رأي المصريين المقيمين بسويسرا في الممارسة الديموقراطية
المواطنة والمشاركة، كما تراها عينة من المصريين المقيمين في سويسرا حاليًا، أو الذين أقاموا بها لسنوات طويلة، وحصلوا على الجنسية السويسرية، وشاركوا في بعض الاقتراعات (على مستوى البلدية والكانتون والفدرالية)، وأدلوا بأصواتهم فيها. هذا ما يكشف عنه استطلاع للرأي أجرته swissinfo.ch في إطار الاهتمام بمتابعة كافة جوانب ملف "الديمقراطية المباشرة والمشاركة الشعبية في سويسرا".
شملت العينةُ، كلاً من: الدكتور صبري علي، نائب رئيس قسم الباثولوجيا وتشخيص الأورام، بالمستشفي المركزي "ترملي"، بمدينه زيوريخ. والشيف محمد خليل الجمال، أحد أشهر الطهاة بأكبر مطاعم زيورخ. وإيهاب عامر، مدير قسم الاستقبال بمنتجع سياحي مشهور في زيورخ. والمحاسب المحترف هاني صبح. والدكتور محي الدين عطية، استشاري جراحة العظام والمناظير، والخبير المتخصص في جراحة الكتف والكوع، بمستشفى جامعة بازل، في سويسرا.
قدمت هذه المجموعة من المواطنين المصريين أجوبتها على حزمة من الأسئلة منها: كم مرة تقريبا شاركت في التصويت؟ وهل تشاركُ حاليا بانتظام أم لا؟ ولماذا؟. ما هي برأيك أهم الإيجابيات في الممارسة الديمقراطية السويسرية؟. ما هي أبرز السلبيات حسب رأيك إن وُجدت؟. هل يُمكن برأيك استنساخ النموذج السويسري للديمقراطية المباشرة أو اقتباسه جزئيا في بلد عربي أو أكثر لضمان مشاركة أنجع للمواطن في عملية اتخاذ القرار محليا ووطنيا؟ ولماذا؟. وأخيرًا: هل هناك اقتراع ما ظل راسخا في ذهنك أو أثار تعجّبك؟ ما هو؟ ولماذا؟.. فجاءت إجاباتهم على النحو التالي:
مرات المشاركة والانتظام
في البداية؛ يقول "صبري علي": "أشترك في التصويت في الانتخابات المحلية والبرلمانية غالبًا، ولكن ليس دائماً، بنسبة مشاركة حوالي 80%، لأن التصويت هنا مريح جدًا، وغالبًا ما يجرى خلال نهاية الأسبوع؛ أيّام الجمعة مساءً، والسبت والأحد، ويمكنك أن تدلي بصوتك من خلال البريد، أو تذهب شخصيًا للجنة، أو من خلال الإنترنت"؛ معتبرًا أن "المشاركة ضرورية لكل مواطن، للصالح العام، ولصالحه ولضمان حقوقه".
فيما يشير "محي الدين عطية"، إلى أنه حصل على الجنسية السويسرية في عام 2011، ومن يومها "أشارك بانتظام في كل الاقتراعات والاستفتاءات التي تجرى في سويسرا، سواءً على مستوى الكنفدرالية، أو على مستوى الكانتونات، وتقريبًا لا أفوت أي استفتاء دون أن أشارك فيه"؛ موضحًا أن "الاقتراعات في سويسرا تجرى بمتوسط مرتيْن إلى ثلاث مرات في العام".
أما "محمد خليل الجمال"، فيقول: "حصلت على الجنسية السويسرية منذ 7 سنوات، وشاركت أكثر من 10 مرات في الاقتراعات، لكنني لا أشارك بانتظام، لأسباب كثيرة؛ منها: النسيان، الانشغال، وإذا كان القرار محل الاقتراع غير مهم بالنسبة لي، أما ما عدا ذلك فإنني أشارك في الاقتراعات أنا وزوجتي السويسرية الأصل".
ومتفقًا مع "الجمال"، يقول "إيهاب عامر": "عشت في سويسرا أكثر من 16 عامًا، وحصلت على الجنسية منذ 7 سنوات، شاركت خلالها حوالي 4 مرات فى الاقتراعات، والحقيقة أنني لا أشارك بانتظام فى كل تصويت؛ فهناك اقتراعات لا تعنيني بصورة مباشرة، أو لأنني أرى أنها غير عادلة، أو لأنني غير موافق على طرح الفكره للتصويت من أساسه".
