آراء

نزار العوصجي: مخرجات الحرب

تزاحمت أراء المحللين تجاه ما جرى خلال الحرب التي دارت بين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني في ال 12 يوماً الماضية ، فمنهم من يقول إنها مسرحية بثلاثة فصول ، وأخر يقول إنها ذر للرماد في العيون ، لغض النظر عن ما يجري لشعبنا الفلسطيني في غزة ..
الكل يدلوا بدلوه وفقاً لما يجول في داخله من حب وكره لهذا الطرف او ذاك ، والبعض يتحدث تبعاً لولائه رغم علمه علم اليقين انه يجانب الحقيقة ، لذا يحاول أظهار صورة ما حدث بشكل مغاير للواقع ، تبعاً لمستوى علمه واستيعابه لمخرجات الحرب ..
من المعلوم لدى المطلع ان مخرجات الحروب لا تقاس وفق مبدء الربح والخسارة ، بل انها تقاس وفق نسبة ما يتحقق من أهداف ، فلدى كل طرف من اطراف النزاع بنك من الأهداف ، يسعى إلى تحقيق أعلى قدر ممكن منها ..
الوصول إلى تحقيق الأهداف يعتمد بالدرجة الأساس على بنك المعلومات التي يمتلكها الخصم ، وغالباً ما يعتمد في جمعها على العملاء القادرين على أختراق منظوماته الأمنية والأستخبارية ، عبر كافة الوسائل المتاحة ، التقنية منها والبشرية ، مما يسهل عليه الوصول إلى عصب القوة ، وتحديد نقاط الضعف التي يستطيع من خلالها تحقيق التفوق ..
في 13 يونيو / حزيران 2025 ، نفذ الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) ضربة جوية إستراتيجية طالت بنية القيادة النووية والعسكرية الإيرانية ، أسفرت عن مقتل قادة بارزين في الحرس الثوري وعلماء من البرنامج النووي ، إسفرت عن خسائر في بنية القيادة العليا الحرس الثوري ، هيئة الأركان ، علماء الذرة ، مما أضعف المنظومة الحاكمة ، وأحدث أرتباك داخلي وتفكك نسبي في الأجهزة ، وأستهداف متزايد للمصادر الاستخباراتية ..
هذه الضربة تمثل نقطة تحول في معادلة الردع الإقليمي ، أفضت إلى تغييرات جذرية داخل بنية النظام الإيراني ..
فالأحداث بينت ان النظام الإيراني مخترق تماماً ، من أعلى رأسه إلى أخمص قدمه ، مما ادى الى أنهيار في جميع مفاصله ، حتى بات مشلولاً وعاجزاً عن الحركة ، يتلقى صاغراً الضربات التي أنهكته بالكامل ، بدءاً من أسقاط منظومات الدفاع الجوي والقوة الجوية وأخراجها من الخدمة ، وصولاً إلى أستهداف العديد من قياداته العسكرية ، إلى جانب تصفية عدد من مسؤولي برنامجه النووي ..
في المقابل أعتمدت إيران في ردها اعتماداً كلياً على الطائرات المسيرة و الصواريخ البالستية ، فقد نفذت خطة ذكية جداً ، حيث أمطرت السماء بصواريخ قديمة وضعيفة لكي ترهق دفاعات الكيان الصهيوني الجوية ( الاسرائيلية ) ، وبعد ان أستهلكت القبة الحديدية ذخيرتها ، بدأت بأستخدم الصواريخ فرط الصوتية المتطورة لضرب اهداف استراتيجية حساسة بسرعة رهيبة من الصعب اعتراضها ، نتج عنها قصف مبنى البورصة في تل أبيب ، ومبنى المخابرات العسكرية ووزارة الحرب ومستشفى سوروكا العسكري ، وأخرجتهم كلهم تقريباً من الخدمة ..
وحسب تقارير عسكرية ، فأن إيران استعملت خلال الضربة صواريخ جديدة ذات رؤوس حربية عنقودية متعددة ، مما يعني ان الصواريخ التي ضربتها إيران تحمل رؤوس حربية عنقودية ، تنفجر على بعد مسافة كبيرة من الهدف وتنطلق من داخلها ما بين 20 لـ 30 قنبلة فرعية ، تنتشر في دائرة واسعة تسبب دمار كبير على مجال واسع ، وتشتت أنظمة الرادار والدفاع الجوي ..
