الملكة تفوض جونسون تشكيل حكومة جديدة في بريطانيا
فاز المحافظون، بزعامة رئيس الوزراء بوريس جونسون، بغالبية غير مسبوقة في انتخابات تشريعية منذ مارغريت ثاتشر عام 1987؛ حصلوا فيها على 365 من أصل 650 مقعداً. وفي الأمس كلفته الملكة إليزابيث الثانية رسمياً تشكيل الحكومة الجديدة. وحصل حزب العمال المعارض الرئيسي على 203 مقاعد، مسجلاً أسوأ نتيجة له منذ 1935، بعد خسارته عشرات المقاعد لصالح المحافظين في معاقلهم التقليدية في شمال ووسط إنجلترا، ما شكل ضربة موجعة لزعيمه جيريمي كوربن، الذي أعلن أنه لن يقود حزبه في الانتخابات المقبلة، معرباً عن «خيبة أمل كبيرة». كما تلقى «الديمقراطيون الأحرار»، الذين أرادوا وقف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، صفعة، إذ لم يفوزوا سوى بـ11 مقعداً، بخسارة مقعد، وهزمت زعيمتهم جو سوينسون في دائرتها الانتخابية، وأعلنت استقالتها من زعامة الحزب. وحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فقد بلغت نسبة التصويت الأولية لصالح حزب المحافظين نحو 6.43 في المائة فيما يمكن وصفها بأنها أقوى نتيجة يحققها أي حزب بريطاني منذ عقود، فيما يعتقد بأن حزب العمال قد حصل على 3.32 في المائة. وتعهد جونسون، الجمعة، بلم شمل بلد يعاني من انقسام عميق، منذ أن صوت في استفتاء يونيو (حزيران) 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي. وأعلن جونسون لأنصاره أنه بعد أكثر من ثلاث سنوات من الانقسامات والخلافات حول «بريكست»، «سأضع حداً لهذه الأمور العبثية، وسنحققه في الوقت المناسب بحلول 31 يناير (كانون الثاني)». وهو يرى في انتصاره مؤشراً إلى قرار البريطانيين «القاطع الذي لا يمكن مقاومته ولا التشكيك فيه»، بطي صفحة الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً من شراكة شهدت الكثير من التقلبات.
وعلى الرغم من حديث جونسون عن «زلزال» أعاد رسم المشهد السياسي، إلا أنه يسعى أيضاً لطرح نفسه في موقع جامع، مردداً وعوده الانتخابية بالاستثمار في قطاعي الصحة والأمن. وسيعرض برنامجه التشريعي خلال الخطاب التقليدي الذي تلقيه الملكة، الخميس، غداة استئناف البرلمان عمله. واختلفت الصحف البريطانية بين من أبدى سروره لنتيجة الانتخابات، ومن ندد بـ«كابوس»، لكنها أجمعت على الطابع «التاريخي» لفوز جونسون.
وعلق ديفيد لورنس (56 عاماً)، الذي يعمل في قطاع البناء في لندن، «إنني مسرور لأن (بريكست) قيد المراوحة منذ وقت طويل جداً (…) ولا بد لنا من الانتقال إلى أمر آخر». وقال المحامي الخمسيني غوردن هوكي، لوكالة الصحافة الفرنسية، «هذا ليس بالضرورة ما كنت أريده، لكننا نعرف على الأقل ما هو وضعنا». ولن يحدث أي تغيير في الوقت الحاضر بسبب المهلة الانتقالية الممتدة حتى نهاية 2020، التي ستواصل بريطانيا خلالها تطبيق التنظيمات الأوروبية لتفادي طلاق شديد الوطأة. لكن البلد مقبل بعد ذلك على مرحلة جديدة لا تقل خطورة ستستمر لأشهر، وربما لسنوات، وستشهد مفاوضات متشعبة وصعبة حول العلاقة المستقبلية مع التكتل الأوروبي، الشريك التجاري الأول لبريطانيا. أما الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الداعم لجونسون، فوعد بـ«اتفاق تجاري جديد مهم، يمكن أن يكون أكبر وأربح بكثير من أي اتفاق قد يتم إبرامه مع الاتحاد الأوروبي». وانعكست نتائج الانتخابات ارتياحاً بين المستثمرين مع تبدد الغموض المحيط بالاقتصاد البريطاني، ما أدى إلى ارتفاع سعر صرف الجنيه الإسترليني.
