هنا اوروبا

فرنسا: استنفار أمني لموجة «العائدين» من سوريا والعراق

يعود آخر اعتداء إرهابي ضرب فرنسا إلى 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وكان مسرحه مدينة مرسيليا الساحلية ثانية المدن الفرنسية. إلا أن هذا الأمر لا يعني بتاتاً أن التهديد الإرهابي قد تراجعت حدته عن الأراضي الفرنسية؛ ذلك أن الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية تفيد بأن أجهزتها نجحت في إحباط 20 خطة إرهابية في العام الماضي ومحاولتين إرهابيتين في الشهرين الماضيين من عام 2018. ومخاوف السلطات لا تتأتى فقط من الخلايا النائمة أو ممن يسمون «الذئاب المنفردة»؛ بل إن مصدرها بالدرجة الأولى هو «العائدون» من ميادين «الجهاد» في سوريا والعراق من المواطنين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية. وهؤلاء ما زالوا كثرا رغم ما سقط منهم قتلى إما في عمليات القصف الجوي أو في المعارك التي شهدها العراق وسوريا منذ عام 2014؛ أي منذ أن بدأت أعداد «الجهاديين» الراحلين إلى هذين البلدين في التكاثر.

ومرة أخرى، تبين الأرقام الرسمية قوة التهديد الذي اتسع مع الهزائم التي أصابت «داعش» في المشرق وتفرق الآلاف من أعضاء التنظيم ومحاولاتهم العودة إلى البلدان التي انطلقوا منها. وبالنسبة لفرنسا، فإن السلطات الأمنية أحصت ما لا يقل عن 1700 فرنسي «أو مقيم» توجهوا إلى سوريا والعراق بدءا من عام 2014. وسقط من بين هؤلاء 300 قتيل «بينهم 12 امرأة» فيما عاد إلى الأراضي الفرنسية، في الأشهر الأخيرة، بطرق مختلفة 256 شخصا يرافقهم 78 قاصرا. وتقدر هذه السلطات أن نحو 730 شخصا ما زالوا موجودين في هذين البلدين وإلى جانبهم نحو 500 طفل وقاصر.

ويشكل الهاجس الأمني العامل الرئيسي الذي يؤرق المسؤولين الفرنسيين الذين يرون في «العائدين» تهديدا أمنيا جديا نظرا لما عرفوه في سوريا والعراق ولآيديولوجيتهم الجهادية وللخبرات التي اكتسبوها إنْ في القتال أو في التفخيخ والتفجير. ولذا، يكرر الرئيس إيمانويل ماكرون ووزراء الداخلية والخارجية والدفاع أن من قبض عليه في سوريا والعراق يجب أن يحاكم حيث هو موجود رغم أن ذلك يطرح إشكالية قانونية؛ ذلك أن غالبية المقبوض عليهم في أيدي الأكراد (نحو المائة مع أكراد سوريا و6 عائلات مع أكراد العراق). والحال أن لا كردستان العراق ولا المناطق الكردية شمال شرقي سوريا تشكل دولا لها أجهزتها القضائية. ورغم ذلك، فإن باريس «تغض» الطرف عن الجانب القانوني للمصلحة الأمنية. أما من هم بأيدي القضاء العراقي، فإنهم يثيرون قضية أمنية مختلفة في حال حكم على بعضهم بالإعدام؛ إذ إن هذا الحكم ألغي في القانون الفرنسي. ولذا، فإن باريس تؤكد أنه حيثما يحكم على مواطن فرنسي بالإعدام رغم كونه إرهابيا، فإن الدبلوماسية الفرنسية سوف تتحرك لتعديل الحكم. أما من ينجح في العودة، فإن الأجهزة الأمنية سوف توقفه إن كان راشدا؛ رجلا أو امرأة، لاستجوابه، وتحيله إلى القضاء للنظر في وضعه. وأعلن الرئيس ماكرون، بهذا الخصوص، أن القضاء سيعالج «كل حالة على حدة». وما حصل حتى اليوم أن غالبية «العائدين» إما ذهبوا للسجن أو فرضت عليهم الإقامة الجبرية مع إلزامهم بالعودة إلى مراكز الشرطة دوريا، فيما أخلي سبيل عدد قليل جدا من هؤلاء.

يعكس الحكم الذي أصدرته محكمة الجنح الاثنين الماضي في باريس بحق رجل وزوجته وضع هؤلاء الأشخاص الذين ينظر إليهم على أنهم «بعبع» أمني. الرجل اسمه حسني السديري وعمره 34 عاما، وزوجته التي اعتنقت الدين الإسلامي اسمها ضياء وعمرها 32 عاما. وقد أمرت المحكمة بحبس السديري 8 أعوام مع النفاذ، فيما حكمت على زوجته بالسجن لسنتين مع النفاذ. وقصة هذين الشخصين تشبه كثيرا من القصص المروية عن قوة الجذب التي كان «داعش» يمارسها بفضل دعاياته وآيديولوجيته؛ فقد ذهبا إلى مصر في عام 2015؛ ومنها إلى مدينة الرقة رغبة منهما في العيش في بلد يطبق الشريعة الإسلامية. بيد أن إقامتهما في الرقة لم تتطابق، وفق ما يدعيانه، مع ما كانا يتوقعانه. وتفيد التفاصيل بأن ضياء أمضت في الرقة أكثر من شهر في منزل خاص بالنساء، في حين توجه زوجها إلى الموصل للمشاركة في تدريبات عسكرية ومتابعة دروس دينية. لكن السديري ينفي بشكل قاطع أن يكون قاتل في صفوف «داعش» أو أن يكون عمل معه، في حين أن زوجته لم تكشف سوى عن معلومات مجتزأة غير واضحة عن حياتها في سوريا. وبحسب روايتهما، فإنهما قررا العودة إلى فرنسا هربا من التنظيم المتطرف. وقد نجحا في ذلك من خلال التسلل عبر الحدود السورية – التركية.

ولا تتوقف التهديدات على «داعش» وحده؛ ذلك أن أيمن الظواهري، زعيم «القاعدة»، دعا في الأسابيع الأخيرة إلى استهداف الفرنسيين؛ أكان في بلدان الساحل الأفريقية، أو على الأراضي الفرنسية. وبالنظر لمشاركة «متسللين» من سوريا في العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا في عام 2015، فإن باريس جندت إمكاناتها الأمنية لمتابعة العائدين، وهي تعول كثيرا على التعاون مع تركيا ومع البلدان الأوروبية الأخرى لتدارك التعرض مجددا لعمليات إرهابية، علما بأن 241 قتيلا ومئات الجرحى كانوا ضحايا لهذا النوع من الاعتداءات منذ يناير (كانون الثاني) 2015.

 
 
 
ا ش ا
زر الذهاب إلى الأعلى