تقارب حذر بين ماكرون وبوتين: لماذا يعود الحوار بين باريس وموسكو الآن؟

يورو تايمز / باريس
يستعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لاحتمال استئناف التواصل المباشر خلال الأسابيع المقبلة، في خطوة تعكس تخفيفًا نسبيًا للتوتر السياسي بعد قطيعة شبه كاملة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
وكان آخر اتصال مطوّل بين الرئيسين قد جرى في 1 يوليو الماضي واستمر أكثر من ساعتين، حيث أكد الطرفان حينها استمرار الخلافات العميقة حول الحرب في أوكرانيا. غير أن ماكرون أعلن، يوم 19 ديسمبر من بروكسل عقب قمة أوروبية، رغبته في إعادة فتح قنوات الحوار مع موسكو، معتبرًا أن من مصلحة الأوروبيين والأوكرانيين إيجاد إطار منظم لإعادة النقاش مع روسيا.
وفي إشارة إيجابية من الجانب الروسي، أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن بوتين «مستعد للدخول في حوار مع ماكرون»، ما أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول خلفيات هذا التقارب المحدود وتوقيته.
لماذا يعيد ماكرون فتح قناة الحوار؟
يرى الدبلوماسي الفرنسي السابق ألكسندر ميلنيك أن ماكرون «لم يقطع يومًا الخيط الدبلوماسي مع بوتين»، مشيرًا إلى قناعة لدى الرئيس الفرنسي بأن العامل الشخصي يمكن أن يؤثر في المعادلات الجيوسياسية، رغم تشكيك عدد من الخبراء بجدوى هذا الرهان.
وبحسب ميلنيك، فإن ماكرون مدفوع بعدة عوامل، أبرزها تحول الموقف الأميركي مع عودة دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية، وتراجع وضع القوات الأوكرانية ميدانيًا، إضافة إلى شعور أوروبي متزايد بالتهميش في المفاوضات التي تقودها واشنطن. وكان ماكرون نفسه قد أقر بأن الأوروبيين «لا ينبغي أن يظلوا خارج طاولة النقاش مع الروس».
مسار متقلب منذ 2017
شهدت علاقة ماكرون–بوتين تقلبات حادة منذ انتخاب الرئيس الفرنسي عام 2017. ففي بدايات ولايته، استقبل بوتين في قصر فرساي ثم في قلعة بريغانسون عام 2019، في سياق ما وُصف حينها بـ«الانفتاح البراغماتي» على موسكو.
لكن هذا النهج فشل مع تصاعد التوتر قبيل غزو أوكرانيا. ففي فبراير 2022، زار ماكرون موسكو في محاولة أخيرة لمنع الحرب، دون نتيجة. وبعد اندلاعها، دعمت فرنسا كييف، فيما حاول ماكرون لعب دور الوسيط، داعيًا في مرحلة ما إلى «عدم إذلال روسيا».
لاحقًا، تشدد الخطاب الفرنسي بشكل ملحوظ، إذ لم يعد إرسال قوات برية «مستبعدًا»، ووصفت باريس روسيا بأنها «تهديد وجودي». وفي أغسطس 2025، بلغ التوتر ذروته عندما وصف ماكرون بوتين بـ«المفترس» و«الغول على أبوابنا»، وهو ما ردت عليه موسكو باتهامات بـ«الإهانات غير اللائقة».
ما جدوى الحوار المرتقب؟
يرى مراقبون أن أي اتصال جديد بين الرئيسين سيكون رمزيًا بالدرجة الأولى. ويؤكد ميلنيك أن بوتين «لم يغيّر موقفه قيد أنملة»، متوقعًا ألا تسفر المحادثة عن اختراق حقيقي.
في المقابل، ترى الرئاسة الفرنسية أن فتح الحوار يصبح ضروريًا مع اقتراب الحديث عن وقف إطلاق النار أو مفاوضات سلام، مشددة على أن أي تحرك سيكون «بشفافية كاملة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والشركاء الأوروبيين».
وقد يتيح الاتصال المحتمل أيضًا بحث قضايا ثنائية حساسة، مثل ملف المواطن الفرنسي لوران فيناتيي المحتجز في روسيا.
ورغم ذلك، يجمع الخبراء على أن هذا التقارب لن يعيد العلاقات الفرنسية–الروسية إلى مسارها الطبيعي، معتبرين أن التغيير المحتمل سيبقى في الشكل لا في الجوهر، طالما استمر بوتين في السلطة.
