قضايا “بيدوفيليا” تهز الرأي العام المغربي – أجانب تحت المجهر
"لا للسياحة الجنسية"، "نطالب بأقصى العقوبة لبيدوفيل فاس"، و"هذا عيب هذا عار، أولادنا في خطر"، هذه بعض الشعارات التي حملها العشرات من سكان فاس، شمال وسط المغرب، للتنديد بالاعتداء الجنسي الذي تعرضت له أربع قاصرات على يد رجل فرنسي.
المتهم البالغ من العمر 58 عاما، ضبطته قوات الأمن قبل أيام داخل مشغل للخياطة، مختليا بطفلتين أعمارهما تتراوح بين 10 و13 عاما.
وقد طالب، ليلة الأربعاء، ناشطون حقوقيون وأقارب ضحايا هذه الاعتداءات الجنسية، بإنزال أقصى عقوبة بحق الموقوف بتهمة الاعتداء جنسيا على طفلات تتراوح أعمارهن بين 9 و13 عاما.
عفو ملكي!
واقعة فاس، أعادت قضية "البيدوفيليا" أو الاعتداء الجنسي على الأطفال من طرف الأجانب في المغرب، إلى الواجهة. إذ تتكرر مثل هذه الاعتداءات بشكل مستمر رغم وجود قوانين رادعة.
ويمكن الوقوف عند حالات عديدة اهتز لها الرأي العام في السنين الأخيرة، وفي مقدمتها واقعة العفو الملكي، بطريقة الخطأ، عن الاسباني دانيال غالفان، بعد إدانته باغتصاب 11 طفلا.
وكان غالفان، يقيم في مدينة القنيطرة المغربية، ويقدم نفسه على أنه بروفيسور باللغة العربية في جامعة مورسيا الإسبانية. وهناك استدرج 11 طفلا (ذكورا وإناثا) وقام باغتصابهم.
وكانت السلطات المغربية سجلت حالات كثيرة من الاعتداءات الجنسية على الأطفال، خاصة من طرف الأجانب، في مدن مختلفة. ويعتبر الانجليزي روبرت إدوارد بيل، واحد من الذين تم توقيفهم بتهمة "البيدوفيليا". فقد غرر بثلاث فتيات قاصرات لا تتجاوز أعمارهن 12 سنة. فقد كان يستدرج ضحاياه ويقوم باختطافهن، بغرضِ هتك أعراضهن بالإضافة إلى تعنيفهن. وكان القضاء المغربي قد أصدر في حقه حكما بعشرين سنة سجنا.
ولا يمكن الحديث عن بيدوفيليا الأجانب في المغرب دون الوقوف عند القضية التي أحدثت هزة كبيرة في الرأي العام المغربي في أبريل/نيسان 2005، في مدينة أغادير (جنوب المغرب).
وكان الصحافي البلجيكي فيليب السرفاتي، آنذاك، هو بطلها. حيث توبع في قضية قرص مدمج تضمن آلاف الصور الجنسية (البورنوغرافية) لعشرات من الفتيات القاصرات.
وتم إيقاف السرفاتي في المغرب إثر دعوى رفعت ضده من طرف إحدى الضحايا التي التقطت لها صور بورنوغرافية ونشرت في أحد منتديات الحوارات الجنسية على الانترنت.
وأفرج عن السرفاتي فيما بعد، بيد أن القضاء البلجيكي أدانه بالحبس ثمانية عشر شهرا موقوفة التنفيذ بتهمة إغتصاب قاصرات تقل أعمارهن عن 14 سنة.
ظاهرة في تزايد
الاعتداء الجنسي على الأطفال باختلاف أعمارهم وجنسهم يعرف تزايدا مقلقا خلال السنوات الأخيرة في المغرب، خاصة من طرف الأجانب الذين يقصدون هذا البلد كوجهة للسياحة الجنسية.
خديجة خفيظ، الصحافية والناشطة الحقوقية المغربية، أكدت في حديثها لـDWعربية على هذا الارتفاع، قائلة :"المغرب يشهد ارتفاعا هائلا في حالات الاستغلال الجنسي للأطفال" وتضيف: "آخر دراسة صادرة عن المرصد الوطني لحقوق الطفل، تشير إلى أن 38 في المائة من حالات العنف الممارس ضد الأطفال هي حالات عنف جنسي ونفسي".
متحدثة من المنظمة المغربية " ماتقيش ولدي" (لا تلمس ولدي)، أكدت لـDWعربية، على عدد الأطفال "الكبير" الذين يتعرضون للاعتداء في المغرب ووصفتها بكونها: "أرقاما مخيفة" بالرغم من أنها "لا تتوفر على أرقام دقيقة في هذا الصدد".