ويقول "هاني صبح": "أعيش في سويسرا منذ 15 عامًا، وحصلت على الجنسية السويسرية منذ 11 عامًا، شاركت خلالها ثلات أو أربع مرات"؛ مضيفًا "أشارك بالاقتراعات، عندما يكون الموضوع يهمني أو يتعلق بي كمواطن".
إيجابيات الديمقراطية السويسرية
أما عن إيجابيات الديمقراطية السويسرية، كما يراها من استطلعنا آراءهم؛ فبينما يرى "علي"، أن "الديمقراطية السويسرية فريدة من نوعها، حيث لا يتم عمل أي مشروع أو اتخاذ قرار مهم، دون استفتاء رأي المواطنين، مثالاً على ذلك، عندما كانت الحكومة تريد أن تدخل الاتحاد الأوروبي، وعندما تم الاعتراض أجرى استفتاءٌ، فرفض الشعب الانضمام".
ويقول "عطية"، إنها "تشعرك بأهميتك، وقيمة مشاركتك، وأن لرأيك قيمة، وأنك تشارك بالفعل في صنع القرار، وأنك تقرر مصيرك بنفسك، وخاصة على مستوى الكانتونات، حينها يشعر المواطن بإيجابيات الديمقراطية المباشرة، وأهمية المشاركة السياسية؛ حيث يتم التصويت على مسائل تخص ساكني الكانتون بصورة مباشرة، وهو ما يجعل السكان حريصين على المشاركة وإبداء الرأي، لأنهم يدركون أن المسألة جد لا هزل فيه، وأن رأيه سيتم الاخذ به، وفي النهاية رأي الأغلبية هو الذي ينفذ".
ويوضح "الجمال"، أن "الشعب هو الذي يقرر، ونسبة التصويت هي الأساس في قبول أو رفض القرار محل التصويت، فالشعب هو السيد، فضلا عن أن المواطنين يحترمون بعضهم البعض، ويقدرون حرية كل مواطن في التصويت وفقًا لقناعاته، كما لا يسعى أي طرف لفرض أي قيود أو ممارسة أية ضغوط على الطرف الآخر".
ويتفق "عامر"، مع سابقيه في الرأي؛ ويضيف: "النظام الديمقراطى السويسرى له مميزات عديدة، من أهمها: إعطاء الحق لجميع السويسريين لإبداء رأيهم فى الشؤون الحياتية المختلفة، سواءَ كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكلٌ يشارك بصوته حسب اهتمامه".
وماذا عن السلبيات؟
وعن أبرز سلبيات الديمقراطية السويسرية؛ يقول "علي": "توجد سلبيات لكنها قليلة، حيث قد يتم الاستفتاء أحيانًا على أشياء تهم البعض، وقد يتخاذل الناس للذهاب إلى الاقتراع، فتأتي النتيجه بالسالب، وأذكر هنا على سبيل المثال اقتراع منع بناء المآذن، حيث ظن الكثيرون أن الموضوع لن يمرر، فلم يذهب الكثير من الناس، وتم تمرير المشروع بنسبة تصويت 35 ٪".
ويضيف "عطية"، إلى هذه السلبيات، أنها قد تمنح غير المتخصص، أو غير المدرك للموضوع، أو غير الملم بتفاصيل القضية محل الاقتراع، الفرصة لأن يدلي برأيه، والذي قد يكون غير مفيد، وفي غير المصلحة العامة"؛ متابعًا "من السلبيات أيضًا أن متوسط نسبة المصوتين في الاقتراعات لا يتجاوز 40%، وهو ما يعني أن قرابة 60% من المواطنين لا يذهبون لصناديق الاقتراع، وهو ما يعني أنه يترك حقه في التصويت".
وبينما يضرب "الجمال"، مثالا بأحد الاستطلاعات التي رفضها، حيث كان الاقتراع على مقترح بمنح كل مواطن 2400 فرانك سويسري شهريًا، وقد تم رفضه، وكنت سعيدًا لرفضه، لأنني أراها دعوة للتكاسل". يعتبر "صبح" أن توظيف بعض الأحزاب للميديا أو المال، للتأثير على قناعات الشعب أو فئه معينة، من أخطر سلبيات الممارسة الديمقراطية في سويسرا.
بينما يرى "عامر"، أن من سلبيات الممارسة الديمقراطية في سويسرا، أنها قد تطرح بعض الأفكار الغريبة للتصويت، أو طرح أشياء ليس للعامة علمٌ بها، وتصوير ذلك على أنه قمة الديمقراطية المباشرة، مثال: طرح شراء الجيش السويسرى طرازًا معينًا من الطائرات الحربية، للتصويت بين العامة!!.
