سويسرا تدعم جهود أربعة بلدان لإدماج مهاجريها في استراتيجيات التنمية
في بعض المجالات الحساسة ذات الأبعاد الدولية، يتجه التمويل السويسري إلى استباق الأحداث ومحاولة مُعالجة جذور المشاكل عوضا عن انتظار التعاطي متأخرا مع أعراضها. في هذا الإطار، تُقدم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون منذ بضع سنوات مساعدة ثمينة لتمويل بعض المشاريع التي تتكفل المنظمة الدولية للهجرة بالسهر على إنجازها من أجل إدماج المُهاجرين في الإستراتيجيات الوطنية للتنمية في عدد من دول العالم من بينها تونس.
في خطوة تُعتبر رائدة في العالم العربي افتتح وزير العدل التونسي غازي الجريبي يوم 23 يناير 2018 مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر، التي شُكلت بعد مصادقة مجلس نواب الشعبرابط خارجي التونسي على تركيبتها. وقال الوزير الجريبي وهو يدلف إلى المكاتب، مرفوقا برئيسة بعثة المنظمة في تونس لورينا لاندو: "إن هذه المكاتب حجرٌ جديدٌ في صرح منظومة حقوق الانسان". وأثنى على الدعم الذي تقدمه منظمات الأمم المتحدة لتونس في مجال مكافحة جريمة الإتجار بالبشر، التي اعتبرها عابرة للبلدان والقارات "مما يستوجب تعزيز التعاون الدولي في ملاحقة الضالعين فيها" على حد قوله.
في الواقع، يعود انطلاق نشاط المنظمة الدولية للهجرة في تونس إلى سنة 2001. ففي أعقاب انتساب هذا البلد العربي إلى المنظمة في عام 1999، أعقب ذلك افتتاح مكتب لها في العاصمة التونسية في مارس 2001، وكان أول مكتب لها في منطقة المغرب العربي. وتساعد المنظمة في حل الصعوبات والمشاكل التي يواجهها المهاجرون، ولاسيما أولئك الذين يعانون من وضع هش في عدة بلدان، وهي تُنفذ حاليا خطة بعنوان "إدماج المهاجرين في الإستراتيجيات الوطنية للتنمية" تشمل أربعة بلدان هي تونس وبنغلادش وجامايك ومولدوفيا.
خلال رُبع قرن، قدمت المنظمة مساعدات لأكثر من سبعين ألف ضحية من ضحايا الإسترقاق. ولا يتوقف دورها عند هذا الحد، بل هي تستبق ممارسات الإسترقاق وتحمي الضحايا وتؤمّن عودتهم سالمين إلى أوطانهم. وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، قالت لورينا لاندو، رئيسة بعثة المنظمة في تونس إن المنظمة أطلقت في 2012 دراسة استكشافية أتاحت إدراك خطورة ظاهرة استرقاق البشر في تونس وخصائصها والفئات المُعرضة للوقوع بين براثنها. ومما أظهرته الدراسة أن الهجرة في تونس تيار داخلي وعابرٌ للحدود في الوقت نفسه، وأن المهاجرين يُضطرون للعمل خدما في البيوت وفي الزراعة وقطاع البناء أو في المطاعم، ولكن أيضا في عالم التسوُل والدعارة.
في هذا السياق، شكلت المنظمة لجنة قيادية لبلورة مشروع قانون ضد الإسترقاق، وتوفقت فعلا إلى ذلك، عندما صادق مجلس نواب الشعب التونسي على القانون رقم 64 لسنة 2016 الخاص بالتوقي من استعباد البشر ومكافحته. وبناء على ذلك، تم إنشاء "الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر"، التي تم انتخاب أعضائها في فبراير 2017، واعتبرت لورينا لاندو أن "جميع مؤسسات الدولة في تونس باتت مُجنّدة لمكافحة الإسترقاق، وخاصة منه العابر للحدود". ولخصت دور الهيئة في أربع كلمات هي: الوقاية والحماية وملاحقة المجرمين وتطوير شراكات من أجل مجابهة أفضل للجريمة.
تعزيز القدرات
ولكن، كيف يُترجم ذلك عمليا؟ أجابت السيدة لاندو بأن المنظمة تضع في تصرف السلطات التونسية الخبرة والوسائل اللوجستية وشبكة شركائها لتعزيز قدرات الدولة التونسية في صراعها مع ظاهرة الإسترقاق. ويُشكل برنامج "تعزيز القدرات الوطنية لإنفاذ قانون مكافحة الإسترقاق في تونس" العمود الفقري لذلك التعاون، إضافة إلى مساعدة السلطات التونسية على وضع خطط وسياسات عمومية تساعد في مكافحة جريمة الإسترقاق، من خلال دورات تدريبية للقضاة والسلك القضائي عموما وعناصر الأمن الوطني. وأوضحت أن المساعدة التي تقدمها المنظمة تشمل أيضا جمعيات غير حكومية تعمل في مجال دعم مكافحة الإتجار بالبشر.
رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تونس أشارت أيضا إلى أن المنظمة ما فتئت تقدم المساعدة لضحايا الإتجار بالبشر عن طريق رقمها الأخضر المجاني (80101566) سواء ما تعلق منها بالمؤازرة الإجتماعية أم الطبية أم النفسية، في كنف احترام الكرامة والتقيّد بالكتمان. وبالاضافة إلى ذلك، تمنح المنظمة إعانة مادية وقضائية للضحايا، وتُساعدهم على العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية وإعادة الإندماج فيها. وبفضل الجهود التي بذلتها تونس في هذا المجال، استأهلت وضعها في رتبة متقدمة ضمن التصنيف الأمريكي للدول في مجال مكافحة الإتجار بالبشررابط خارجي، الذي يُصدره سنويا مكتب مكافحة الإتجار بالبشر التابع لوزارة الخارجية الأمريكية (صدر التقرير الأخير في يونيو 2017).