ويرجع تزايد عدد الحالات إلى خروج الأسر عن صمتها، والتبليغ عن "المجرمين" دون خوف. وهو ما تؤكده خفيظ، إذ تقول:"إلا أننا نلاحظ بشكل عام أن المجتمع المغربي أصبح يتعامل بشكل واقعي مع هذه الحالات ويرفضها علنا". خفيظ، تذكر بقضية كالفان التي أثارت الرأي العام المغربي، وتردف: "وهذا ما قام به المغاربة على إثر الإفراج عن البيدوفيل دانيال كالفان هو خير دليل، لقد عبروا عن رفضهم لإفلات مغتصب الأطفال من العقاب".
السياحة الجنسية تحت المجهر
"السياحة الجنسية وباء ابتليت به بلادنا في السنوات الأخيرة" هكذا تصف "منظمة ماتقيش ولدي"، ظاهرة السياحة الجنسية التي صار فيها المغرب قبلة للكثير من الراغبين في هذا النوع من السياحة.
وتعتبر المنظمة أن "الأخطر هو دعارة القاصرين وبحث الأجانب على هذا النوع من النشاط الجنسي".
وفي هذا الصدد، ترى الناشطة خفيظ "أنه من الضروري التعامل بحزم أكثر فيما يخص السياحة الجنسية بالمغرب وخاصة البيدوفيليا". وتضيف" إنها ظاهرة خطيرة يلزمنا التعامل معاها بواقعية أكثر".
مسؤولية الدولة المغربية؟
"الدولة المغربية هي المسؤولة الأولى عن حماية الأطفال بشتى الطرق القانونية والتشريعية"، هكذا تجيب خفيظ عن سؤال: من المسؤول على حماية الطفل المغربي من الاعتداء الجنسي؟.
كما تؤكد الناشطة المغربية على أن "المغرب طرف في اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وبروتوكلاتها الاختيارية"، وهو ما يلزمه بالحفاظ على حقوق القاصرين وحمايتهم خاصة "في ظل دستور 2011 الذي يقر بسمو الاتفاقيات الدولية".
لكن خفيظ لم تستثن الأسر المغربية حيث اعتبرتها مسؤولة أيضا على حماية أطفالها، وتربيتهم تربية جنسية تقيهم شر الاعتداءات التي يمكن أن يتعرضوا لها سواء من طرف الأجانب أو مواطنين ينتمون لبلدهم الأم.
قوانين لحماية الطفل المغربي
يتضمن القانون الجنائي المغربي فصولا وفقرات، تنص على العقوبات التي يتعرض لها المعتدي على الطفل سواء جنسيا أو بشكل يهدد صحته النفسية أو الجسدية. عبد الرحمن بن عمرو المحامي المغربي والرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، صرح لـDWعربية، قائلا: "القانون الجنائي المغربي يحتوي على مجموعة من الفصول والفقرات التي تسعى لحماية الطفل. ومن بينها الفصل 328 والفصل 330، وكذلك الفصل 421، 409، 480…"
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجنائي المغربي، ينص في فصله 475 على: "من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنه عن ثمان عشرة سنة بدون استعمال عنف ولا تهديد ولا تدليس أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم.
في حين صرحت متحدثة من المنظمة المغربية "ماتقيش ولدي" لـDWعربية، بأن القانون المغربي يرفض تسمية هذه الظواهر في قوانينه ولا يشير لها بشكل واضح وصريح، موضحة: "ما يعاب هو رفض المشرّع تسمية الأشياء بمسمياتها لماذا لا يتحدث القانون الجنائي لحدود الآن عن السياحة الجنسية وعن دعارة القاصرين ؟"
التربية الجنسية هي "الحل"!
الصمت والتكتم على جرائم الإعتداءات الجنسية على الأطفال في المغرب بسبب الجهل وعقدة العار والخوف من الفضيحة وسط الأسرة والمحيط، تساهم في تنامي جريمة "البيدوفيليا". وهو ما تحدثت عنه خفيظ، إذ تعزو أسباب الظاهرة إلى "غياب التوعية والتربية الجنسية".
وفي هذا السياق، تؤكد منظمة "ماتقيش ولدي" على "ضرورة تنزيل(تطبيق) الدستور وتشديد العقوبات المتعلقة بالاعتداء الجنسي على الأطفال" كما تطالب بـ"جعلها مثار لتأديب القضاة وتنقيطهم، وإحالة جميع ملفات الاعتداء الجنسي ضد القاصرين على غرف الجنايات… للتخفيف من حدة الظاهرة في انتظار القطع النهائي معه."
dw