مدينة فرنسية ترفض تسجيل أطفال مهاجرين سوريين في مدارسها
رفضت مدينة أتيس مونس، الواقعة بجنوب شرق باريس، إلحاق أطفال عائلات سورية مهاجرة بمدارسها، الأمر الذي استدعى تدخل القضاء ليصدر حكما بإلزام عمدة المدينة بتسجيل هؤلاء الأطفال في مؤسساتها التعليمية. ولكن العمدة رفضت الحكم تسجيل تحت ذرائع مختلفة.
على مدى العامين الماضيين، احتلت عائلات مهاجرة، معظمها سورية، مبان كانت مخصصة لعاملي الطيران المدني بالقرب من مطار أورلي الدولي، في مدينة أتيس مونس الواقعة بالضاحية الجنوبية الشرقية للعاصمة باريس. "وصلت العائلات تدريجيا منذ 2015: أكراد، سوريون، تونسيون"، حسبما قال جان باتيست إيرود لـ "مهاجر نيوز" في اتصال هاتفي.
وأضاف: "هناك اليوم نحو 250 شخصا في ذلك التجمع، معظمهم سوريون. المشاكل التي يواجهونها ليست جديدة، إذ سرعان ما بدأت لحظة وصلوهم… وسرعان ما طالبت عمدة المدينة (كريستين رودييه) باخلاء المباني التي تحتلها تلك العائلات ، ورفضت تسجيل الأطفال في المدارس".
"بعض العائلات كانت تحاول تسجيل أبنائها في المدرسة منذ أكثر من عام"
وخلال السنة الدراسية الماضية، وبعد محاولات سابقة باءت بالفشل، حاول أهالي الأطفال السوريين تسجيل أبنائهم في المدارس إلا أن العمدة رفضت مجددا. أما السبب الذي تم تقديمه لأهالي الأطفال فكان عدم وجود أماكن كافية في الفصول الدراسية، إضافة إلى عدم وجود عنوان سكن دائم للعائلات.
حينها، قامت جمعية "الحق بالسكن" وجمعية "الأحداث لاستقبال طالبي اللجوء" برفع القضية إلى القضاء. ووفقا لجان باتيست إيرود، فإن "بعض العائلات كانت تحاول تسجيل أبنائها في المدرسة منذ أكثر من عام…".
وكانت محكمة فرساي (جنوب غرب باريس) الإدارية قد أصدرت حكما في 19 آذار/مارس الماضي، تلزم بموجبه رئيسة بلدية أتيس مونس باستقبال 28 من أطفال تلك العائلات المهاجرة ضمن مدارس المدينة. وتضمن قرار المحكمة أن "حق الحصول على التعليم وقانون التعليم الإجباري لمن هم في عمر الست سنوات فما فوق، يتطلب من العمدة استقبال هؤلاء الأطفال في مدارس المدينة دو التحجج بعدم وجود أماكن كافية".
وقالت المحكمة: "وفقا لقانون التعليم الفرنسي وبناء على مبدأ حق الجميع بالحصول على الخدمات التعليمية، لا يمكن (للعمدة) اعتبار مكان السكن سببا كافيا لرفض تسجيل هؤلاء الأطفال في المدارس". وأضافت: "بالنسبة للطلبات القليلة لتسجيل أطفال هؤلاء المهاجرين في حضانة البلدية، لم تجد المحكمة أن الأسباب التي قدمتها عمدة المدينة لعدم قبل تلك الطلبات مقنعة".
هؤلاء الأطفال "لا يتكلمون الفرنسية"
وفي شريط فيديو تم نشره على الموقع الإلكتروني للمدينة، أعلنت عمدة أتيس مونس كريستين رودييه، التي تنتمي لحزب "الجمهوريون" اليميني، أنها "غير قادرة" على الامتثال لأوامر المحكمة. "من المستحيل تقديم تعليم جيد لهؤلاء الأطفال"، قالت رودييه في رسالة وجهتها لسكان المدينة، مضيفة إن "هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى تعلم الفرنسية بشكل أساسي في هذه المرحلة… وهذا يتطلب مساعدة أشخاص متخصصين…".
من جهته، أصدر مجلس بلدية المدينة بيانا أكد فيه أنه لن يستأنف حكم المحكمة. وذكر البيان: "لسنا ضد تعليم هؤلاء الأطفال"، وبرر موقف العمدة بـ "استحالة إدماج" هؤلاء الأطفال بالنظام التعليمي التقليدي، لأنهم "لا يتكلمون الفرنسية، كما أنهم لا يستطيعون التنقل للالتحاق بالفصول الدراسية في المدارس المنتشرة بالمدينة. يجب إيجاد حلول لهم تضمن حصولهم على التعليم المناسب بالقرب من أماكن سكنهم". وأكد البيان أنه "لا يوجد لدينا أماكن كافية لاستيعابهم جميعا في الفصول الدراسية".
"وفي فرنسا، كما في أوروبا، يندمج هؤلاء الأطفال بعد بضعة أشهر من وصولهم"
وقد وصفت "جمعية الأحداث لاستقبال طالبي اللجوء" (AJAR) قرار المحكمة بأنه "نصر بطعم المرارة"، وأضافت في بيان: "منذ 18 شهرا، لم تجد طلبات دائرة التعليم في المنطقة إضافة إلى قرارات السلطات الإدارية سبيلا للتنفيذ… مازال هؤلاء الأطفال خارج المدرسة".
واستنكرت الجمعية واقع أن "على هؤلاء المهاجرين الذهاب إلى المحكمة لانتزاع قرار بالسماح لأطفالهم بالحصول على التعليم المناسب، وهو الأمر الذي كفله قانون التعليم في فرنسا"، والذي ينص على أن التعليم مضمون للجميع بهدف تمكينهم من تنمية شخصياتهم ورفع مستوى مهاراتهم والاندماج بالحياة الاجتماعية والمهنية وممارسة حقوقهم وواجباتهم كمواطنين على الأراضي الفرنسية.
وقال أحد أعضاء "جمعية الأحداث" لـ "مهاجر نيوز": "في كل أنحاء فرنسا، في كل أنحاء أوروبا، هناك أطفال مهاجرون تأخروا عن تحصيلهم الدراسي لأنهم هربوا من بلدانهم وسلكوا دروب الهجرة بحثا عن الأمان. وفي فرنسا، كما في أوروبا، يندمج هؤلاء الأطفال بعد بضعة أشهر من وصولهم". وأضاف: "مجلس المدينة يخفي كراهيته للأجانب بحجج كاذبة".
أما عن اقتراح عمدة مدينة أتيس مونس حول إنشاء مدارس قرب مكان إقامة هؤلاء الأطفال، فيقول العضو في "جمعية الأحداث": "نحن ننشئ نظام غيتو، فالعمدة باقتراحها هذا تدمر النسيج الاجتماعي لهذه المدينة". ويختم الناشط الاجتماعي قائلا: "لطالما كان اندماج الأطفال الأجانب مع الأطفال المحليين الوسيلة الفضلى لتعلمهم اللغة الفرنسية".