د. عبدالرزاق محمد الدليمي: الإطار والمليشيات.. خيار السلة والعنب

في المشهد السياسي العراقي بعد الاحتلال المعقد ….غالباً ما يُطرح العلاقة البنيوية المصلحية بين الإطار التنسيقي والميليشيات المسلحة على أنها خيار صعب بين “السلة” و”العنب”؛ أي بين القبول بالوضع الراهن أو السعي نحو التغيير الذي قد يحمل مخاطر أكبر. هذا التوصيف يلخص معضلة الحكم التي تواجهها القوى السياسية التقليدية خاصةً تلك المنضوية تحت الإطار التنسيقي الذي يمثل الكتلة الأكبر للمكون الشيعي حالياً في البرلمان والحكومة والذي يمثل تقريبا ٤٢٪ من الشعب العراقي .
جذور العلاقة والمعضلة
نشأ الإطار التنسيقي -كتحالف سياسي- بشكل رئيسي من الأحزاب اغلبها لها أجنحة مسلحة أو ترتبط بعلاقات وثيقة مع فصائل ضمن الحشد الشعبي. هذه العلاقة تمنح الإطار قوة لانها تضمن له الغلبة السياسية المخططة عبر صناديق الاقتراع وتوفر حماية أمنية لمصالحه وتمنحه نفوذاً اقتصادياً واسعاً يمتد من المنافذ الحدودية إلى العقود الحكومية ووووالخ؟!
ومع ذلك هذه القوة تحمل في طياتها مأزقاً استراتيجياً. فسيطرة الميليشيات على القرار الأمني والاقتصادي يُقوض سيادة الدولة وشرعية الحكومة التي يقودها الإطار نفسه. وكل عملية اغتيال أو تهديد أو تدخل في الشؤون الحكومية تُسجل كنقطة ضعف مما جعل العراق في حالة “الدولة داخل الدولة” وذهب به بعيدا عن الاستقرار والتنمية.
خيار “السلة” و”العنب”
هنا يظهر الخيار بين “السلة والعنب”:
١-خيار “السلة” (القبول بالوضع الراهن) بما يعني استمرار الإطار في الاحتواء أو التغاضي عن أنشطة الميليشيات للحفاظ على الوحدة الداخلية والسيطرة على الحكم. هذا الخيار يضمن الاستقرار الظاهري وتدفق الموارد المالية ولكنه يُكرس الفساد ويرسخه ويُفقد الدولة ما تبقى من قدرتها على محاسبة المتجاوزين مما يؤدي إلى تآكل الثقة الشعبية والشرعية الدولية ان وجدتا أصلا على المدى الطويل.
٢-خيار “العنب” (المخاطرة بالتغيير) وهو يعني أن الإطار -أو جزء منه- يقوم بخطوات حقيقية نحو حصر السلاح بيد الدولة وإعادة هيكلة الحشد الشعبي بصرامة تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة. هذا الخيار يحمل مخاطر كبيرة أهمها وأبرزها تفكك الإطار واندلاع صراع داخلي بين الفصائل الموالية وغير الموالية للحكومة وفقدان النفوذ الإقليمي. إلا أنه الطريق الوحيد نحو بناء دولة مدنية قوية وقادرة على الاستثمار في مستقبلها.
تصورنا يقوم على ان المعادلة الحالية ليست صفراً أو واحداً. فالبنية الفضفاضة للإطار تسمح بالتناقض بين الخطاب الحكومي الداعي للدولة وبين واقع الحال. الحل لا يكمن في مجرد الفصل بل في إعادة تعريف الدور ! لتحويل القوة المسلحة من أداة للنفوذ السياسي إلى جزء لا يتجزأ من منظومة الدفاع الوطني بعيداً عن المصالح الحزبية.
إن استمرار الخلط بين الأطر السياسية والقوة المسلحة خارج سلطة الحكومة يجعل من العراق مستمرا كدولة هشة وغير مستقرة. لذا … فإن الإطار التنسيقي يقف اليوم أمام مفترق طرق تاريخي !! فإما اختيار الطريق الأصعب والأكثر خطورة لإنقاذ الدولة (العنب) أو الاستمرار في المسار الآمن سياسياً لإنقاذ التحالف على حساب سيادة الدولة (السلة).
ويمكن الإشارة إلى النقاط الرئيسية للمقارنة بين خيار “السلة” (القبول بالوضع الراهن) وخيار “العنب” (المخاطرة بالتغيير)
فما يخص علاقة الإطار التنسيقي بالميليشيات فالميزة في خيار “السلة” (القبول بالوضع الراهن) وخيار “العنب”(المخاطرة بالتغيير
والهدف الرئيسي هنا هو الحفاظ على الوحدة الداخلية للإطار وضمان السيطرة على الحكم. وبناء دولة مدنية قوية وذات سيادة وحصر السلاح بيدها. ويمكن أن يكون الإجراء المتبع في احتواء أنشطة الميليشيات أو التغاضي عنها والاستفادة من نفوذها. واتباع خطوات صارمة نحو حصر السلاح ؟! وإعادة هيكلة الحشد الشعبي تحت قيادة القائد العام رئيس مجلس الوزراء !
اما المكاسب قصيرة المدى ستظهر من خلال الاستقرار السياسي الظاهري وتدفق الموارد الاقتصادية وحماية أمنية للمصالح الحزبية لاحزاب السلطة وزيادة الشرعية الدولية والمحلية وتعزيز ثقة الشعب بالدولة وملامح واضحة وخطوات لمكافحة الفساد.
اما المخاطر قصيرة المدى فربما لا توجد مخاطر فورية على التحالف الحاكم. لكن لا نستبعد تفكك الإطار التنسيقي مع احتمالية اندلاع صراع داخلي(مسلح ) مع فقدان النفوذ الإقليمي الضعيف أصلا!
النتائج طويلة المدى ستظهر واضحة في تكريس الفساد وتآكل سيادة الدولة وفقدان الشرعية وعدم استقرار حقيقي.
في الحالة الثانية سيكون هناك استقرار حقيقي ومستدام وتحسين بيئة الاستثمار ودولة قادرة على التنمية.
