مسلمة وأيزيدي في قصة حبٍّ نادرة بألمانيا
حب بطلي هذه القصة لبعضهما تخطى حدود الأعراف والتقاليد والأديان وكُتبت لقصتهما نهاية سعيدة، ولكن بعيداً عن وطنيهما، في بلد وجدا فيه الأمن والاستقرار. بدأت القصة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، عندما انتقل بطلها واسمه ح. عثمان، وهو شاب كردي ايزيدي، من قريته بافليون الواقعة في ريف حلب، للعمل في مدينة دمشق. لم يكن الشاب، آنذاك يتخيل أنه قد يكون على موعد مع لقاء سيغير حياته بالكامل. في دمشق التقى بحب حياته، هدى، وهي فتاة من ريف محافظة دمشق، عربية الأصل ومسلمة، فولدت بينهما قصة حب وأتفقا أن يختماها بزواج، رغم معرفتهما المسبقة لما ينتظرهما بعد اتخاذ مثل هذه الخطوة، المعروفة نتائجها في محيطهما. بعد مصارحة هدى بديانته الحقيقة، لم يكن لديها اعتراض على الزواج منه، لكن الاعتراض الشديد جاء من أهلها وأهله، الذين حاولوا بكل الطرق الوقوف في طريق حبهما ومنع هذه الزيجة من أن تتم، لكنها تمت في النهاية.
بعد زواجهما عانى ح. عثمان وهدى في بادئ الأمر من مقاطعة الأهل وأهل قريتهما لهما، وعن هذه الفترة العصيبة من حياته، كما يصفها، يقول الزوج:“ في البداية كنت شبه منبوذ بين أهلي وإخوتي وكامل قريتي، وبعد زواجنا لم يقاطعني أهلي بشكل جذري، لكنهم حتى في زياراتهم القليلة لي، والتي كانت تتكرر بعد كل ستة أشهر أو أكثر، كانت من أجل التوبيخ واللوم فقط وكذلك السب والتحقير مني ومن زوجتي”. و يضيف:“ ولكن رغم كل ذلك كنت قوي الإرادة في الدفاع عن حياتي الزوجية ونجحت في ذلك، ولم أسمح لأحد التعدي على زوجتي، لهذا انتهى ذلك بمرور السنوات، ولعدم إعارة الاهتمام لتلك المحاولات للتفرقة بيننا”.
بعد سنوات من الزواج رزق الزوجان بأربعة أبناء، ثلاثة صبيان وبنت، وعاشا حياتهما معاً دون أية خلافات أو مشاكل تُذكر، ماعدا المشاكل التي كانت تأتيهما من محيطهما الاجتماعي، والذي كان ينظر إلى حبهما وعلاقتها الزوجية بـ ”المحرّمة”، كما يقول اللاجئ السوري وزوجته.
"أحببتها واحترمت دينها"
يرى ح. عثمان أن تماسك زواجهما أمام كل تلك المحاولات لإفشاله ما كان ليحدث، لو لم تكن زوجته امرأة مسالمة، خلوقة وصبورة وتحملت معه ذلك العبء الثقيل طوال سنوات كانت مليئة بالخوف والقلق جسب وصفه، وفي ذلك يقول: ”تغلبنا على ذلك بفضل الصبر والحكمة والحمد لله وتوفقنا في ذلك.. لقد انتصرنا سوياً”. وكشف الزوج عن السر الآخر وراء نجاح زواجهما رغم الاختلاف العرقي والعقائدي، والذي يكمن بحسب رأيه بالأساس في احترام كل منهما لديانة الآخر ويقول عن ذلك: ”زوجتي تمارس طقوسها الدنية بكل حرية وفي عام 2009 أرسلتها رفقة إخوتها من أجل تأدية مناسك الحج، أما أولادي فمنهم من أسلم مثل أمه ومنهم من بقي على ديني”. ويضيف:" نحن نرى أن كل مخلوق يعبد ربه بالطريقة التي تحلو له وبما يراه مناسباً بالنسبة له لأن ذلك سر بينه وبين ربه ولا علاقة للمرء به". وما كان يحمي الزوجين من التعرض لأكثر من المقاطعة والتحقير والسب، هو وظيفته، إذ كان ضابط شرطة في سوريا، وكانت علاقتهما بالمجتمع السوري شبه طبيعية، لأن لا أحد كان يجرؤ على إلحاق الضرر بهما،"لقد ساعدني ذلك كثيراً وجنبني الكثير من المشاكل، التي لولا سلطتي لكانت وخيمة".
رحلة لجوء زادها الحب
ظروف لجوء الزوجين إلى ألمانيا كانت عصيبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، كما يحكي الزوج. خلال الحرب السورية احتدت المعارك بين الأكراد وعناصر داعش في قرية بافليون الإيزيدية، حيث كان يعيش ح. عثمان وزوجته. الوضع، الذي استغله أهل قريته لمحاصرته وزوجته وأبناءه. بعدها هربت الأسرة إلى تركيا وبعدها بأقل من شهر قامت عناصر داعش بالاستيلاء على منزل الأسرة.
في تركيا ضاق الخناق أكثر على الأسرة مادياً، بسبب التمييز العنصري، الذي طالهم:" كان أولادي من خريجي الجامعات في سوريا، وعند وصولنا تركيا عملوا بورشات الخياطة والبناء، لكنهم كانوا يتعرضون للتمييز العنصري ويحرمون من رواتبهم كبقية العمال ويطردون في حالة مطالبتهم بها". هنا قرر الأب، الذي كان يدخر القليل من المال اللجوء مع اثنين من أبنائه عن طريق بحر أيجة إلى اليونان، ومن ثم إلى ألمانيا، وقال وهو يصف صعوبة الظروف، التي واجهتهم خلال تلك الفترة:" كنا نكتفي بأكل وجبة واحدة لكي يكفينا من ما لدينا من المال ولكي ندخر قليلاً، لمساعد ما تبقى من عائلتي في تركيا".
وبعد مرور شهرين على وصولهم إلى ألمانيا، اقترض الأب ما كان ينقصه من المال من أجل إحضار ما تبقى من أفراد عائلته من تركيا، واجتمع شمل العائلة من جديد. ثمرة حب ح. عثمان وهدى وتفهمهما انعكست على حياتهما وحياة ابنائهما حتى في ألمانيا، إذ استطاعت الأسرة الاندماج بسرعة في المجتمع. فالابن الأكبر، والذي يحمل اجازة بالهندسة المعلوماتية من جامعة حلب، تمكن من الحصول على وظيفة مدرس بأحد المعاهد في مدينة هامبورغ، أما الابن الثاني فيدرس حالياً بجامعة لوبيك هندسة روبوت، والابنة أيضاً تدرس هندسة الأجهزة الطبية في جامعة لوبيك، أما الابن الأصغر فينتظر الرد على طلبه للالتحاق بالجامعة ودراسة هندسة المعلوماتية. أما الوالدان، فقد حرصا على الذهاب إلى المدرسة، وتعلم اللغة وحصل ح. عثمان على شهادة اللغة ويعمل الآن لدى أحد مكاتب العمل بدوام كامل في مدينة لوبيك، وعن زوجته قال بنبرة ملؤها الحب والحنان: "زوجتي وحبيبة عمري ست بيت. وهي حالياً مريضة لا تقوى إلا على قضاء حاجاتها الضرورية فهي تعاني من انزلاق غضروفي ولا تستطيع الذهاب إلى المدرسة، وأنا أقوم حالياً بكافة أعمال البيت".
ر.خ / dw