هل ستسبب أزمة الهجرة اقتحام اليمين المتطرف المشهد السياسي الأوروبي عام 2018؟
يسعى اليمين المتطرف الأوروبي إلى تحقيق مكاسب انتخابية من خلال اعتماد خطاب مضاد للهجرة ومشكك في شرعية الاتحاد الأوروبي وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية. وجاءت النتائج الانتخابية في كل من ألمانيا وهولندا والنمسا لتعطي الأحزاب اليمينية المتطرفة أملا بوصولها إلى السلطة وإعادة تشكيل المشهد السياسي للقارة العجوز. وتأتي الانتخابات الإيطالية القادمة في هذا الإطار حيث يسعى اليمين المتطرف إلى تحقيق مكاسب تخوله احتلال جزء من المشهد السياسي العام في بلاده.
أعلن حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف عن نيته ترحيل الآلاف من طالبي اللجوء في إيطاليا، كجزء من مخطط جذري يهدف إلى إعادة صياغة سياسة اللجوء الإيطالية. هذا جزء من خطاب الحزب المتطرف الانتخابي، الذي وعد جمهوره بوقف الهجرة إلى جانب الكثير من الوعود الأخرى المثيرة للجدل.
ولم يكتف الحزب، ضمن برنامجه الانتخابي، بالحديث عن وقف الهجرة فقط، بل وعد مناصريه باتخاذ تدابير وإجراءات قضائية تزيد من صعوبة الحصول على موافقة على طلبات اللجوء.
تلك التدابير إضافة إلى غيرها الكثير مما يتعلق بإدارة شؤون الحياة السياسية اليومية، أثارت قلق الكثير من المراقبين المتابعين بقلق لصعود التيارات اليمينية المتطرفة على حساب قضية المهاجرين، ليس فقط في إيطاليا وإنما في معظم دول الاتحاد الأوروبي.
وتأتي تصريحات الحزب المتطرف في وقت شهدت فيه عدة مدن إيطالية اعتداءات، بعضها دام، على مهاجرين، وكل هذا وسط ارتفاع ملحوظ بحدة خطابات التيارات اليمينية التي تشهد صعودا في عدة دول أوروبية أخرى.
ووفقا لاستطلاع رأي قامت به "وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية"، فإن 92% من مسلمي أوروبا يواجهون تمييزا عنصريا واعتداءات لفظية وجسدية.
وأظهر الاستطلاع تعرض 53% من المسلمين في أوروبا لمضايقات بسبب أسمائهم التي تحمل طابعا إسلاميا. كما لفت إلى "تعرض نحو 94% من النساء المحجبات المشاركات في الاستطلاع لاعتداءات ومضايقات تراوحت بين الجسدية واللفظية".
اليمين المتطرف يقتحم المشهد السياسي الأوروبي
وكانت الأحزاب اليمينية المتطرفة قد حققت مجموعة انتصارات في بعض الدول الأوروبية وصفت بالتاريخية، الأمر الذي وصفه خبراء بالشأن الأوروبي إنجازا لم يتحقق منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
ففي هولندا مثلا، حل حزب الحرية بزعامة الشخصية الشعبوية المثيرة للجدل خيرت فيلدرز في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في مارس/آذار الماضي ثانيا. أما في فرنسا، فاستطاعت زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف مارين لوبان من الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، في خطوة وصفها متابعون بالسابقة الخطيرة.
حزب الحرية النمساوي اقدم الاحزاب والحركات اليمينية في اوروبا، استطاع الوصول إلى الحكم والمشاركة في الائتلاف الذي شكله حزب المحافظين.
إلا أن المفاجأة الكبرى كانت في ألمانيا، واختراق حزب البديل من أجل ألمانيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة مسرح الحياة السياسية ووصوله إلى البوندستاغ، بنتيجة تاريخية مقارنة بأعداد الأصوات التي كان يحصل عليها في الماضي. ويطالب هذا الحزب بإغلاق المساجد وفرض حظر على الأذان واعتماد إجراءات من شأنها التضييق على المهاجرين واللاجئين والحد من تدفقهم على البلاد.
