برلين- سياسي مسلم يعتزم إعادة بناء كنيس يهودي دمره النازيون
حي كرويتسبرغ البرليني أشهر من نار على علم. الحيّ مقصد السياح ومحبي الحياة والسهر. كما يشتهر الحي بتنوعه العرقي والديني، ويشار إلى أجزاء منه بأنها "اسطنبول الصغرى". كما يعيش فيه الكثير من العرب، وعلى طرفه يقع شارع "Sonnenallee" البرليني أو ما يعرف بـ"شارع العرب".
على طرف إحدى القنوات المائية في الحيّ، يشاهد المرء لوحة تذكارية تذكر المارة بكنيس "فرينكل أوفر" اليهودي، الذي كان قائماً هناك. في المكان يقف أشخاص يستعرضون رسومات وتصاميم ويناقشون تفاصيل. من بين متصدري المشهد رئيس الكتلة البرلمانية لأقوى أحزاب ولاية برلين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رائد صالح، ورئيس الجالية اليهودية في برلين، جدعون جوفي.
أحد ضحايا "ليلة الكريستال"
تم الانتهاء من تشييد الكنيس المذكور في عام 1916، ولكنه تعرض لأضرار كبيرة في ليلة الكريستال (أو ليلة الزجاج المكسور)، ففي ليلة التاسع على العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1938، تعرض اليهود وممتلكاتهم لعنف منظم من النازيين في عموم ألمانيا آنذاك. وجاءت تسمية تلك الليلة بليلة الكريستال من كثرة الزجاج المتناثر على الأرض الناجم عن تحطيم واجهات المحال اليهودية. كما لم تسلم دور العبادة والمقابر والبيوت من التدمير والحرق. وتختلف التقديرات في عدد الضحايا من البشر، غير أنهم بالتأكيد بالمئات.
وفي عام 1944 تعرض الكنيس لاعتداءات وأضرار جديدة، قبل أن تتم إزالته عام 1959. وبعد ذلك تم تحويل مبنى جانبي ملحق بالكنيس إلى كنيس للصلاة. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وفي الذكرى الثمانين لليلة الكريستال، خرج رائد صالح وأعضاء آخرين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي بفكرة إعادة الحياة للكنيس.
في وجه "الإسلاموفوبيا" و"معاداة السامية"
يأمل رائد وجدعون في جمع تبرعات لإتمام عملية إعادة بناء الكنيس كـ"مكان للعبادة وللقاء أبناء الحيّ من كل الأديان ومن غير المؤمنين بأي دين"، حسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية. ويحدد رائد وجدعون الهدف من مبادرتهما بأنها "بعث رسالة كياسة وطمأنة"، في وقت يتعمق فيه انعدام الثقة في المجتمع بفعل تزايد الإسلاموفوبيا والموجة الجديدة من معاداة السامية، على حد تعبيرهما.
بالنسبة لجدعون جوف،ي فإن الطمأنة "طال انتظارها"، إذ أن الكنيس الحالي يحرسه رجال شرطة منذ أن هاجمه مجهولون في عامي 2000 و2002. وتحدثت تقارير صحفية مؤخراً عن تنامي معاداة السامية في مدارس العاصمة برلين. ويقول جدعون: "أفراد الجالية اليهودية خائفون من إظهار يهوديتهم كارتداء الكيباه (طاقية رأس) ونجمة داود".
وقد برزت حاجة للمزيد من الكنس بعد تزايد عدد أفراد الجالية اليهودية في برلين في السنوات الأخيرة. وكانت العدد قد تراجع بشكل حاد من 160 ألفاً عام 1933 إلى سبعة آلاف عام 1945. وتضم العاصمة برلين 11 كنيساً يهودياً وأكثر من ثمانين مسجداً ومصلى ومئات الكنائس المسيحية.
برلين "رائدة"
تحدث أحد التقارير الصحفية عن تعرض تلميذة في الصف الثاني بمدرسة ابتدائية في العاصمة برلين للسباب لأنها يهودية، من طرف تلاميذ أكبر منها سناً ينتمون لأسر مسلمة. ويتردد أن زميلاً بالمدرسة هدد بقتلها لأنها لا تؤمن بالله، بحسب ما ذكره والد الفتاة لصحيفة "برلينه تسايتونغ" الألمانية. وأكدت الإدارة التعليمية ومدير المدرسة وقوع مثل تلك الحوادث. هذا وقد كشفت سرايا غوميس، مسؤولة مناهضة التمييز في مدارس برلين، عن أن عام 2017 شهد وقوع 12 حالة معاداة للسامية.
من جهته، دعا راينر فنت، رئيس نقابة الشرطة الألمانية، إلى إجراء إحصائيات حول تلك الوقائع على مستوى ألمانيا، وهو ما أيده المجلس المركزي لليهود في ألمانيا. وقال رئيس المجلس، يوسف شوستر، في تصريحات للقناة الثانية في التلفزيون الألماني (زد دي إف)، إنه يتمنى استحداث آلية خالية من العوائق البيروقراطية تمكن من تسجيل ممارسات العنف في المدارس لتوفير صورة واضحة عن الأوضاع هناك، مضيفاً أنه ينتابه شعور بتزايد وقائع معادية للسامية، خاصة في المدن الكبيرة، وقال: "هنا تلعب برلين للأسف دوراً ريادياً على ما يبدو".
كما طالب فولكر كاودر، القيادي في التحالف المسيحي الذي تتزعمه المستشارة أنغيلا ميركل، إلى تطبيق التبليغ الإجباري عن أي حوادث مرتبطة بمعاداة السامية في المدارس.
هذا ولا توجد إحصاءات رسمية لعدد المسلمين في العاصمة برلين، غير أن تقديرات تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 9 في المائة من مجموع سكانها البالغ ما يقارب 3.5 مليون نسمة.
رائد صالح يعرّف المسلم "الصالح"
رداً على التقارير السابقة، اقترح المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا إرسال أئمة إلى المدارس. وقال رئيس المجلس أيمن مزيك لوكالة الأنباء الفرنسية: "في البداية نخصص عشرة أئمة جاهزين ويفضل أن يذهبوا إلى الفصول الدراسية برفقة حاخامات". وتابع مزيك: "رجال الدين سيدعون إلى الحوار والتنوير والاحترام المتبادل". كما أوضح رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أنه سيكون سعيداً لو شاركت الجمعيات اليهودية في هذا الأمر، مضيفاً: "عندئذ يمكننا أن نبدأ اليوم في برلين ثم في أعقاب ذلك نتوسع في كافة أنحاء ألمانيا".
أما رائد صالح، الذي ينحدر من عائلة فلسطينية من الضفة الغربية ويعيش في ألمانيا منذ أن كان في الخامسة من عمره، فيعقب بالقول: "لن أكون مسلماً صالحاً إن لم أدافع عن اليهود في موطني برلين. ولن يكون المسيحي مسيحياً صالحاً إن لم يتدخل عند محاولة أحدهم نزع حجاب امرأة".
dw