استراتيجية جديدة – ألمانيا تدرس وضع شروط صارمة لمساعدات التنمية
منذ مدة يحصل نقاش في ألمانيا حول جدوى ودور المساعدة الإنمائية. وهل نقدم الكثير أم ما نقدمه قليل أم نرتكب أخطاء؟ وهل يجب علينا إطلاقا تقديم شيء؟ هذه التساؤلات أو ما يشابهها يتكرر طرحها من جديد من حين لآخر. وأمام هذه الخلفية غيرت ألمانيا استراتيجيتها لصالح البلدان المحتاجة. وبدأت تتحرك نحو تغيير مبدأها الأصلي من "مبدأ إبريق الري"، أي التوزيع على الجميع بالتساوي، إلى نموذج يهدف إلى الشراكة، أي التعاون الإنمائي الحالي.
والآن طرحت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية برنامجا جديدا من شأنه تحسين الإجراءات المعهودة ويربط تقديم أموال بشروط صارمة. وتقرر أن تركز الاستثمارات وشراكات التكوين على البلدان الشريكة الـ 85 التي تسجل تقدما في تحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كما قال وزير التنمية الألماني غيرد مولر أثناء تقديم وثيقة الاستراتيجية الخاصة بـ"سياسة التنمية 2030".
الحد من الفساد
وتتمثل النقاط الجوهرية في تشييد الهياكل الدستورية ومكافحة الفساد وزيادة المساهمة الذاتية للبلدان الشريكة. والبلدان التي لا تلتزم بذلك أو تحرز مرتبة سيئة يجب عليها أن تتوقع عدم مراعاتها في التعاون الإنمائي. والقرار حول من سيبقى ومن سيتم شطبه سيُتخذ السنة المقبلة. والاستثناء من هذه الشروط هي محاربة الفقر، التي ستتواصل أيضا في البلدان التي يحكمها دكتاتوريون.
وناشد الوزير الألماني قطاع الاقتصاد من أجل زيادة حجم الاستثمارات الخاصة عشرة أضعاف في السنوات الثلاث المقبلة. وفيما يرتبط بمكافحة الفساد يجد وزير التنمية الألماني دعما من قبل اتحاد المنظمات غير الحكومية في ألمانيا. ويقول رئيس هذا الاتحاد، بيرند بورنهورست: "إذا أردنا المطالبة بمصداقية بهذه الأمور، فيجب علينا نحن أيضا نهج سياسة ذات مصداقية ومؤيدة لحقوق الإنسان".
موضوع اللاجئين كعامل تحفيزي
وسياسة التنمية الألمانية يتم توجيهها بالطبع تبعا للمصالح الألمانية. ولا تخفي الحكومة الألمانية بالتالي أن مكافحة أسباب الهجرة في إفريقيا هدف هام في إطار المساعدة الإنمائية. وعلى هذا الأساس فإن موضوع اللاجئين يبقى عاملا تحفيزيا للاهتمام أكثر بإفريقيا. لكن من الخطأ الكبير الاعتقاد بأنه في اليوم الذي لن يأتي فيه لاجئ، لن تكون هناك مشاكل موجودة في إفريقيا. "النزوح والهجرة لا يمكن منعهما بوسائل التعاون الإنمائي فقط، فالأمر يتعلق إذاً بقضايا تجارة الأسلحة والسياسة الخارجية والبناء الاقتصادي"، حسب بورنهورست.