في الجانب الأخر فقد فرض سلاح جو الكيان الصهيوني ( الأسرائيلي ) سيطرته المطلقة على الأجواء الإيرانية مستهدفاً أغلب المواقع الحيوية العسكرية والأقتصادية ، الا أنه أفتقر الى القدرة على أنهاء المشروع النووي الإيراني ، دون الأستعانة بالجانب الأمريكي ، بسبب أن منشأة فوردو التي تطور القنبلة النووية ، موجودة تحت الأرض بعمق 100 متر تقريباً ، ومحاطة بجبل ، وأن قنبلة GBU-57 الخارقة للتحصينات والقادرة على أختراق الأرض لمسافة 60 متر تمتلكها أمريكا ..
في بادئ الأمر لم يكن لدى أدارة الرئيس ترامب رغبة في خوض غمار الحرب مع النظام الإيراني ، الا ان السبب الذي يقف وراء اعطاء الضوء الأخضر للقوات الأمريكية للمشاركة ، هو التقارير الدولية التي أكدت إن إيران وصلت إلى تخصيب يورانيوم بنسبة 83.7%، يعني أقل من النسبة المطلوبة لإنتاج قنابل نووية كاملة الفعالية بـ 7% فقط ، وان بامكانهم الوصول إلى هذه النسبة في وقت قصير جداً ..
من هنا عمدت الأدارة الأمريكية إلى ايصال رسالة إلى الإيرانيين ، مفادها ان قرار توجيه الضربة قد أتخد ، ولا رجعة فيه ، للقيام بضربة تكتيكية يتم توجيهها للمنشأة بحيث تقضي على مداخلها وتدفنها ..
فقبل يومين فقط من الضربات الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية ، نطنز ، فوردو ، إصفهان ، التقطت عيون الأقمار الصناعية مشهداً مثيراً ، حيث شوهدت 16 شاحنة وهي تزحف نحو أنفاق منشأة “فوردو” المحفورة تحت جبال قُم ، التي تحمل في بطونها أثمن ما تملكه طهران , 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% ..
لم تكن الصور التي نشرتها “ماكسار تكنولوجيز” مجرد نشاط لوجستي عابر ، بل كانت فصلا من رواية جيوسياسية محكمة ، لذا فان أخراج اليورانيوم من المفاعلات قبل ضربها تم رصده بدقة من قبل الأقمار الصناعية ، كما تم تحديد الوجهة التي نقل اليها ..
ان تأجل عملية قصف المفاعلات لما بعد عملية نقل اليورانيوم لم يكن اعتباطاً ، بل كان الغرض منه تجنب حدوث كارثة بيئية ، بالأضافة إلى الحفاظ على أرواح الأبرياء من أبناء الشعب الإيراني المغلوب على إمره ..
في الجانب الأخر لم تعمد الأدارة الأمريكية إلى تغيير نظام الملالي في إيران ، لذا أقدمت على أستهداف القيادات العسكرية وترك خيار التغيير للشعب ، فحالة السخط الشعبي مهيأة للانفجار بسبب الأزمات الاقتصادية ، وغياب الردع الفعال ..
ان كافة المؤشرات تشير إلى أن النظام الإيراني دخل مرحلة ضعف بنيوي غير مسبوقة منذ 1979 ، لذا فان أستمرار تصعيد الضغوط الداخلية قد يعجل بانهيار النظام أو تحوله الجبري ، الأمر الذي سينعكس ايجاباً على العراق ، فالتغيير بدأ والمرحلة القادمة للعقلاء لا للقتلة والعملاء ..
ان كل ما يحدث اليوم لم يكن مفاجئاً ، بل كنا نراه قادماً ، وقد نبهنا له منذ زمن ، ولا نلوم من أصابه الشك أو الحيرة ، فقد ضاعت البوصلة في وطن أثقلته الكوارث طيلة عقدين من الفوضى والخذلان ..

جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تمثل يورو تايمز

زر الذهاب إلى الأعلى