هنا اوروبا

سويسرا، مقر رئيسي لشركات التبغ العالمية!

عقدت بداية شهر أكتوبر اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ اجتماعها الثامن في جنيف. وشاركت سويسرا فيه بصفة مراقب، وذلك لعدم تصديقها على الاتفاقية المذكورة. وهو هدف رفض البرلمان الفدرالي تحقيقه منذ أكثر من عشر سنوات. حيث توجد المقرات العالمية أو الإقليمية لمجموعات التبغ العالمية الرئيسية في سويسرا.

 في أول خطاب له على الصعيد الدولي، أمام مجلس حقوق الانسان في شهر فبراير، أشار وزير الخارجية إينياتسيو كاسّيس إلى دور الحقوق المدنية والسياسية، مُسلّطاً الضوء على أهمية الحرية الاقتصادية وضمان الملكية الخاصة كضمان للاستقرار والسلام. النهج الذي أسهم في نجاح سويسرا،  خلال تاريخها المُعاصر. حتى لو تطلب الأمر وضع حقوق أخرى وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تمَّ اعتماده منذ 70 عاماً جانباً، كالحقوق المُتعلّقة بالصحة.

رسالة مفتوحة إلى الرئيس السويسري 

تطالب عشرات المنظمات الدولية غير الحكومية سويسرا بالمصادقة «دون تلكؤ» على الاتفاقية بشأن مراقبة التبغ. كما قامت بتوجيه رسالة مفتوحة إلى رئيس الكنفدرالية آلان بيرسيه يوم الأربعاء في جنيف. 

وتقول المنظمات التي تقودها المِنَصَّة الدولية "خطة بشأن التدخين والصحة" (ASH): «نَوَدُّ أن نُعبِّر عن قلقنا البالغ واستنكارنا لما يحدث في سويسرا». حيث يُشكّل التبغ «مشكلة دولية ذات عواقب وخيمة على الصحة العامّة وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية».  

كما تُهاجم المنظمات غير الحكومية رسالة مسودة مشروع القانون بشأن منتجات التبغ. وبحسب رأيها، لا تضع مسودة المشروع هدفاً للحدِّ من انتشار التدخين بشكل حقيقي في سويسرا لغاية عام 2060. وتؤكد أنَّ الحكومة الفدرالية لا تحترم تفويضها لحماية صحة المواطنين وأنَّ عليها أن تُكيّف هذا التشريع مع الاتفاقية. 

وفي الآونة الأخيرة، اعتبرت رئيسة أمانة الاتفاقية، فيرا لويزا دا كوستا إي سيلفا، الموقف السويسري «مُخجلاً أكثر منه إشكالياً». وبحسب قولها فإن «الإرادة السياسية» السويسرية ليست كافية لمواجهة ثقل صناعة التبغ «في هذا

نهاية الإطار التوضيحي

والتشريع السويسري حول التبغ هو أفضل مثال على هذا النهج الذي أكد عليه اينياتسيو كاسّيس. فسويسرا هي واحدة من آخر القوى الاقتصادية (التاسعة عشر، بحسب تصنيف البنك الدولي لعام 2018) التي لم تصادق على اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية.

 برلمان مدخن؟

 لماذا؟ رد دانيال داوفالدر، المتحدِّث باسم المكتب الفدرالي للصحة العامة، على swissinfo.ch قائلاً: «وفقاً للممارسة المُتَّبعة، لا تُصادق سويسرا على الاتفاقيات الدولية إلا بعد تكييف تشريعها الوطني (ليتوافق مع الاتفاقية). وبالتالي، يُفتَرض أن يحترم التشريع السويسري، من خلال المُصادقة، على الحد الأدنى من بعض المَطالِب المُحددة بموجب الاتفاقية، بما في ذلك منع البيع للقاصرين بالإضافة إلى فرض قيود على الإعلان. ولكن ليس هذا هو الحال».

 وما هو رأي الحكومة بذلك؟ يُجيب دانيال داوفالدر: «لقد وقَّعت سويسرا على الاتفاقية وتبقى مصادقتها هدفاً في إطار تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الأمراض غير المُعدية. ويَفي مشروع القانون الأولي المتعلق بمنتجات التبغ والمُقدَّم إلى البرلمان في عام 2015، بالحد الأدنى من مَطالب الاتفاقية. ومع ذلك، أحال البرلمان هذا المشروع إلى الحكومة الفدرالية مع وصاية بإلغاء بعض العناصر الضرورية من أجل المصادقة عليه».

 ويضيف الناطق الرسمي: «تمَّت صياغة مشروع قانون جديد في هذا الاتجاه، على الرغم من أنه لا يُلبي المطالب الأساسية لاتفاقية منظمة الصحة العالمية. وسيتم تقديم هذا المشروع إلى البرلمان في نهاية العام. بعد إقرار القانون، ستراجع الحكومة الفدرالية ما إذا كانت الشروط من أجل المصادقة على الاتفاقية متوفرة».

 ويتكرر هذا السيناريو منذ عدة سنوات، وكل محاولة برلمانية لجعل القانون السويسري يتماشى مع اتفاقية منظمة الصحة العالمية يصطدم بجبهة موحدة من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ الواقفين في صف شركات التبغ.

 مقر مهم للسجائر

 في الواقع، سويسرا مهمة جداً بالنسبة لشركات التبغ. حيث يوجد مقر أول منتج عالمي، فيليب موريس، على القارة الأوروبية في لوزان، عاصمة كانتون فو. كما تتواجد أيضاً شركة التبغ البريطانية الأمريكية (BAT)، والتي تحتل المركز الثاني في العالم، بكثرة في لوزان وبونكور، في حين يقع المقر العالمي لشركة تبغ اليابان الدولية (JTRI) في جنيف.

 
 

لوبي التبغ تحوّل إلى مبدع في المجال التواصلي

 وفقاً لتقرير KPMG لشهر أكتوبر عام 2017، تدر شركات قطاع التبغ أموالاً بقيمة 6,3 مليار فرنك على الاقتصاد السويسري وتسمح بتقديم حوالي 11500 وظيفة.

 يُفسّر هذا التواجد التشريع الجذاب للشركات والذي يسمح بالهروب من أطر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التضييقية. بالإضافة إلى وجود منظمة الصحة العالمية في جنيف، التي تسعى الشركات للتأثير عليها، أو حتى لإعاقة سياساتها الوقائية ضد التدخين. 

كما أنهم يسعون لإيصال سياسة التأثير إلى البرلمان السويسري. ففي بداية شهر سبتمبر، بثَّ برنامج (Temps Présent) على القناة السويسرية الناطقة بالفرنسية (TSR)، تقريراً بعنوان «انتبهوا، يمكن لهذا البرلمان أن يضر بصحّتكم» حيث تُظهر تحقيقاته الدقيقة أنَّ عدداً من البرلمانيين ينتمون إلى لوبي شركات التبغ حتى أنَّهم يضعون استراتيجيات مُتطوِّرة ضد تدابير الوقاية المُطالب بها من قبل الأوساط الصحية. التدابير التي من شأنها توفير مليارات الفرنكات وتخفيض تكاليف الصحة المتزايدة باستمرار. 

 
 
 
 
 
 
swissinfo
 
زر الذهاب إلى الأعلى