دعم سويسري
في السياق، تقدم سويسرا – التي تأتي في مقدمة البلدان الداعمة ماليا للمنظمة الدولية للهجرة – تمويلا للمرحلة الثانية من برنامج "إدماج المهاجرين في الإستراتيجيات الوطنية للتنمية" التي تمتد من عام 2014 إلى سنة 2018 بقيمة 727.172 دولارا منحتها الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون التابعة لوزارة الخارجية. وبفضل التمويل الذي تقدمه الوكالة، استطاعت منظمات مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية والمنظمة الدولية للهجرة واليونيسيف أن تباشر تنفيذ هذا البرنامج الرائد الذي يُعنى بإدماج المهاجرين في المسارات التنموية في البلدان الأربعة التي تمت الإشارة إليها آنفا.
حتى الآن، أعطى هذا المشروع نتائج إيجابية، من بينها وضع آلية لتنسيق الجهود بين الهجرة والدفاع الإجتماعي والحماية القانونية، ومن بينها أيضا توفير المعلومات الإحصائية حول الأوضاع الإجتماعية للمهاجرين وتعميقها، وإبرام شراكات بين القطاعين العام والخاص وأيضا بينهما وبين المجتمع المدني، من أجل مكافحة أفضل للهجرة غير النظامية، وضمان حقوق المهاجرين المُرحّلين، وكذلك المُرشحين للهجرة عن غير طريق المسارات الشرعية.
في تصريحات لـ swissinfo.ch، قال محسن الكامل وهو من نشطاء المجتمع المدني في تونس: "إن أفضل ما في هذه المشاريع المخصّصة لتونس المشروع الرامي لدعم الجامعات التونسية لجعلها قطبا جامعيا في كامل القارة الإفريقية، وكذلك المشروع الرامي لتعزيز مسالك التكوين المهني بما يجعل من تونس قطبا إفريقيا في هذا المجال، وأيضا المشروع الخاص بالهجرة الدائرية الذي يدعم قدرات التونسيين المرشحين للهجرة ويُحقق لهم الإدماج المهني في تونس والخارج".
تحديات متجددة
مع أهمية الخطوات التي قطعتها تونس، فإنها لا يمكن أن تحجب التحديات التي يتعيّن على هذا البلد مجابهتها، ومنها تطبيق القانون الخاص بالتوقي من الإتجار بالبشر ومكافحته، وفي الوقت نفسه تمكين الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالبشر من الوسائل اللوجستية والمالية لوضع السياسات العمومية الكفيلة بالتصدي لتلك الظاهرة وحماية الضحايا التونسيين والأجانب منها.
هيلين لوغوف، رئيسة مشروع مكافحة الإتجار بالبشر في مكتب المنظمة الدولية للهجرة بتونس أعلمت swissinfo.ch أن المنظمة "تعرفت على 226 ضحية بين 2012 وأواخر 2017 في تونس، وقدمت لهم المساعدة"، وأضافت أنه كان بينهم "194 من كوت ديفوار و5 من السينغال و2 من كل من كولومبيا ومالي وبنغلادش والكامرون، وأحصينا بينهم 5 أطفال و192 امرأة (85 في المائة)". وقالت: "إن معظم الضحايا كانوا يُستخدمون في أعمال السخرة في البيوت، إضافة إلى أربع حالات استغلال جنسي". وأوضحت أن 23 ضحية عُثر عليهم في مدينة صفاقس (42 في المائة) والباقي في تونس وسوسة وقابس والحمامات. وتابعت لوغوف أن المنظمة سجلت 114 ضحية في عام 2017 في مقابل 54 فقط في 2016، وكان العدد أقل في السنوات السابقة (28 في 2015 و8 حالات في 2013). وعزت ذلك إلى سن قانون مكافحة الإتجار بالبشر وكذلك إلى حملات التدريب والتوعية التي تمت بالتعاون مع المجتمع المدني التونسي.
الشبكة الإيفوارية
جوابا على أحد الأسئلة، أوضحت لوغوف أن إحدى النتائج التي أفضى إليها العمل الميداني تمثلت باكتشاف شبكات الإتجار بالبشر، وخاصة منها الشبكة التي تنطلق من الكوت ديفوار، إذ يعرض مكتب انتداب محلي على الضحايا عروضا مُغرية، تشمل راتبا جيدا وظروف عيش مثالية، لكن ما أن تحل الضحية في تونس حتى تكتشف الخدعة، فيُسحب منها جوازها وتُسلم إلى المُشغل، ويتم إشعارها بأنها مَدينة بما يُوازي عمل خمسة أشهر.
رئيسة مشروع مكافحة الإتجار بالبشر في مكتب المنظمة الدولية للهجرة بتونس قالت أيضا إن هؤلاء الضحايا من النساء والرجال يُجبرون على العمل بين 16 و18 ساعة في اليوم، من دون أن يحصلوا على الغذاء الكافي ولا على العناية الطبية اللازمة، بل يُحجر عليهم الخروج من البيت أو الاتصال بأقاربهم أو بأبناء بلدهم في تونس. كما أفادت أن أن الذين تمكنت المنظمة من إنقاذهم هم الذين استطاعوا الفرار من مُشغليهم والإتصال بالمنظمة على الرقم الأخضر الذي وضعته على ذمة الضحايا، وعند ذاك تتكفل المنظمة بمساعدتهم على إيجاد مكان لإيوائهم بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والأهلية وتُعرفهم بحقوقهن، لكن الأغلبية لا يُحبّذون رفع دعاوى قضائية ويُفضلون تأمين العودة إلى بلدهم.
swissinfo