والجدير بذكره أن هذا الحزب إضافة إلى أحزاب وتيارات يمينية متطرفة أخرى استفادت من حادثة ليلة رأس السنة في مدينة كولن عام 2015، حين اتهمت مجموعة من المهاجرين بالاعتداء جنسيا على شابات ألمانيات كن يحضرن الاحتفالات أمام كاتدرائية المدينة. فخاض حملة معادية للهجرة والمهاجرين محملا حكومة المستشارة الألمانية ميركل المسؤولية لاعتمادها سياسة الحدود المفتوحة بوجه المهاجرين.
ووفقا للكثير من المتابعين والمراقبين للشأن الأوروبي، فإن بروز التيارات اليمينية على ساحات القارة العجوز السياسية، يعود إلى بناء هذه الأحزاب والتيارات برامجها السياسية والانتخابية على قضايا مثل الإرهاب والهجرة والنكسات الاقتصادية، وهذه هي القضايا التي تلامس حياة المواطنين اليومية وتؤثر على خياراتهم الانتخابية.
ولعل فوز حزبي "البديل من أجل ألمانيا" و"الحرية" النمساوي في بلدين تعتبر الهجرة جزءا رئيسيا من الثقافة العامة السائدة هناك، دليل على صحة هذه المقاربة، خاصة بعد الجدل الكبير الذي سيطر على الحياة العامة في هذين البلدين عقب أزمة الهجرة الأخيرة حول جدوى استقبال المهاجرين وإدماجهم في المجتمعات المحلية.
إعادة الاعتبار للحدود التاريخية والعداء للاتحاد الأوروبي
إلا أنه لا يمكن اعتبار ملف الهجرة واللجوء وحده مسؤولا عن بروز قوة التيارات اليمينية. فمن ضمن مشاريعها التي أوردتها في برامجها الانتخابية، تحمل تلك التيارات والأحزاب النخب الأوروبية مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في العديد من الدول الأوروبية، كما تتشارك بعدائها للاتحاد الأوروبي وتدعو لإعادة الاعتبار للحدود الجغرافية للدول الأوروبية المختلفة وإلغاء اليورو كعملة موحدة.
ولإبراز تقدمها، عقدت أحزاب وتيارات أوروبية يمينية متطرفة اجتماعا في العاصمة التشيكية براغ في 16 ديسمبر/كانون الأول 2017، حضره كل من مارين لوبان وخيرت فليدرز، إلى جانب زعماء كل من رابطة الشمال الإيطالية وحزب الحرية النمساوي وحزب البديل من أجل ألمانيا، إضافة إلى أفراد وشخصيات ذات ميول يمينية معادية للهجرة والاتحاد الأوروبي.
المشاركة بالحكومات
إزاء تقدم اليمين الملحوظ، تتباحث الأحزاب والتيارات الأخرى خياراتها، كما تعمل على مراجعة استراتيجياتها. بعض الحكومات عمدت إلى تبني جزء من خطاب اليمين، خاصة في ما يتعلق بموضوع الهجرة.
كما عمدت بعض الأحزاب الحاكمة التي تنتمي إلى يمين الوسط إلى التحالف مع بعض تلك الأحزاب اليمينية لإنقاذ حكوماتها والابتعاد عن شبح التهديد بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، كما حصل مع سيباستيان كورتز، المستشار النمساوي الشاب الذي آثر توقيع اتفاق مع حزب الحرية وإشراكه في الحكومة مقابل أن لا يلجأ إلى المطالبة باستفتاء شعبي حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكما في النمسا الأمر نفسه في بلغاريا، حيث يحكم حزب يمين الوسط منذ مارس/آذار الماضي مع ائتلاف من الأحزاب القومية.
وفي فرنسا، لا تزال الأحزاب التقليدية تستبعد التحالف مع اليمين المتطرف، كما هو الحال في ألمانيا وهولندا.
وكانت الحكومة الإيطالية التي يقودها حزب يسار الوسط الديمقراطي قامت بمجموعة من الإجراءات المثيرة للجدل تهدف إلى تقليص أعداد المهاجرين، وكانت اتهمت بعقد اتفاقات مع ميليشيات وقبائل ليبية تتهمها مجموعات حقوقية بانتهاك حقوق الإنسان بشكل متكرر.