باريس: غموض يحيط بظروف {اعتداء السكين}
حتى مساء أمس، كان والدا حمزة عظيموف، الشيشاني الذي قتل بالسكين شابا وجرح أربعة، مساء السبت، في قلب العاصمة الفرنسية، إضافة إلى أحد أصدقائه يوم كان يسكن مع عائلته مدينة استراسبورغ، يخضعون للاستجواب من قبل الأجهزة الأمنية، التي تسعى لجلاء ظروف العملية الإرهابية الثالثة والعشرين التي عرفتها فرنسا. وما يهم هذه الأجهزة معرفة ما إذا كان عظيموف قد تلقى مساعدات مادية أو لوجيستية لتنفيذ العملية، التي تبناها بعد وقت قصير من حدوثها تنظيم داعش الإرهابي، عبر بيان لوكالة «أعماق» التابعة له.
ولهذا الغرض، فقد عمدت الأجهزة الأمنية بناء على تكليف من القضاء بدهم الغرف التي تسكنها عائلة عظيموف في نزل مفروش، يقع في الدائرة الثامنة عشرة من باريس، وكذلك شقة صديقه «عبد الحكيم أ.» في استراسبورغ صباح الأحد؛ حيث صادرت هواتفه الجوالة ويبلغ عددها سبعة، وحاسوبه الشخصي. إلا أن مصادرها أفادت أمس بأنها لم تعثر على هاتفه الجوال الرئيسي. وزعم عبد الحكيم أنه فقده. كذلك، فإن الشرطة لم تعثر على هاتف عظيموف الجوال في جيوبه أو على أي أوراق ثبوتية، فيما أفاد والداه بأنه خرج من المنزل نحو الساعة الرابعة بعد الظهر حاملا فقط هاتفه. وقد أقدم على مهاجمة المارة بسكين مطبخ يبلغ نصلها عشرة سنتيمترات.
تكمن أهمية عبد الحكيم البالغ عشرين عاما، وهي سن عظيموف، في أنه يشكل صلة الوصل بين عظيموف وبين «داعش». فزوجة الأول إيناس حمزة، سعت العام الماضي إلى الالتحاق بالتنظيم الإرهابي في سوريا؛ لكنها لم تفلح في مشروعها. وبسبب ذلك، وجهت لها تهمة الانتماء إلى عصابة ذات صلات إرهابية. وانطلاقا من ذلك، فقد استدعى الجهاز الأمني المختص بمكافحة الإرهاب الداخلي في باريس عظيموف العام الماضي، خصوصا أن اسمه – وكذلك اسم صديقه عبد الحكيم – كان مسجلا على لائحة الأشخاص الذين يشكلون خطرا على أمن فرنسا والفرنسيين، أو ما يسمى لوائح «S» التي تضم نحو 20 ألف اسم، بينهم 12 ألفا على علاقة مفترضة بالتوجهات العنفية الجهادية. كذلك، فإن اسم عظيموف وارد على لائحة أخرى للأشخاص ذوي الميول الراديكالية الإسلاموية. إلا أن المحققين، نظرا لغياب سوابق جرمية أو توفر أدلة على تطرف عظيموف وانتسابه لتنظيم إرهابي، أو احتمال ارتكابه عملا إرهابيا، لم يضعوه موضع متابعة مستمرة، بعكس عبد الحكيم الذي كانت تنظر إليه الأجهزة على أنه «هدف مهم» بمعنى أنه يعمد إلى ارتكاب شيء ما. وقد تم نقل عبد الحكيم من مدينة استراسبورغ إلى مقر «الإدارة العامة للأمن الداخلي» في ضاحية لوفالوا – بيريه، الواقعة على مدخل باريس الغربي.
وأفادت معلومات سربت عن التحقيق مع عبد الحكيم، بأنه ادعى كونه مسلما «معتدلا» وأنه «منذ فترة طويلة» انقطعت علاقته مع عظيموف.
