صالح بن عبدالله السليمان : مشاهير واتباع بالملايين.. لماذا؟
قرأت اليوم تغريدتان، قد يظن البعض ان ليس بينهما رابط.
التغريدة الأولى تقول: –
دخلت على حسابات بعض الذين متابعيهم بالملايين فلم أجد تغريدات تشفع لهم بهذا العدد من المتابعين والغريب أن بعض التغريدات تافهة وقام بتدويرها الألاف،
نحن أمام ظاهرة تستحق الدراسة ومعرفة الخلل
وكيف تحولوا إلى قطيع مغيب لا يعمل العقل؟!!
والتغريدة الثانية تقول
عززت مواقع التواصل وجود مصطلح الناشط أو الناشطون بين المصطلحات التي تتناولها الألسن والكتابات إلى درجة كبيرة.. ما من يوم يمر إلا ونسمع في الاعلام عن أن هذا ناشط وذلك ناشط أو هؤلاء ناشطون أو أولئك.. يا ترى على أي أسس يجري تحديد أن هذا ناشط و ذلك لا؟ .. مجرد سؤال..
التغريدة الأولى تتكلم عن ظاهرة في وسائل التواصل الاجتماعي وهي الحسابات ذات الأرقام العالية دون مضمون يشفع لها.
والثانية تتكلم عن مصطلح أصبح شائعا في وسائل الأعلام. وأصبح هؤلاء الذين يدعون ناشطين ضيوف دائمين في القنوات التلفزيونية ووسائل الأعلام المسموع والمقروء.
وهذه ظاهرة ليست خاصة بنا نحن العرب، يل هي شائعة في العالم الذي تسيطر عليه وسائل الأعلام.
وأسباب الظاهرة تعزى الى
مجموعة ممن ندعوهم الحمقى. وهم ممن يؤدون أدوار شبه كوميدية فارغة من المضمون هدفها استجداء الابتسامة من المشاهد او القارئ, وقد ظهرت حركات عالمية تدعو للتوقف عن جعل هؤلاء الحمقى مشاهير وأشهرها
(#stop making stupid people famous) ,
وانتشر بالعربية (#لاتجعلو_السفهاء_مشاهير) وانتشار مثل هؤلاء ما كان الا لوجود فراغ في عقلية وطريقة حياة معظم الشباب، فالضغوط الحياتية اليومية تسحقهم سحقا تجعلهم يبحثون عن أي وسيلة ترفيه ولو كانت حمقى. وهذه الظاهرة انتشرت قديما وحديثا فأحاديث وقصص الفساق وأهل الدعابة موجود على صفحات التاريخ، ولا نستطيع كمجتمع او أسرة فعل أي شيء لوقف هذه الظاهرة، فهي أيام وتنقضي وما ينفع الناس يبقى في الأرض. ولكن ان ارتبط هؤلاء بالإعلام المرئي الذي يشكل الحصة الأكبر في تكوين العقلية العامة ويعمل على توجيه الرأي العام فهنا تحدث مشكلة تتطلب العلاج.
الجزء الثاني وهو الأهم، وهو الأخطر
لأنه يدخل في الضمير الإنساني ويبني الوعي المجتمعي. ويعمل لها هالة من الخصوصية والتقدير وتجد الكثير يأخذون بما يقول كمادة صحيحة ويبنى عليها الفكر والتصرف والعمل.
الا وهي ما نسميه "الناشطون" هؤلاء الناشطين الذين نسمع لهم ونصغي لأراءهم ونصدق مشاهداتهم ونحترم تقاريرهم، ولو توقفنا وسألنا أنفسنا، من هم هؤلاء الناشطين؟ لن نحصل على جواب
قد يقف الآن قائل لماذا تظن ان الهالة الإعلامية مهمة؟ وما تأثير الهالة الإعلامية على المتلقي؟
للإجابة على هذه الأسئلة اجيبهم بتجربة قام بها الصحفي جين ينغارتن من الواشنطن بوست في م 12 يناير 2007. حيث اتفق مع عازف الكمان الشهير "جوشوا ديفيد بيل" الحائز على جائزة غرامي واحد من أكبر وأشهر الموسيقيين الموهوبين في العالم على ان يتخفى العازف بقبعة بيسبول ويعزف متخفيا في محطة مترو الإنفاق مترو بلازا في نيويورك، وتصور التجربة على طريقة الكاميرا الخفية. استمر العازف بالعزف على كمانه الذي يساوي مئات الالاف الدولارات ويعزف أصعب القطع الموسيقية. وكانت النتيجة انه لم يتوقف لسماعه الا 20 شخص. ولم يحصل الا 32 دولار، بينما كانت سعر تذكرة حضور حفلاته 100 دولار.
لم يتوقف له الناس مع انه كان من أمهر العازفين ويعزف أصعب المقطوعات على أفضل آلة موجودة في عالمنا اليوم. فما الفرق؟
الفرق في الهالة الإعلامية، حينما كانت تحوطه الهالة الإعلامية كان جوشوا بيل الشهير، وتذوق الجميع معزوفاته وطربوا لها وتحدثوا عن روعتها. وحين اختفت الهالة الإعلامية أصبح عازف شوارع لم يهتم له الا أناس لا يتعدى عددهم عدد أصابع اليدين. لم يطرب البقية لعزفه ولم يهتموا له ولم تجذبهم روعة العازف والموسيقى.
وكما سقط هذا المشهور بسبب فقد الهالة الإعلامية. نجد ان الكثيرين أضحوا مشاهير وملئ السمع والبصر لأنهم حضوا بهذه الهالة.
اسمع واقرأ للكثير من القنوات ومن الإعلاميين، يكذبون ويحللون الأخبار تحاليل ما انزل الله بها من سلطان، بل وبعضهم افرد ساعات وساعات من البث ليتكلم عن النقطة في الثوب الأبيض ولم يتكلم عن الثوب الأبيض نفسه. حتى لتظن ان الثوب اسود بسواد الليل.
لو نظرنا لما يقول هؤلاء الناشطون لوجدنا كلامهم لا يزيد عن " زعموا" والزعم مطية الكذب
مجتمعاتنا في طور البناء والتكوين، لا تحتاج لمثل الحمقى الذين نجعلهم مشهورين ولا الى الناشطين الذين لا نعلم عنهم شيئا.
نحتاج الى عقل المتابع والقاري والمستمع، ليعرف الغث من السمين، والصواب من الخطأ. لا نكره ما يكرهه الإعلام ولا نحب ما احبه الإعلام، لا نجعل الإعلام هو الرضاعة التي نرضع بها معلوماتنا، بل نعرضها على عقل ناقد يبحث عن الحق والصواب