د. عبدالرزاق محمد الدليمي: نزع السلاح “التكتيكي”.. مناورة الميليشيات الجديدة لابتلاع الدولة

تُعد التصريحات الأخيرة التي أطلقها عضو الكونغرس الأمريكي جو ويلسون حول شكر رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي للفصائل المسلحة … نافذةً كاشفة لواقع سياسي معقد في العراق حيث لم يعد الصراع بين “دولة” و”لا دولة”بل أصبح صراعاً على كيفية شرعنة وجود الميليشيات داخل هيكل الدولة الرسمي. إن إعلان الفصائل نيتها نزع السلاح ليس تحولاً جذرياً نحو السلم …بل هو تغيير في التكتيك يهدف إلى حماية نفوذها من الضغوط الدولية والداخلية المتزايدة.
تكتيك التحول من “القوة الخشنة” إلى “النفوذ الناعم”
طيلة السنوات الماضية …اعتمدت الميليشيات على لغة السلاح والترهيب لفرض أجندتها. لكن مع تغير المناخ الإقليمي وتصاعد المطالبات الشعبية والدولية بحصر السلاح بيد الدولة !!! لجأت هذه الجماعات إلى استراتيجية “النزع الصوري”. هذا الادعاء يحقق لها مكاسب سياسية دون أن يفقدها قدرتها العسكرية الفعلية وذلك عبر:
١-الاندماج المؤسساتي: تحويل المقاتلين إلى موظفين بعناوين رسمية مع الاحتفاظ ببيعة سياسية وعقائدية خارج إطار القائد العام للقوات المسلحة.
٢-الغطاء القانوني: الحصول على إشادات من أعلى سلطة قضائية كما أشار ويلسون يعطي هذه الفصائل حصانة قانونية تجعل من انتقادها أو ملاحقتها “تعدياً على مؤسسات الدولة”.
٣-تخزين السلاح لا تسليمه واضح ان التقارير الميدانية تشير غالباً إلى أن ما سوف تسلمه المليشيات هو المعدات المتهالكة بينما تظل الترسانة الحقيقية في مخازن سرية بعيدة عن رقابة الدولة.
النفاق السياسي وخطورة “قضاء الشكر”
إن النقد الموجه للقضاء العراقي يلمس جوهر الأزمة. فالقضاء، بصفته ميزان العدالة يفترض أن يكون محايداً تماماً. عندما يقدم القضاء “شكراً علنياً” لجماعات مسلحة فإنه يسقط في فخ تسييس العدالة. هذا السلوك يبعث برسالة مفادها أن السلاح أقوى من القانون !!! وأن الخارجين عن الدولة يمكنهم نيل صكوك الغفران بمجرد إطلاق وعود لفظية بنزع السلاح.
هذا النفاق المستمر والمؤدلج يخدم هدفاً واحداً هو الحفاظ على مكاسب الميليشيات الاقتصادية والسياسية تحت غطاء “الشرعية”. فالميليشيا التي تدعي نزع سلاحها اليوم هي ذاتها التي تسيطر على الموانئ والمنافذ الحدودية والمشاريع الاستثمارية الكبرى مستخدمةً نفوذها السياسي كبديل متطور عن البندقية.
تهديد كيان الدولة
إن تغيير التكتيك من قبل الميليشيات لا يعني تراجعاً بل هو انحناء للعاصفة وتوغل أعمق في مفاصل الدولة. نزع السلاح الحقيقي لا يحتاج إلى “رسائل شكر” بل يحتاج إلى إرادة سياسية ورقابة دولية وقضاء يقف على مسافة واحدة من الجميع ويحاسب على الجرائم السابقة بدلاً من مباركة المناورات الحالية.
بدون ذلك سيظل العراق يراوح مكانه في دائرة “الاحتلال المقنع” بسلاح الميليشيات حيث تُستبدل البزة العسكرية بالبدلة السياسية ويبقى القرار السيادي رهين الفصائل التي أتقنت فن التلون السياسي لتجنب المحاسبة والإقصاء فهمهم الاول والاخير ديمومة مصالحهم وما يسرقوه من اموال الشعب العراقي المغلوب على امره ؟!
