هل تورط اللاجئون الافغان حقاً في هجمات المسيِّرات داخل إيران؟

كتب / المحرر السياسي لـ”يورو تايمز”
في الأسابيع الأخيرة أعادت جهاتٍ أمنيةٍ تابعة للنظام الايراني الترويج لسيناريو «الخلايا الأفغانية» التي يُزعم أنّها شاركت في تنفيذ هجمات بطائرات مسيّرة داخل عمق الأراضي الإيرانية.
وبقدر ما يبدو العنوان مثيراً، يكشف التدقيق التقني–الأمني أنّ الرواية تعاني من ثغراتٍ لا يمكن إغفالها، بل تجعلها – وفق خبراء «فاقدةً للحدّ الأدنى من المصداقية».
تعتمد هذه القراءة على ست نقاطٍ أساسيةٍ تُفنّد الادّعاء وتُظهر كيف يشكّل تحويل المسؤولية إلى «مهاجرين بلا ظهيرٍ سياسي» مخرجاً يسيراً للأجهزة في مواجهة ضغط الرأي العام.
1. شرط النفاذ إلى المعلومات السرّية غير متوفّر
يُعرَّف «الجاسوس» تقنياً بأنّه عنصرٌ يمتلك حقّ النفاذ إلى بياناتٍ حسّاسةٍ أو مواقع بالغة الأهمية. لا تُظهر بنية المؤسّسات الأمنية والعسكرية الإيرانية أيّ تواجدٍ لأفرادٍ أفغان في دوائر تتعامل مع معلوماتٍ ذات صلةٍ بمنظومات الدفاع الجوي أو برامج الطائرات المسيّرة. مصادر مطّلعةٌ تؤكّد أنّ «مستوى الصلاحيات المطلوبة للقيام بعملٍ كهذا لا يُمنَح عادةً حتى لكوادر إيرانيةٍ ما لم يكن ولاؤها ثابتاً ومُختبَراً» – فما بالك بمهاجرين يتعرّضون يومياً للتضييق الإداري والأمني.
2. تصنيع الطائرات المسيّرة ليس «مشروع ورشة منزلية»
يبقى تجميع طائرةٍ مسيّرةٍ هجوميةٍ متوسطة المدى عملاً معقّداً يحتاج إلى:
سلاسل إمدادٍ صناعية لتأمين المكوّنات الإلكترونية والميكانيكية عالية الدقة،
مختبرات معايرةٍ وبرمجة لاختبار الملاحة الذاتية والحمولة المتفجّرة،
مخزونٍ من الذخائر يتطلّب إذناً رسميّاً أو قدرةً على اختراق مخازن عسكرية.
أيّ من هذه الشروط لم يثبت – ولو على سبيل الاشتباه – أنّه توافَر لشبكةٍ من العمّال الأفغان أو لأيّ جماعةٍ لا تتمتّع بغطاءٍ مؤسّسي أو حكومي.
3. برمجيات تحكّمٍ تفوق قدرات الأفراد العاديين
معظم الهجمات المشهودة نُفِّذت عبر مسيّراتٍ مبرمَجةٍ مسبقاً بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي والملاحة بالقصور الذاتي (IN + GPS) مع قدرةٍ على تجنّب التشويش الجغرافي (GNSS jamming). يتطلّب ذلك:
خرائط طبوغرافية عالية الدقة،
خوارزميّات تصحيح مسارٍ معقّدة،
مركز قيادةٍ متّصلٍ بالأقمار الاصطناعية أو بطائرات استطلاعٍ مرافقة.
لا توجد أدلّةٌ على أنّ جهةً غير دولةٍ تمتلك هذه الحزمة وتستطيع إطلاقها من الأجواء الإيرانية بدون اكتشافٍ مبكّر.
4. قاعدة «كلّما كبر الفريق زادت قابلية الانكشاف»
تُدرَّس العمليات السرّية في الأكاديميات العسكرية على أنّ «مؤشّر المخاطر» يرتفع طردياً مع عدد المشاركين. الزعم بإقحام «مئات الأفغان غير المدرَّبين» في «إحدى أكبر عمليات الموساد» – وفق وصف المصادر الإيرانية نفسها – يناقض أساسيات العمل السرّي: عملياتٌ بهذه الحساسية غالباً ما تُحصر في دائرةٍ ضيّقةٍ يخضع أفرادُها لتدقيق خلفيّةٍ صارم لا يمكن أن يمرّره عمّال موسميون بلا أوراق.
5. سهولة اتّهام المهمَّشين: استراتيجية سياسيّة قديمة
من قتل السينمائي الشهير داريوش مهرجوي وزوجته، مروراً بالهجوم المسلّح على مرقد «شاهراغ» في شيراز، وصولاً إلى عمليات طعنٍ متفرّقة، سُجّلت سوابق عديدة حمّلت فيها السلطات المسؤولية لأجانبٍ «يفتقرون للدولة الحامية». بهذه الآلية:
يُنتَزع الضغط الشعبي عن أداء الأجهزة،
تُرسَّخ سردية «العدوّ الخارجي»،
يُغلق الملفّ قضائياً بتسليم «مشتبهٍ بهم» لا يملك أحدٌ القدرة على الدفاع عنهم.
6. «أكبر ملفّ جاسوسية»: إرسال إحداثيات مبنى الإذاعة والتلفزيون!
ربّما تكفي هذه الواقعة لإظهار الفراغ المعلوماتي: أبرز ما استُدلّ به ضدّ بعض الموقوفين كان «تمرير موقع مبنى الاذاعة والتلفزيون» – منشأةٍ ظاهرةٍ للعيان ومتوفرة على تطبيقات الملاحة التجارية. ما يُقدَّم «دليلاً» في خطّ الاتهام يبدو أقرب إلى مادّةٍ هزليةٍ منه إلى ملفٍّ أمنيٍّ رصين.
خاتمة: رواية بحاجةٍ إلى ما هو أكثر من «كبش فداء»
إنّ جمع المعطيات التقنية والأمنية يضعف – إلى حدّ التلاشي – فرضية مشاركة عمالٍ أو لاجئين أفغان في هجماتٍ متطوّرةٍ بالمسيرات على العمق الإيراني.
وتبقى «رواية الأفغان» أقرب إلى محاولةٍ لإغلاق بابٍ محرجٍ بدل فتح نافذةٍ على الحقائق.