آراء

موفق الخطاب: تحت المجهر.. نواف الزيدان في قاع الصندوق الأسود

وأنا أشاهد الحلقة الأولى من لقاء الإعلامي الكويتي القدير عمار تقي مع المدعو نواف الزيدان ، لم يكن ما يؤلمني هو ما قد قيل، بل ما لم يُقال، ولم يُواجَه، ولم يُعرَّ أمام الناس كما ينبغي.
كنت أتمنى، لا سخريةً بل حسرة، لو أن جهاز فحص الكذب الذي تكلم عنه في القاعدة الأمريكية كان حاضرًا في الاستوديو، لا ليكشف الحقيقة لنا، بل ليُنقذ نفسه من الاحتراق تحت سيل الأكاذيب والافتراءات التي لا يحتملها منطق ولا ضمير، وربما كان سيعلن عن عجزه ويدخل في عطل وسبات دائم.
جلس الزيدان يتحدث عن “بطولته”، عن وشايةٍ غُلّفت بالخيانة، وعن تسليم عدي وقصي، أبناء رئيس النظام السابق، وحفيدهم الطفل مصطفى الذي لا جريرة له ، إلى جنود الاحتلال ليتم تصفيتهم في معركة غير متكافئة، بعد أن وثقوا به، وبعد أن طرقوا بابه مستجيرين به ، لا يعلمون ما يخبؤه لهم القدر، و أن الأبواب أحيانًا تُفتح على هاوية و أمر قد قُدِر.

أكتب هنا وأنا طرفٌ محايد، لا يربطني بالنظام السابق مصلحة ولا دفاع؛ فله ما له وعليه ما عليه.
لكنني، كغيري من أبناء الموصل، كنت شاهدًا على زمنٍ كُسر فيه الميزان، وتساوى فيه الخوف مع الطمع و غابت الشهامة وتفوق الخذلان …

أولًا:
هذه القصة مضى عليها ما يقارب عقدين من الزمن، وقد أعاد الزيدان روايتها عشرات المرات على شاشات متعددة، لا ليكشف حقيقة، بل ليُرقّع فعلته التي لا تترقع.
وفي كل مرة، كان يخرج علينا بذات الحكاية المهترئة، بلا جديد، بلا صدق، بلا خجل بلا حفظ لماء الوجه.

ثانيًا:
أسلوبه، كعادته، كان سوقيًا، متكلفًا، مرتجفًا.
يرفع صوته كمن يحاول أن يغطي على ارتباك داخلي، ويغرق في قسمٍ بعد قسم، وكأن كثرة الأيمان قد تُقنع نفسه قبل أن تُقنع المشاهد بسرده.
لكن الكاذب—مهما تمرّن—تفضحه التفاصيل.
الروايات كانت تتبدل، الأحداث تتغير، والتناقضات تتكاثر، وكأن الذاكرة ترفض أن تحفظ كذبة واحدة متماسكة.
وكما قيل قديمًا: (يا كاذب كن ذاكر.)

ثالثًا:
أما حديثه عن “الوطنية”، وعن تألمه على العراقيين”، وعن “الثأر لهم”، فليست إلا ستارًا مهلهلا لتبرير فعلٍ لا يُبرَّر.
لو كان صادقًا، لكان واجه خياره الشجاع منذ اللحظة الأولى:
إما أن يرفض الاستجارة ، أو أن يتحمّل تبعة قرارٍ جريئ لا يقدم عليه الا صاحب نخوة.
أما أن يبيع من احتموا به، ثم يرتدي ثوب المخلّص، فذلك سقوط في درك قاعٌ لا تبلغه حتى ال…..رات
هذا الفعل لا يمتّ للإسلام، ولا لأخلاق العرب، ولا لمعنى الشهامة بصلة، مهما زُيّن بالكلمات، أو غُلّف بالقصص والروايات.

رابعًا:
كثير من التفاصيل التي أفلتت منه—زلة لسان هنا، أو فخ ذكي هناك— قد حُجبت من اللقاء.
أماكن، دول، تحركات، حوارات،اتفاقات،شخصيات… يعرفها العراقيون جيدًا، لكنها أُبعدت قسرا، وكأن هناك من خشي أن يكتمل المشهد، أو أن تتضح الصورة أكثر مما ينبغي.
ومع ذلك، ظل الضيف مهزوزًا، فارغًا، بلا قيمة حقيقية.

خامسًا:
ثم تأتي اللحظة الفاضحة التي لا يغسلها خطاب ولا دموع:
فرحته بصك المكافأة… بقبضه ثلاثون مليون دولار أمريكي.
صورٌ مع جنود الاحتلال، ابتسامات المنتصر، حمايات مدججة، رحلة على الطائرة الأمريكية.
كل ذلك نسف، وبلا رجعة، أي ادعاء بالبطولة.
لقد بدا كصياد جوائز رخيص في أفلام الغرب الأمريكي القديمة، لا يتردد في الدوس على كل شيء مقابل الفوز بالصك.
أي مال هذا؟
وأي لعنة ترافقه؟
ولو كان قلبه على العراقيين لأنفق شطرا من هذا المال على فقراءه او لقام بعمل خيري او زار خيام المشردين ودور الأيتام.. بل طار بالمال واستثمره واستأثر به لكن يأبى العراقيون ان تتدنس خلاياهم بمال السحت الحرام .

إنها قصة عار ستبقى، تنتقل من جيل إلى جيل، لا تُمحى، لا تُغتفر، ولا تُنسى.

ومهما تغيّرت الوجوه، وتبدلت الشاشات، سيبقى القلق رفيقه، والخوف عنوانه، والنبذ مصيره.
فالحقيقة—مهما حوصرت—كالشمس لا يحجبها غربال.

سادسًا وأخيرًا:

لا أنصح أحدًا بإضاعة وقته في متابعته.
فالرجل قال كل ما عنده… واستهلك نفسه.
وربما لسوء حظه وطالعه أن يسحبه القدر في هذا التوقيت تحديدًا، ليحشر في قعر هذا الصندوق الأسود حبيسا، في لحظةٍ تستعد فيها أمريكا للتخلي عن عملائها، كما فعلت مرارًا.
وهكذا الخونة دائمًا:
قد يطول بهم الزمان، لكن المجسات تعرف طريقها إليهم مهما اخفوا عناوينهم و بدلوا جلدهم .
كان الأولى به ان يتوارى هو وعائلته عن الانظار بدل ان يتنطط بين الفضائيات ليضحك الناس عليه كرجل سيرك فاشل يستعين بقرد او يتربع فوق حمار ..

زر الذهاب إلى الأعلى