الترحيل الجماعي للمهاجرين من إيطاليا: “سياسة” حقيقية أم خطابات للاستهلاك الإعلامي؟
توعد وزير الداخلية الإيطالي الجديد ماتيو سالفيني بترحيل جماعي للمهاجرين بدون أوراق إقامة. ودعا في خطاب له أمام أنصاره في صقلية المهاجرين إلى "حزم حقائبهم". هل هذه التصريحات فقط للاستهلاك الإعلامي ودغدغة مشاعر الأتباع، أم أن الحكومة اليمينية المتطرفة والشعبوية بمقدورها تطبيق "سياسة" حقيقية بهذا الخصوص؟
خلفت تصريحات وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني ضجة كبرى في الأوساط الإعلامية والسياسية الأوروبية، والتي أكد فيها بخطاب قاس، أن الحكومة الإيطالية مقبلة على مخطط لترحيل المهاجرين بدون أوراق إقامة إلى بلدانهم. وقال الوزير في تجمع جماهيري: "ولى الزمن الجميل للمهاجرين غير الشرعيين، استعدوا لكي تحزموا حقائبكم".
زعيم الحزب اليميني المتطرف "عصبة الشمال"، اختار جزيرة صقلية الإيطالية، التي تستقبل عادة أكبر عدد من المهاجرين. لإعلان سياسته المتشددة تجاه المهاجرين الواصلين إلى البلاد على متن قوارب الموت. وأكد في خطابه أنه "لن يقف متفرجا أمام موجات الهجرة، فنحن بحاجة إلى مراكز للترحيل".
ورغم تراجع عدد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا إثر اتفاق مع حكومة الوفاق الليبي مثير للجدل، تبقى أزمة الهجرة حاضرة بقوة في إيطاليا. وتستقبل مراكز الاستقبال في هذا البلد 170 ألف شخص. وأول تعليق على هذا العدد من سالفيني جاء فيه، أن "إيطاليا لا يمكنها أن تتحول لمخيم للاجئين لأوروبا".
من سياسة الاستقبال إلى "سياسة" الاحتجاز
فهل يمكن للحكومة الإيطالية المشكلة من تحالف بين اليمين المتطرف والشعبويين تنفيذ مخططها بطرد المهاجرين بدون أوراق إقامة؟ وقد نالت هذه الحكومة برئاسة جوزيبي كونتي الثلاثاء ثقة مجلس الشيوخ بحصولها على 171 صوتا مقابل 117 فيما امتنع عن التصويت 52 نائبا.
وأول إجراء يخص المهاجرين من المتوقع أن تقدم عليه الحكومة الإيطالية الجديدة هو: استبدال سياسة الاستقبال بسياسة الاعتقال والاحتجاز. وهذا يتم من خلال "رفع عدد مراكز الاحتجاز والسعي لعقد اتفاقيات مع بلدان مصدرة للهجرة، لا تبدو متحمسة لإعادة مواطنيها"، حسب ما جاء في مقال للصحافي الفرنسي طوما غيان.
وهذا الأمر سينعكس على السياسة المالية الإيطالية تجاه ملف أزمة الهجرة. فالوزير سبق له أن أعلن أنه سيخصم 5 ملايير يورو المخصصة سنويا لاستقبال طالبي اللجوء، لصرفها في إدارة وتدبير مراكز الاحتجاز.
متى يمكن ترحيل مهاجرين بدون أوراق إقامة؟
عمليات ترحيل المهاجرين بدون أوراق إقامة من إيطاليا، كانت دائما حاضرة في سياسات الحكومات السابقة. ورحلت روما السنة الماضية 6500 مهاجر. وهدف الحكومة الحالية هو الرفع من هذا العدد. لكن الأمر ليس بالسهل في كل الحالات. فهناك العديد من الدول لا تبدي أي استعداد للتعاون بهذا الخصوص، ولربما سيزيد من تعقيد هذا الأمر وصول حكومة يقودها الشعبويون واليمين والمتطرف، ولا تلاقي الترحيب في البلدان المصدرة للهجرة.
وفي أول رسالة منه شديدة اللهجة للدول المصدرة للمهاجرين. شدد سالفيني على أنه "يتعين على الدول البدء بواجباتها. ولا يجب أن يرسو المزيد من مهربي المهاجرين في الموانئ الإيطالية". وأدى استهدافه لتونس من خلال تصريح قال فيه إن هذه البلاد "لا ترسل لنا شرفاء، بل في غالب الأحيان وبصفة إدارية سجناء سابقين"، إلى توتر بين البلدين، استدعت تونس على إثره السفير الايطالي لديها.
المكلف بالإعلام في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، أكد لمهاجر نيوز أنه "لا يمكن ترحيل مهاجرين بدون موافقة مسبقة من بلده الأصلي"، وتحصل هذه الموافقة بناء على اتفاقيات ثنائية، يديرها من ناحية المهاجر سفارة أو قنصلية بلاده، حيث تسلم للسلطات الإيطالية جواز مرور لنقله لبلاده.
ويمكن أن تحصل بعض الاستثناءات، يشير الناشط التونسي، كما حدث مع أفغانيين تم ترحيلهم إلى بلادهم. "لكنها حالة استثنائية" يشدد بن عمر لا يمكن أن يقاس عليها. كما أن "المسألة ليست سهلة، ولن يباشرها بالطريقة التي كان يستعرضها على مسامع ناخبيه. لإيطاليا تعهدات أوروبية وخارجية ولا يمكن لسالفيني أن يتنصل منها بسهولة"، يضيف من جانبه محمد حصحاص الباحث بقسم العلوم السياسية بجامعة لويس الدولية بروما في تصريح لمهاجر نيوز.
ووجود سالفيني على رأس وزارة الداخلية "محك ملائم لترويض كلامه الشعبوي. وحتى إن عزم على فعل الترحيل، فقد يرحل بضعة عشرات الأفراد في أسوء الحالات لتبرير خطاباته أمام ناخبيه"، يوضح حصحاص ما ينتظر زعيم اليمين المتطرف الإيطالي في الأسابيع والشهور المقبلة. فهل كان يهدف من وراء تصريحاته النارية حول الهجرة، دغدغة جماهير من أتباعه معادية للمهاجرين فقط؟
infomigrants