مقالات رئيس التحريرموضوعات رئيسية

د. علي الجابري: تصريحات حصر السلاح في العراق.. زوبعة سياسية أم إعادة تموضع إيرانية؟

ليس في تصريحات بعض قادة الميليشيات العراقية عن “حصر السلاح بيد الدولة” ما يستحق التوقف طويلًا، ولا ما يشي بتحوّل حقيقي في بنية المشهد المسلح.

ما يجري ليس مراجعة، ولا صحوة وطنية، بل تمثيلية سياسية رديئة الإخراج، هدفها الوحيد تهدئة الضغط الأميركي، وشراء الوقت، والحفاظ على المكتسبات.

حين يتصدر قيس الخزعلي واجهة هذا الخطاب، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن ليس مضمون الكلام، بل تاريخ قائله.. فهذا الرجل، الذي يتحدث اليوم عن الدولة، هو نفسه الذي حوّل “المقاومة” إلى سلعة، وراكم من خلالها المال، والمناصب، والنفوذ، قبل أن يستقر بالكامل داخل منظومة الحكم، خانعاً، مطمئناً، وبعيداً كل البعد عن أي مواجهة حقيقية.

الخزعلي و”عصائب أهل الحق” لم يعودوا فصيلًا مسلحاً بالمعنى الكلاسيكي، بل “مقاول سياسة“، جزء من شبكة المصالح، والعقود، والتعيينات، وممرات الدولة الخلفية. أما خطاب “المقاومة”، فلم يعد أكثر من لافتة تُرفع عند الحاجة، فيما تُدار السياسة الفعلية عبر قنوات خلفية ورسائل تطمين، لا تخفى على أحد، بأن هذا الفصيل لا يشكّل خطراً على الولايات المتحدة ولا على إسرائيل.

والحقيقة الأوضح، التي يحاول هذا الخطاب إخفاءها، أن معظم الجهات التي تتحدث اليوم عن تسليم السلاح لا تملك سلاحاً مؤثراً أصلًا! لا صواريخ دقيقة، لا قدرات بالستية، ولا طائرات مسيّرة ذات قيمة عسكرية! إنهم ضجيج بلا قوة، وواجهة بلا أنياب.

التجارب الأخيرة، من غزة، إلى جنوب لبنان، وصولًا إلى المواجهة غير المباشرة بين إيران وإسرائيل، كشفت هذا الزيف بوضوح فاضح.
فصيلان فقط في العراق شاركا، ولو بشكل محدود، في أي فعل عسكري له معنى: ميليشيا كتائب حزب الله
وميليشيا النجباء.

هاتان الجهتان وحدهما تمتلكان، وفق تقارير غربية موثوقة، ترسانة صاروخية متطورة، تشمل صواريخ دقيقة وباليستية قادرة نظرياً على الوصول إلى العمق الإسرائيلي. ولهذا السبب تحديداً، ترفضان تسليم السلاح أو إدخاله في أي نقاش جدي، لأنه ليس سلاحاً عراقي القرار، بل جزء من منظومة الردع الإيرانية.

أما بقية الفصائل، فهي مجرد ديكور سياسي، تُستخدم لتوزيع الأدوار:
واحدة تهدئ، وأخرى تصعّد، وثالثة تصرّح، فيما القرار الحقيقي واحد، والمصدر واحد، والمرجعية واحدة.

القول إن ما يجري اليوم هو صراع داخل البيت الشيعي، أو خلاف (عراقي-عراقي)، هو تبسيط مضلل.. فالجميع، دون استثناء، يتحرك ضمن سقف القرار الإيراني. وما نشهده ليس أكثر من إعادة تموضع مدروسة، تهدف إلى تجنب سيناريو الاغتيالات، وتفادي مصير القيادات التي سقطت في لبنان، وحماية ما تبقى من الأوراق.

إنهم ينحنون أمام العاصفة، لا لأنهم آمنوا بالدولة، بل لأنهم يعرفون حدودهم، ويعرفون أن لحظة المواجهة الشاملة ليست الآن.

أما “حصر السلاح بيد الدولة”، فسيبقى، ما دامت البنادق الحقيقية خارج يد الحكومة، كذبة مكشوفة، وخطاباً بلا وزن.

رئيس تحرير صحيفة يورو تايمز السويدية الناطقة بالعربية

زر الذهاب إلى الأعلى