ثنائي برليني يعيد كتابة قصة الزوارق المطاطية على طريقته!
بمجرد أن تُذكر كلمتي "قوارب مطاطية" في أوروبا والعالم، تعاد إلى الأذهان آلاف القصص المأساوية المرتبطة بهجرة عشرات الآلاف في رحلاتٍ محفوفة بالمخاطر للوصول إلى أوروبا، لكن اثنتين من رائدات الأعمال في برلين قررتا تحويل هذه القصص وهذه القوارب إلى حقائب أنيقة تحمل أشياء الناس وقصص المهاجرين.
مع صور الزوارق المطاطية المكتظة في البحر التي تصدرت عناوين الصحف منذ ذروة أزمة اللاجئين في عام 2015 ، تبدو فكرة محاولة تحدي وتغيير التصورات حول هذه القوارب المؤقتة غير منطقية تقريباً، فالكثير من الناس لا يربطون سوى بين هذه القوارب والموت، حيث قضى حوالي 3000 مهاجر أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط خلال عام 2017 فقط.
حقائب من "قوارب الموت"
نورا عزاوي وفيرا غونتر اللتان تبلغان من العمر 31 عامًا، قررتا تغيير الصورة المحفورة لهذه القوارب في أذهان الناس، عبر تحويلها إلى حقائب ظهر تصنع من بقاياها، في تصميمات أنيقة وعملية ومتينة، كما أنها تروي قصص المعاناة وما هو أكثر من ذلك.
عزاوي وغونتر أسستا جمعية "ميميكيري" غير الربحية التي تصنّع هذه الحقائب، وحول هذه المبادرة تشرح غونتر "في جزيرة خيوس اليونانية، تتجمع في المياه بقايا القوارب المطاطية، على شكل نفايات، لذا قررنا أن نعيد معالجة هذه النفايات على شواطئ اليونان وتحويلها إلى شيء آخر جديد".
من القمامة إلى أشياء قيّمة
تبدو الفكرة جريئة بقدر ما هي بسيطة، صنع حقائب من مواد كان يمكن التخلص منها بطرق عدة، لكن هدف المشروع هو زيادة عدد الأشخاص الذين يتشاركون التجارب التي تحملها بقايا القوارب المطاطية.
تقوم جمعية "ميميكري" بتقديم فرص عمل للمهاجرين، حيث تتيح لهم فرصة تصنيع هذه الحقائب، وبالتالي تساعدهم على بناء حياتهم في البلدان الجديدة، وربما هذا هو الجانب الأكثر إشراقًا من الموضوع. "نريد خلق فرص عمل جديدة للوافدين الجدد، ونستغل مواهبهم الرائعة"، تضيف فيرا غونتر.
"عابد"، المهاجر من باكستان، أحد الذين يعملون في المشروع، وهو مسؤول عن خياطة الحقائب، "عابد"، 35 عاماً، يعرف القطع التي يخيطها يوميًا بشكلٍ جيدٍ، فهو لم يضطر لركوب "قوارب الموت" المطاطية فقط، بل تم تكليفه بقيادة القارب باتجاه الجزر اليونانية مع ما يقارب 50 شخصًا، قبل أن ينقلب القارب بمن فيه في البحر.
يقول عابد "للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين": "أحياناً أفكر في رحلتي عندما أحمل هذه المادة بين يدي، لكن هذا أصبح جزءاً من الماضي، اليوم أعيش بمساعدة هذا العمل"
كما يضم "عابد" قطع المطاط على بعضها أثناء الخياطة، يربط بين حياته القديمة والجديدة، لكنه يؤكد أنه "يحب وظيفته بالفعل"، ويقول "أقوم بالكثير من الأشياء، وهي أشياء جميلة ومفيدة للناس".
وعدا عن "عابد" يعمل مهاجرٌ إيراني كمدير إنتاج، ومهاجرٌ سوري كخياط ومصمم من تركيا بالإضافة إلى العديد من المواطنين الأوروبيين من مختلف دول الاتحاد الأوروبي.
تعتبر "ميميكري بيئة عمل دولية، مركزها وسط حي "برينزلور بيرغ" في برلين، لتغيير المفاهيم حول واحدة من أكبر التراجيديات في العصر الحديث.
إعادة تدوير لـ"المأساة"
ربما يجد البعض فكرة الحقائب "مأساوية" قليلًا، لكن فريق العمل يقول إن مسؤوليته تغيير الصورة النمطية لهذه الزوارق وتغيير ما تمثله في أذهان الناس، وتقول عزاوي في حوار سابق لها لـDW "المهم هو أن تكون قادراً على تغيير آراء الناس، فعليهم أن يدركوا أن ليس كل ما يروه يبدو واضحًا للوهلة الأولى".
إلى جانب البعد الإنساني للمبادرة، فإن الفكرة تحمل بعدًا بيئيًا، نظرًا لكونها تساعد في التخلص من النفايات في البحر من القوارب المطاطية.
وتوضح نورا عزاوي أنه منذ أن شاهدت بقايا القوارب المطاطية على شواطئ جزيرة خيوس اليونانية، عندما كانت متطوعة هناك بين عامي 2015 و 2016 ، وقتها بدأت تفكر في كيفية استغلال هذه المواد.
وتقول غونتر "الشيء الأول الذي تبادر إلى أذهاننا هو استخدام البقايا المطاطية في صنع حقائب تدوم لفترة طويلة، ورغم ما تحمله هذه البقايا المطاطية من قصص ومشاعر، إلا أنه كان لا بد من استثمارها كي لا تبقى نفايات مؤذية".
وتختم بقولها "إن هذه الحقائب تجعل التاريخ شيئًا محسوسًا، من خلال إشراك هذه البقايا في صنع حقائب تعيش لفترة طويلة، تجعل الناس يشعرون بهذا الماضي الأليم الذي عاشه الآخرون".