“نريد أن نحيا فقط”.. زوجان كرديان يرويان رحلة لجوئهما من سوريا إلى فرنسا
غيرت الحرب في سوريا مصائر الكثير من البشر، وقصة الزوجين عادل وهديل الحسين ليست إلا جزءا من تغريبة قاسية طالت ملايين اللاجئين والنازحين. في بداية العام الحالي، صدر كتاب باللغة الفرنسية بعنوان "نريد أن نحيا فقط" عن دار "فلاماريون"، يروي تفاصيل الرحلة التي خاضها الشابان الكرديان من سوريا إلى فرنسا، وتوّجت بتأسيس أسرة وإنجاب طفلتين تعيشان بسعادة في كنف والديهما.
بخطى رشيقة تتجه هديل (19 عاما) عند الساعة 4 بعد الظهر من أجل إحضار ابتنها بِريفان (27 شهرا) من حضانة بلدة لِيسْ الفرنسية، وتقول الأم الشابة إنها مطمئنة لأن ابنتها تبقى طوال النهار بين أيادٍ أمينة، ما يترك لها الوقت خلال النهار للاهتمام بابنتها الصغرى شام التي ولدت قبل خمسة أشهر فقط.
السعادة غمرت وجه بِريفان عندما رأت أمها تدخل غرفة الصف. بعد الأحضان والقبلات، بدأت الأم بمساعدة صغيرتها على انتعال الحذاء وارتداء المعطف كي تعودا إلى المنزل حيث ينتظرهما عادل (27 عاما)، الوالد الشاب، الذي عاد قبل قليل إلى البيت من أجل البقاء مع الصغيرة شام.
هديل الحسين مع ابنتها بريفان في الحضانة ببلدة ليس، جنوب باريس 24/10/2018. مصدر: مهاجرنيوز
قبل ثلاث سنوات فقط، كان الزوجان وحيدين عندما وطأت أقدامهما الأراضي الفرنسية في محطة "جوفيسي" جنوب باريس. أما اليوم، فقد تمكنا من تكوين أسرة صغيرة مكونة من أربعة أفراد. ورغم قلة الموارد، أسسا منزلا مفعما بالحيوية تساعدهما على استئجاره مؤسسة solidarités nouvelles pour le logement.
ويقول عادل إنه كان يأمل بأن يكون له "ولي عهد ذكر"، لكنه غير رأيه بعد ولادة ابنتيه، فقد أصبحت أولويته الآن "ضمان مستقبلهما وتوفير حياة كريمة لهما"، وأخبرنا ممازحا باللغة الفرنسية "علينا، أنا وزوجتي، أن نهدأ قليلا".
عادل الحسين مع ابنته شام في منزلهما ببلدة ليس، جنوب باريس 24/10/2018. مصدر: مهاجرنيوز
هديل وعادل التقيا عام 2013 عندما كانا في مخيم "دوميز" للاجئين السوريين في كردستان العراق، لكن قدرهما المشترك يعود إلى أبعد من ذلك، فهما من الأكراد السوريين الذين يعاني بعضهم من الحرمان من الجنسية ويعرفون باسم "مكتومي الجنسية". وبعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا، ودخول مناطق واسعة من البلاد في معارك عنيفة، نزح الشابان مع عائلتيهما باتجاه كردستان العراق.
وبعد فترة تعارف دامت أشهرا، تزوجا في مخيم دوميزعام 2014، وسرعان ما قررا مثل آلاف اللاجئين أن يهربا إلى أوروبا بسبب تردي أوضاع اللاجئين السوريين في العراق، وهيمنة شبح تنظيم ما يعرف بـ"الدولة الإسلامية" على المنطقة.
صور من ليلة زفاف عادل وهديل الحسين معلقة على جدار منزلهما ببلدة ليس، جنوب باريس 24/10/2018. مصدر: مهاجرنيوز
وقد حظيت رحلة اللجوء التي سلكها الزوجان باهتمام واسع في فرنسا بعد أن صدر كتاب عنهما مطلع العام الحالي بعنوان Nous voulons juste vivre (نريد أن نحيا فقط) من كتابة الصحافية الفرنسية سيليا ميرسيه، روت فيه تفاصيل نشأتهما في سوريا ولقائهما في العراق ورحلة اللجوء والاندماج التي خاضاها في أوروبا.
وتقول هديل إنهما أجريا مقابلات على مدى عام ونصف العام مع ميرسيه من أجل إتمام الكتاب. ويؤكد عادل أن الهدف من وراء كل هذا كان "تعريف العالم أجمع بصعوبة الرحلة التي يخوضها اللاجئون والأسباب التي تجبرهم على الرحيل".
ولدى الحديث عن أكثر اللحظات التي طبعت في ذاكرتهما، قالت هديل إنها لا تنسى "الرحلة بالقارب من تركيا إلى اليونان"، وتوضح بالقول "كنت أشعر بخوف كبير، لكنني كنت واثقة من أن الأسوأ لن يحصل معنا". وأخبرنا عادل أنه كان خائفا من أن يطال مكروه آخاه الصغير حسين، الذي كان بحمايته وكان حينها في 13 من العمر ولا يعرف السباحة. ويستذكر عادل أيضا أنه قد صدم من "العنصرية التي عاملت بها قوات الشرطة والجيش الكرواتي اللاجئين"، وأضاف "كانوا يضربون اللاجئين لإجبارهم على الصعود في الباصات والخروج من أراضيهم".
غلاف كتاب "نريد أن نحيا فقط" الصادر باللغة الفرنسية عن دار فلاماريون 2018
بعد ثلاث سنوات من العمل الجاد والبحث عن الاستقرار، يعيش الزوجان الآن مع صغيرتيهما في شقة مستقلة ببلدة ليس جنوب العاصمة الفرنسية، لكن تحديات من طبيعة أخرى بدأت تتلوح في الأفق مع محاولتهما التكيف مع شروط الحياة الجديدة، فهما لم يعودا في مرحلة "شهر العسل" عندما خرجا من العراق بعمر الـ16 بالنسبة إلى هديل و الـ24 بالنسبة إلى عادل، بل أم وأب يترتب عليهما الكثير من الواجبات تجاه ابنتيهما.
هديل التي تخلت عن حجابها بعد وصولها إلى فرنسا، تقول إنها تريد أن تبدأ بالعمل ما إن يشتد عود الصغيرة شام، لكن عادل لا يبدو راضيا عن هذا التوجه ويقول إن "عمل المرأة هو الاهتمام بابنتيها وتلبية متطلباتهما وإيصالهما إلى الحضانة".
في هذه الأثناء يواظب رب الأسرة على متابعة دورة تدريبة لدى دار النشر الفرنسية "فلاماريون"، ويستعد لبدء دورة أخرى في مجال "الطلاء" من أجل تأسيس عمله الخاص. لكن هديل تشتكي لأنه يمضي الكثير من الوقت خارج المنزل وتقول "إلى الآن لم يصطحبنا لرؤية جادة الشانزيليزيه أو برج إيفل في باريس!".
خلافات هذا الثنائي تبدو مألوفة في العديد من البيوت، ولا بد من الانتظار عدة سنوات قبل أن تتبلور الأولويات بالنسبة إليهما. ولدى الحديث عن المستقبل يؤكد الزوجان الشابان أن "تعليم الفتاتين" أولوية قصوى، فهما يريدان أن تحظى طفلتيهما بالتعليم المناسب الذي حرما منه عندما كانا صغيرين بسبب قسوة الحياة وظروف الحرب في سوريا.
infomigrants