نزار العوصجي: أتعرفون أين تكمن المشكلة؟

عرف العراق قبل ما يقرب من سبعة آلاف عام على أنه أقدم حضارة في التأريخ ، فحضارة وادي الرافدين هي مهد الحضارات الأولى في العالم ، نشأت قبل حوالي 4000 ق.م ، وشهدت ظهور حضارات كبرى متتابعة مثل السومرية ، الأكدية ، البابلية ، والآشورية ، تميزت بتطورات هائلة في الزراعة ، الكتابة (المسمارية) ، القانون ، العمارة ، و العلوم ، مما أثر بشكل كبير على مسار التاريخ البشري ..
و منذ ذلك الحين لم يسبق للعراق أن مر بفترة زمنية ، ساد فيها الجهل ، و تسيد فيها الدخلاء على العلم ، أكثر من الزمن الحاضر الذي نحن فيه ..
لذا نجد من الضروري أن نبين معنى الجهل ، و الجهل ضد الحلم ..
فبينما يعني “الحلم” ( بكسر الحاء ) ضبط النفس و التروي و عدم التسرع في العقوبة رغم القدرة عليها ، و هو صفة حميدة ..
لذا فإن “الجهل” هو نقيضه ، و يشمل الأبتعاد عن العلم الصحيح ، كما أن تبني الجهل يدفع صاحبه إلى الأقدام على أرتكاب تصرفات حمقاء ، كالتسرع و السفه ..
و يأتي الجهل هنا ضد الحلم و الرشد ، و يظهر في قول العرب “لا نبتغي الجاهلين” ( أهل الجهل ) ..
أتعرفون أين تكمن المشكلة يا أخوتي ؟؟
المشكلة تكمن في تباين مستوى الفهم ، فالمثقف يعي جيداً أن كلمة “التطبيع” تعني جعل الشيئ طبيعياً ، و قد تُستخدم في سياقات مختلفة ..
فسياسياً تشير إلى إقامة علاقات طبيعية بين دول كانت متنازعة ..
و اجتماعياً تعني تحويل سلوكيات أو أفكار إلى أمر عادي و مقبول ..
و في علم البيانات تعني تنظيمها لتجنب التكرار ..
و أيضاً في مجال الإعاقة لجعل حياة ذوي الاحتياجات الخاصة أقرب للطبيعية ..
و في مجال الخيل تعني الترويض ..
بالأضافة إلى ذلك فأن التطبيع يعني عملية تتحول فيها الأفكار أو السلوكيات التي كانت غير مقبولة سابقاً إلى أمر “طبيعي” و جزء من الحياة اليومية و المقبولة اجتماعياً ..
أن نتيجة الأفراط بالجهل ادى إلى قرع ناقوس الخطر فوق رؤوس العراقيين الأصلاء ، فمسيحيوا العراق باتوا اليوم تحت مقصلة “التغريدات” للسيد و إرهاب الميليشيات .
ففي الوقت الذي كان يجب أن تصدح فيه أجراس الكنائس للتهنئة بحلول عيد الميلاد المجيد ، ميلاد السيد المسيح عليه السلام ، استيقظ مسيحيوا العراق على حملة تحريض شعواء يقودها إعلام الميليشيات و ذيول إيران ..
حملة لم تكن عفوية ، بل حركتها تغريدات “مقتدى الصدر” ( زعيم سرايا السلام ) ، التي استهدفت الوجود المسيحي و حولته إلى هدف مستباح ..
فالحقيقة المره التي نتجت من واقع الأزمة ، هي ان المسيحيون باتوا في خطر وجودي ، فعندما تصبح تغريدة واحدة من قائد فصيل مسلح قادرة على تغيير “الشرع” و التحريض ضد مكون أصيل ، فهذا يعني أن مسيحيي العراق باتوا يعيشون في “غابة” تحكمها أمزجة قادة الميليشيات ، لا سلطة القانون ..
أن الإعلام المسموم و أجندة إيران قد استغلها الإعلام الموالي لإيران ، نتيجة “سوء فهم لغوي” في خطاب نيافة الكاردينال لويس ساكو لشن هجوم غادر ..
هذا الإعلام المغرض لا يبحث عن الحقيقة ، بل ينفذ أجندة إرهابية تهدف إلى ترهيب المسيحيين و تهميشهم و تهجيرهم ..
باختصار ، إن ما يحدث هو ترهيب ممنهج ..
فالمسيحيون في العراق ليسوا وقوداً لمعارككم ، و لا “ذيولاً” لأجنداتكم .
لذا نطالب بكف يد الميليشيات و إعلامها القذر عن المسيحيين ..
و على الكنيسة أن تدرك أن مهمتها هي حماية الرعية بالروحانية و الحكمة ، لا بالانخراط في مستنقع السياسة الذي يهدد ما تبقى من الوجود المسيحي في العراق ..
ان افتعال ازمة كلمة “تطبيع” وردت في خطاب البطريرك مار لويس ساكو ليلة اعياد الميلاد ، قد استغلت من جهات معروفة مسبقاً ، و لها جولات خاسرة ، و الأخيرة ما كانت إلا محاولة تكميم الافواه الوطنية الداعية إلى قيام وطن قوي بابناءه و اقتصاده و سياسته ، عراق المقبل و ليس عراق المدبر ، عراق المعرفة و ليس عراق الجهل ..
أن الارهاب الفكري هو اخطر أنواع الأرهاب ، كونه يقوم اساساً على تكميم الافواه من خلال التأويل و إخراج النص عن سياقة ، و إضفاء معنى معاكس خطير على الفكرة ، من خلال أستغلال الفضاء الإعلامي المنفلت ، و المدعوم بالأقلام المأجورة الجاهزه ، ناهيك عن وجود سلطة المال و السلاح و استغلال المناصب ، في ظل غياب هيبة الدولة و ضعف القضاء ..
لك الله يا عراق الشرفاء ..
