكرنا اسم المتبرع وشكرناه ، لكن زهده الجميل يأبى ذلك .
وكم يبلغ عدد المستفيدين من هذه الخدمة ؟
– 39 حاليا تتراوح اعمارهم بين 3 سنوات حتى 16 ، وقمنا بتزويج 8 منهم .
العلاج بالموهبة !
ليس من السهل تبني هذا العدد بجهد شخصي ، والنجاح في اعدادهم انسانيا .. كيف تمكنت من ذلك ؟!
– تخصصي في مجال علم النفس ، كان وراء نجاحي اضافة الى عوامل اخرى .. وابتكار طرق جديدة في التعامل معهم ..فمثلا اني استخدمت وسيلة علاج الاطفال عن طريق المواهب ..وادت الى تحقيق نتائج راقية .. ان معاناتهم من المشاكل والعقد النفسية تغلبت عليها عبر الرصد الدقيق للموهبة ، فبعد ان نؤشر ميول واهواء الاولاد نهيىء لكل منهم المستلزمات التي من شأنها تنمية قدرته ..وهكذا فأنه يجد نفسه في موهبته.. ويحدث لديه التحول الانساني المطلوب .
ووفق هذه الطريقة مثلا ، يضيف الذهبي : ان احد الاطفال لدينا اصبح فنانا تشكيليا فيما بعد ، وحاز على جائزة افضل عمل لطفل دون سن 15 سنة ومن بين 250 عمل في امريكا .
ولدينا ممثلين سينمائيين حصدوا ما يقارب 28 جائزة عالمية في مجال التمثيل بالتنسيق مع المخرج محمد الدراجي مدير المركز العراقي للفن الذي وجد مواهب متعددة لدى ابناء الذهبي .. ولدينا تعاون كبير مع المايسترو كريم وصفي حيث دخل الاولاد دورات متعددة لديه في معهد الفن للسلام .
من الابتدائية حتى الجامعة
عن جانب اخر ، يقول هشام الذهبي وفق رؤيته الايجابية : اليتيم ليس معاقا .. ليس لديه مشكلة .. هناك حالة استثنائية تتطلب العناية .. لذلك فاني لا احب ان يطلق عليهم تسمية الايتام .. سجلتهم في المدارس بشكل طبيعي ولدي اولاد في الابتدائية والمتوسطة والاعدادية والسنة المقبلة يكون لدي طلاب في الكلية .
مع من تتعامل .. سألته ..فأجاب الذهبي بشكل اخر .. قائلا :
– ثلاثة جهات لا اتعامل معها : الحكومة والاحزاب والمنظمات الاجنبية .. وما عدا ذلك ممكن .. العراق لم يزل فيه خير كثير .. لدينا عيادة طبية و اطباء وعشرات المتطوعين و11 موظفا في علم النفس والاجتماع والرياضة والاشراف التربوي اضافة الى المربيات.
وفي البيت العراقي للابداع يتمكن الجميع من التدريب على مهن متعددة ضمن اقسام خاصة بالحلاقة والخياطة والحاسبات والرسم والموسيقى والسينما.
لا احد يصغي لندائي من المسؤولين !!!
لو نتحدث عن المعاناة في ظل تردي الاوضاع في البلد .. ماذا تنتخب لنا ؟
– صحيح انها كبيرة .. لكني متفائل وطموح ، ولم احصل على ما اريد بيسر .. اصبر على النجاح ..وعملت في الظل لاكثر من 10 سنوات حتى حققت النجاح .
معاناتي الحقيقية تتركز في اني لم اجد اذانا صاغية لدى كل المسؤولين في الحكومة والبرلمان لتخصيص قطعة ارض اشيد عليها مشروعي هذا لتقديم الخدمات لمحتاجيها .. الايجار يخيفني.
والحمد لله سأتدبر الامر بعد فوزي في مبادرة صناع الامل التي اطلقها الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم حاكم دبي ، اذ وعدت اولادي بذلك .
الخير انهاره جارية
تجولنا في الاقسام ، وفرحنا مع اولاد الذهبي .. اولاد العراق .. والتقطنا صورا جماعية مع شباب سيكون ربما لهم شأن كبير في المستقبل ..
القلب امتلأ فرحا .. والافتخار كبر برموز الخير في العراق ..واليقين ترسخ في ان الشر مهما تمادى فأن الخير انهاره جارية .
متى يشعر السياسي والبرلماني ومن هم في الحكم بالخجل والعار .. ومعهم اكثر التجار والميسورين !!
رجل يدير عمل ، الدولة اولى بادارته.. تحية له ولكل من يعينه .. انه هشام الذهبي .. الذى طغى على سلوكه الذهب .. الذي اعاد الامل لقلوب كاد اليأس ان يلتهمها .. وبدلا من ان تكون فريسة للضياع اصبحت مرتعا للثقة والنجاح والتألق .
ينشر بالتزامن في وكالة الصحافة الاوروبية وصحيفة يورو تايمز