روبيرت ملحم: خطة ترامب للسلام في أوكرانيا: إنهاء الحرب أم فرض تسوية بالقوة؟

في خضم واحدة من أكثر الأزمات الجيوسياسية تعقيدًا في القرن الحادي والعشرين، عاد ملف الحرب الروسية–الأوكرانية إلى الواجهة الدولية مع طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مبادرة سلام تهدف إلى إنهاء النزاع قبل نهاية العام. المبادرة، التي وُصفت بأنها “جريئة ومثيرة للجدل”، كشفت عن تباينات واضحة بين الرؤية الأمريكية والموقف الأوروبي، وسط تساؤلات حول فرص نجاحها وحدود قبولها دوليًا.
تعتمد خطة ترامب للسلام على مقاربة براغماتية تركز على وقف القتال بشكل سريع، حتى وإن تطلب ذلك تقديم تنازلات صعبة من الأطراف المعنية. وتشمل الخطة مقترحات تتعلق بترتيبات أمنية جديدة، وضمانات دولية، إضافة إلى إعادة النظر في بعض الملفات الحساسة مثل مستقبل الأراضي المتنازع عليها، ووضع أوكرانيا العسكري، وعلاقتها بحلف شمال الأطلسي (الناتو).
الرئيس الأمريكي أكد أن الهدف الأساسي من الخطة هو إنهاء الحرب واستنزافها الاقتصادي والعسكري، معتبرًا أن استمرار الصراع يشكل عبئًا على الولايات المتحدة وأوروبا، ويهدد الاستقرار العالمي. كما شدد على أن الخطة ليست نهائية، وأنها قابلة للتعديل من خلال المشاورات مع الحلفاء والشركاء.
أوكرانيا، الطرف الأكثر تأثرًا بالخطة، تعاملت معها بحذر واضح. فرغم تأكيد كييف استعدادها لدراسة أي مبادرة تهدف إلى إحلال السلام، إلا أنها أبدت تحفظًا شديدًا على أي مقترحات تمس سيادتها أو وحدة أراضيها. القيادة الأوكرانية شددت على أن السلام لا يمكن أن يكون على حساب الاعتراف بتغييرات حدودية فرضت بالقوة، أو تقليص حقها في الدفاع عن نفسها.
هذا الموقف يعكس قلقًا أوكرانيًا من أن تتحول الخطة إلى تسوية غير متوازنة، تُنهي الحرب شكليًا لكنها تزرع بذور توتر مستقبلي دائم.
الموقف الأوروبي كان الأكثر تعقيدًا. فمن جهة، ترحب دول الاتحاد الأوروبي بأي جهد جاد لوقف الحرب التي أثقلت كاهل الاقتصاد الأوروبي وأثرت على أمن الطاقة والاستقرار الإقليمي. ومن جهة أخرى، عبّرت عواصم أوروبية كبرى عن تحفظات عميقة تجاه بعض بنود الخطة الأمريكية.
أوروبا تخشى أن يؤدي القبول بتنازلات إقليمية إلى تكريس سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، تقوم على تغيير الحدود بالقوة. كما ترى أن أي تسوية لا تضمن دورًا أوروبيًا فاعلًا في الترتيبات الأمنية ستكون ناقصة، خصوصًا أن نتائج الحرب تمس الأمن الأوروبي بشكل مباشر.
لذلك، تسعى بروكسل إلى تعديل الخطة أو دمجها ضمن إطار أوسع يضمن احترام القانون الدولي، وسيادة أوكرانيا، وتوفير ضمانات أمنية طويلة الأمد تمنع تجدد الصراع.
في المقابل، أبدت موسكو استعدادًا مبدئيًا لدراسة الخطة، معتبرة أنها تحتوي على نقاط يمكن البناء عليها، لكنها شددت في الوقت ذاته على ضرورة مراعاة “المصالح الروسية”. هذا الموقف يعكس رغبة روسية في استثمار أي مبادرة تخفف الضغوط السياسية والعسكرية، دون تقديم تنازلات جوهرية تمس مكاسبها على الأرض.
رغم الزخم السياسي الذي رافق إعلان الخطة، إلا أن طريقها نحو التنفيذ لا يزال محفوفًا بالتحديات. أبرز هذه التحديات يتمثل في الفجوة بين الموقفين الأمريكي والأوروبي، ورفض أوكرانيا لأي حل يُنظر إليه كإملاء، إضافة إلى انعدام الثقة العميق بين موسكو وكييف.
في المقابل، يرى مراقبون أن مجرد طرح خطة سلام شاملة قد يشكل نقطة انطلاق لمسار تفاوضي جديد، خاصة في ظل الإرهاق العسكري والاقتصادي الذي يعانيه جميع الأطراف.
خطة ترامب للسلام بشأن أوكرانيا تعكس محاولة أمريكية لإعادة صياغة مسار الحرب عبر تسوية سياسية سريعة، لكنها تصطدم بحسابات أوروبية وأوكرانية أكثر حذرًا. وبين الطموح الأمريكي والتحفظ الأوروبي، يبقى مصير الخطة مرهونًا بقدرتها على تحقيق توازن دقيق بين إنهاء الحرب، واحترام السيادة، وضمان أمن طويل الأمد للقارة الأوروبية.
شاهد ايضا: نفق #شنغهاي المدهش.. مترو يعبر تحت النهر ليربط ضفتي المدينة الصينية الأجمل