مساهمة ذاتية أكبر لدول إفريقيا
الكاتب والمندوب السابق لخدمة التنمية الألمانية في النيجر، كورت غرهارد، يقيم مردودية البلدان الشريكة بأنها نقطة حاسمة في استراتيجية الوزير مولر، لأن "إفريقيا لا تبذل ما يكفي لتنميتها الاقتصادية". وغرهارد هو أحد الموقعين على ما يُسمى بـ"نداء بون" من أجل سياسة تنمية مختلفة. وانبثق النداء في 2008 عن دائرة من الأشخاص الذين يتابعون التطور في إفريقيا بالتزام مميز وينتمي إليهم روبرت نويديك، مؤسس منظمة "كاب أنامور"، الذي توفي في 2016. ويتحدث غرهارد عن حصيلة مخيبة للأمل في التعاون وينتقد مخططات مولر بأنها غير كافية. ويعتبر أنها خطوة صحيحة في كسب شركات أجنبية للعمل في إفريقيا، "لكن القول للشركات الألمانية بأن تأخذ الأموال وتذهب هناك وتبني ـ فهذا لا يتم على هذا النحو". ألمانيا يجب عليها أن تقول للأفارقة: "يجب عليكم خلق الظروف في بلدانكم لكي تهتم الشركات الأجنبية بالالتزام في الاقتصاد وبناء مؤسسات إنتاجية".
مقاربة خاطئة للسياسة الألمانية
وهذا لا يتوافق مع استراتيجيات وزير التنمية الألماني. "كل دولة وكل مجتمع لا يمكن له التطور إلا من تلقاء نفسه. هذا ما وجب علينا أخيرا فهمه وليس الظهور كأولئك الذين يريدون تطوير إفريقيا"، يقول غرهارد في حديثه مع دويتشه فيله. "كل هذه المقاربة التي يجب علينا اتخاذها خاطئة تماما. نحن غير مجبرين على فعل أي شيء. هم من يجب عليهم التحرك". واعتبر غرهارد أنه يجب على إفريقيا أن تستغل إمكانياتها بشكل أفضل.
وفي المقابل فإن الأهمية الاقتصادية للتعاون الإنمائي مسألة غير متنازع عليها. وسيتم تخصيص 4.4 مليار يورو لذلك، وستذهب غالبية الأموال لصالح إفريقيا، لأن الخبراء يعتبرون أنه سيتم في السنوات المقبلة بناء أكثر مما هو عليه الحال في أوروبا، بحيث أن الشركات لها فرص استثمار كبيرة في قطاع المواد الأولية والطاقة. فالهند والصين موجودتان منذ مدة في عين المكان وتضمنان مواد أولية قيمة مثل الليثيوم الذي يُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية.
الدعم لمستثمرين ألمان
ويعتزم الوزير غيرد مولر توطيد المشورة "للشركات الصغيرة والمتوسطة من ألمانيا، التي تريد الاستثمار في إفريقيا" مع ضمان تمويل أفضل. ومن المقرر أيضا اعتماد برنامج دعم الشركات المتوسطة في إفريقيا. وبهذا يلقى الوزير ترحيبا من قبل نادي إفريقيا. "نقول منذ سنوات طويلة يجب علينا صرف أموال تنمية أكثر وتمكين استثمارات خاصة في إفريقيا نافعة من ناحية سياسة التنمية لخلق فرص عمل. وهذا لا يمكن أن تفعله الدولة الألمانية، وإنما الاقتصاد الألماني"، كما صرح رئيس نادي إفريقيا، شتيفان ليبنغ، في حديث مع دويتشه فيله.
وفي هذا الإطار افتتحت شركة فولكسفاغن مصنعا جديدا في رواندا. وفي ناميبيا تم إطلاق مصنع كبير لإنتاج الإسمنت. وأشار ليبنغ إلى وجود الكثير من الشركات الألمانية التي ترغب في الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة.
أجوبة في قمة إفريقيا في برلين
كيف ستسير الأمور بالتحديد في التعاون الإنمائي مع إفريقيا؟ الإجابة على هذا السؤال يتوقع سماعها الثلاثاء (30 أكتوبر/ تشرين الأول)، حيث يُعقد في برلين مؤتمر استثماري حول الشراكة الاقتصادية لمجموعة العشرين مع إفريقيا وممثلي الشركات الألمانية. وقد دعت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ونادي إفريقيا للمشاركة في هذا المؤتمر. وكانت ميركل قد جعلت منذ السنة الماضية من المساعدة لصالح إفريقيا أولوية للرئاسة الألمانية لمجموعة دول العشرين.
dw