ديمقراطية سويسرا والبلدان العربية
وفيما يخص مدى إمكانية استنساخ النموذج السويسري للديمقراطية المباشرة، أو اقتباسه جزئيًا، في أي بلد عربي؛ اتفق الأفراد الذين تم استطلاع آرائهم على صعوبة بل استحالة الاستنساخ، لأسباب كثيرة؛ مشترطين توافر بعض الأمور لاقتباسه جزئيًا.
ففيما يرى "علي"، أنه "لم ولن تكون هناك ديموقراطية، في مصر أو العالم العربي كله، لأنها تتطلب وعيًا كبيرًا، ودرجةً من التعليم، وعدم التدخل من أن يترك الأمر للنتيجة، دون تزوير لإرادة المواطنين"؛ مشيرًا إلى "أننا في عالمنا العربي نتكلم عن الديمقراطية، لكننا لا ندرس كيف ننفذها؟".
ويعتبر "عطية"، أن "الفكرة جيدة، لكنها تحتاج إلى تمهيد وتوعية وتجهيزات، أيضًا هذا الأمر يحتاج إلى بناء وتأسيس ثقة متبادلة بين الشعوب والحكومات، فبناء الثقة ضروري، ومن المهم تمهيد الأرض العربية، غير الممهدة أصلاً، أيضَا لابد من إشعار المواطن العربي بأهميته وقيمته وحقوقه، ولا بد من وجود رقابة دولية من المنظمات غير الحكومية، فلابد أن تقر الدول العربية النظم الديمقراطية، وأن تسمح لمواطنيها بالنقد البناء، والكشف عن آرائهم بمنتهى الحرية دون خوف".
أيضًا من عوائق استنساخ الديمقراطية السويسرية في العالم العربي، في نظر "عطية"، غياب المحاسبة للمسؤولين، وتمتع البرلمانيين والدبلوماسيين والوزراء بقوة وغلبة تمكنهم من الإفلات من أي رقابة أو محاسبة، فالقاعدة أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وفكرة الإفلات من العقاب غير موجودة في الدول الديمقراطية عامة، وفي سويسرا على وجه الخصوص.
كما يرجع "الجمال" صعوبة استنساخ أو نقل الديمقراطية السويسرية للبلدان العربية، إلى غياب الثقة بين الشعب والحكومة، ووقوف الإعلام مع الحكومات، ومساندة مرشحيها ضد المعارضة، وعدم الوقوف على الحياد، إضافة إلى ضعف الحالة الاقتصادية، وارتفاع نسبة الأمية".
بينما يرى "عامر"، ضرورة أن تكون الديمقراطية وليدة بيئة المجتمع الذي تُمَارس فيه، فضلاً عن الانتهاء من بعض المراحل المهمة، قبل ممارسة الديمقراطية، ومنها: بناء الدولة أولاً، ثم بناء المواطن ثانيًا، ومنحه حقوقه الأساسية في التعليم والصحة والحياة الكريمة، ثم تكون الديمقراطية بمثابة "الكريمة" التي تأتي لتنضاف إلى الكعكة".
ويرشح "صبح" تونس من بين الدول العربية، لإمكانية استنساخ ونقل الديمقراطية السويسرية إليها، معتبرًا أنها الأنسب، لقلة عدد سكانها، وصغر مساحتها، متوقعًا أن يكون "تأثيرها أسرع".
اقتراعٌ لا ينسى
وحول ما إذا كان هناك اقتراع ما، ظل راسخًا في أذهانهم، أو أثار تعجّبهم؟؛ يقول "الجمال": بالطبع هناك أكثر من اقتراع، منها على سبيل المثال: التصويت في مدينة زيورخ على إنشاء ملعب آخر لكرة القدم، وقد تم رفضه، أيضًا اقتراع حظر بناء المآذن، والذي جاءت نتيجته بالموافقة على الحظر، ورفض البناء".
ويتفق "عامر"، في المثال الثاني، مع "الجمال"، ويضيف، أن هناك استطلاعات تعارض الدستور السويسري صراحة، كـ"حرية العقيدة، وبناء أماكن العبادة"، وأخص التصويت الشهير، الذي أجري عام 2009، والذى طرحه يمنيون متشددون، بمنع بناء مآذن للمساجد المقامة حديثًا". ويؤيدهما "صبح"، في اقتراع "حظر بناء المآذن"، مشيرًا إلى أنه أخد فترة طويلة، وشغل وسائل الإعلام المحلية والعالمية، كما تشعب إلى مواضيع ثانوية عن الأجانب والأديان.
swissinfo