كما في كل عملية ذات طابع إرهابي، يعود الجدل إلى واجهة الأحداث بين الحكومة والمعارضة، وهذه المرة مجددا من زاوية فائدة هذه اللوائح. وسارع لوران فوكييز، رئيس حزب «الجمهوريون» اليميني، إلى التصويب على الحكومة وعلى الرئيس ماكرون شخصيا، داعيا إلى الانتقال من الكلام والوعود إلى العمل الجاد لمواجهة الإرهاب. وانضمت إليه مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، لتعلن أن اللوائح المشار إليها «لا تفيد شيئا»، ودليلها على ذلك أن لا أقل من عشرة أشخاص من الذين ارتكبوا أعمالا إرهابية على الأراضي الفرنسية منذ يناير (كانون الثاني) من عام 2015 كانت أسماؤهم موجودة عليها. ورد الوزير بنجامان غريفو، الناطق باسم الحكومة، على المعارضة، بالتأكيد على أن هذه اللوائح بالغة الفائدة، وأنها سمحت للقوى الأمنية باستباق وتعطيل 23 محاولة إرهابية.
في افتتاحية نارية، تساءلت مجلة «فالور أكتويال» اليمينية عن «جدوى» هذه اللوائح، إذا كان الذين سجلت أسماؤهم عليها «يروحون جيئة وذهابا من غير أي عائق». وأضافت المجلة أن العملية الإرهابية الأخيرة التي جاءت بعد أسابيع قليلة على عملية أخرى جنوب فرنسا، تبين «تقاعس أجهزة الدولة»، داعية إلى اعتماد تدابير «جذرية» ضد الذين يشكلون تهديدا لأمن الفرنسيين، وربما الأخذ بمقترح فوكييز الداعي إلى «حجزهم»، أو إلى طرد الأجانب منهم، مثلما يقترح السياسي اليميني المتشدد نيكولا دوبون دينيان، رئيس حزب «الجمهورية وقوفا»، أو إلى إسقاط الجنسية الفرنسية عن مزدوجي الجنسية.
وتخلص المجلة إلى القول إن الجدل سيعود مع الهجوم الإرهابي القادم الذي ينتظره كثيرون، بمن فيهم المسؤولون الرسميون الذين يعتبرون أن تهاوي «داعش» سيزيد من مخاطر الهجمات الإرهابية في فرنسا وأوروبا.
لم تفاجئ جنسية الجاني الشيشانية المحققين؛ لأنها ليست المرة الأولى التي يكون فيها مواطنون شيشانيون ضالعين في التحضير لعمليات إرهابية. وكرست صحيفة «لو فيغارو» اليمينية أمس، ملفا كاملا لدور الجالية الشيشانية في هذه العملية، ليس فقط على الأراضي الفرنسية وإنما أيضا في جمهورية الشيشان نفسها، وأفغانستان وسوريا والعراق. كذلك رصدت الصحيفة الصعوبات التي يعاني منها القضاء الفرنسي في ملاحقة هؤلاء ومحاكماتهم، كونهم موجودين على الأراضي الفرنسية بصفة لاجئين سياسيين. وهذه حال عظيموف الذي وصل والداه إلى فرنسا عام 2004 بصفة لاجئين، وقد حصلت والدته على الجنسية الفرنسية عام 2010، ما سهل له الاقتداء بها، بينما رفض طلب والده. وقبل وقت قصير، وصلت عائلته إلى ضواحي باريس، بعد أن أقامت طويلا في مدينة استراسبورغ (شرق فرنسا).
هكذا تسير الأمور في فرنسا هذه الأيام. فعودة الإرهاب إلى الواجهة غطت إلى حين على الإضرابات المتلاحقة في أكثر من قطاع. والسلطات تتعاقب، والمسألة الأمنية ما زالت تطرح نفسها بقوة، وستبقى كذلك ربما لوقت طويل.