ولم تجد دعوات جونسون إلى وحدة الصف أصداء إيجابية لدى «الحزب الوطني الأسكوتلندي»، الذي عزز موقعه بفوزه بـ48 مقعداً مقابل 35 سابقاً، ما من شأنه تشجيع الميول الانفصالية. وقالت رئيسة الوزراء الأسكوتلندية نيكولا ستورجن، إن هذا النجاح «يعزز التفويض» من أجل تنظيم استفتاء جديد حول مستقبل أسكوتلندا المعارضة لـ«بريكست»، بعدما فشل الانفصال عن بريطانيا في استفتاء أول عام 2014، ورأت أنه يعود للأسكوتلنديين أنفسهم أن يقولوا إن كانوا يريدون تنظيم مثل هذا الاستفتاء، وليس للحكومة المركزية في لندن التي تعارض ذلك. وقالت ستورجن، في تصريحات لـ«بي بي سي»، «أقر بأن بوريس جونسون بعد هذه الانتخابات لديه تفويض بإتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن ليس لديه تفويض بإخراج أسكوتلندا من الاتحاد الأوروبي». وأضافت ستورجن: «لدي تفويض مُجدد وقوي لكي أقدم لشعب أسكوتلندا خيار مستقبل مختلف»، مضيفة أنها «بحلول فترة أعياد الميلاد ستطلب تفويضاً رسمياً لإجراء استفتاء ثانٍ». وقد يضع هذا الاستفتاء، ستورجن، في صدام مع جونسون، الذي استبعد إجراء استفتاء ثانٍ في أسكوتلندا. وقال جونسون في كلمة له عقب فوزه بمقعده النيابي في غرب لندن، «لقد منحت حكومة المحافظين ذات الدولة الواحدة تفويضاً قوياً لإتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
أما في آيرلندا الشمالية، فتراجع «الحزب الوحدوي الديمقراطي» أمام «الشين فين الجمهوري»، ما يطرح هنا أيضاً مسألة وحدة المملكة.
وأعلن نائب زعيم حزب العمّال وزير خزانة الظل جون ماكدونيل، أنّ الهزيمة النكراء التي مني به حزبه في الانتخابات التشريعية المبكرة، الخميس، تمثّل «خيبة أمل كبرى»، معتبراً إيّاها نتيجة «التعب من بريكست»، في إشارة إلى عدم تبنّي الحزب موقفاً حاسماً من هذا الملف. وقال ماكدونيل لـ«بي بي سي»، في معرض تعليقه على الهزيمة المدوية التي مني بها حزبه، حسب نتيجة استطلاع لآراء المقترعين في الانتخابات، «يبدو أنّ موضوع (بريكست) كان مهيمناً. إنّه ناجم إلى حدّ كبير عن التعب من (بريكست)». وأضاف وزير الخزانة في حكومة الظلّ: «الناس يريدون الانتهاء من هذا الموضوع». وفي أول رد فعل، قال زعيم حزب العمال جيريمي كوربين، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإطلاق برنامج إصلاحي وإجراء استفتاء ثان بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إنه لا يعتزم قيادة الحزب في أي انتخابات أخرى. وأضاف كوربين: «من الواضح أن هذه ليلة مخيبة للآمال للغاية بالنسبة لحزب العمال… لن أقود الحزب في أي حملة انتخابات تشريعية في المستقبل». كانت نتيجة الانتخابات بمثابة ليلة مخيبة للآمال لحزب «الديمقراطيين الأحرار»، المناهض لخروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، حيث فشل الحزب في زيادة حصته من المقاعد عقب عدد من الانشقاقات داخل حزب المحافظين.
وقالت زعيمته جو سوينسون، عقب خسارتها لمقعدها النيابي في دائرتها الانتخابية في غرب أسكوتلندا، إن السبب في هذه النتيجة هو تنامي «موجة من القومية» في أسكوتلندا وإنجلترا. وأضافت سوينسون: «أتوجه لملايين الأشخاص في بلادنا، هذه النتائج ستجلب الخوف والاستياء».
Aawsat