د. عبدالرزاق محمد الدليمي: تزوير الشهادات في العراق.. عندما تتآكل الدولة من الداخل

ينقل عن ونستون تشرشل انه سأل وزرائه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عن اوضاع وزاراتهم فشكا الجميع وهنا باغتهم بسؤال مفصلي قائلا كيف وضع التعليم والقانون والصحة فأجابه الوزراء الثلاث المعنيين (جيد) فعلق تشرشل اذن وضعنا جيد ؟! معروف بديهيا إذا اردت ان تطور اي بلد عليك بتطوير التعليم واذا اردت خرابه فخرب التعليم ويبدو واضحا ان الاحتلال ومن جاؤا معه يدركون ذلك في بلد مثل العراق تعليمه اكثر من جيد حتى في احلك الظروف إذا ماقررت بالتعليم في دول المنطقة !!!
في هذه المرة جاءت جهينة بالخبر الأكيد الصادم من الهند فواضح أن المزورين لم يكتفوا بتزوير شهاداتهم من الجارة غير العزيزة ايران ومن لبنان بعد أن تم فضحهم من المسؤولين في كلتا الدولتين فذهبوا بعيدا عن الأنظار إلى الهند بتزوير شهاداتهم ؟!
وواضح بشكل جلي ولا يقبل الغموض إن ظاهرة تزوير الشهادات العلمية في العراق التي تتناولها التقارير التي تنشر في وسائل الإعلام باستمرار لا تمثل مجرد مخالفة إدارية أو قضية جنائية او اخلاقية فردية!! بل هي مؤشر خطير على حالة التآكل الهيكلي والفساد المستشري الذي ضرب مفاصل الدولة الفاشلة خاصةً ضمن الطبقة السياسية والمهيمنة على السلطة منذ عام 2003. إن ما ورد في التقارير وهي كثيرة حول تورط مسؤولين نافذين وشخصيات تنتمي إلى “الطبقة الفاسدة المهيمنة” في هذا التزوير الأمر الذي يضع القضية في صميم أزمة وتأزم في الحكم ووجوده وشرعيته إن كان له شرعية في البلاد.
اولا :الجذور والتفشي في الطبقة الحاكمة
تتجذر هذه الظاهرة في نظام المحاصصة الطائفية والسياسية الذي بسيطر على العراق بعد احتلاله حيث أصبحت المناصب العليا والقيادية تُوزع بناءً على الولاءات الحزبية والمناطقية والطائفية البغيضة وليس على أساس الكفاءة العلمية والمهنية. وفي ظل غياب دولة المؤسسات القوية والمساءلة الفاعلة !!!وجد الفاسدون ضالتهم في شهادات مزورة كـ”قناع” يضفون به الشرعية الزائفة على مناصبهم.
لقد كشفت التحقيقات المتعلقة بالتزوير أن عدداً كبيراً من الشخصيات في مواقع القرار من وزراء ونواب ومدراء عامين !!! يحملون شهادات مزورة أو مشتراة من جامعات وهمية أو معترف بها بأساليب ملتوية. وهؤلاء !!؟؟ بحكم نفوذهم وسلطتهم لا يواجهون العقاب ابدا بل قد يتمكنون من “تجميد” ملفات التحقيق أو تحويل مسارها مما يعزز لديهم الشعور بالإفلات من العقاب ويشجع آخرين على التزوير !
ثانيا:التداعيات الكارثية على المجتمع والدولة
إن تبعات انتشار هذه الظاهرة الكارثية خاصةً بين الثلة الحاكمة كارثية وتتجاوز مجرد إهدار المال العام. لإنها تهدد أسس بناء الدولة الحديثة ومستقبل أجيال بأكملها لانها ببساطة تمثل:-
١-انهيار الخدمات وتراجع الكفاءة حيث يؤدي تولي شخصيات غير مؤهلة قيادة القطاعات الحيوية (لاسيما كالصحة والتعليم والبنية التحتية) إلى تراجع فادح في مستوى الخدمات وتعطيل المشاريع وتفشي سوء الإدارة. فكيف لمن اشترى شهادته أن يقود مؤسسة تعليمية او صحية أو ان يضع خطة اقتصادية؟
٢-تدمير منظومة القيم التعليمية لإن اكتشاف تزوير الشهادات يوجه ضربة قاسية لمئات الآلاف من الشباب العراقي الذين يقضون سنوات عمرهم في الدراسة والاجتهاد. ويخلق هذا الوضع شعوراً بالإحباط واليأس …ويدفع برسالة مفادها أن الكفاءة والعمل الجاد لا قيمة لهما أمام المال والفساد.
٣-فقدان الثقة بالمؤسسات فهذا هذا الفساد الأكاديمي يترجم إلى فقدان ثقة عامة وشاملة في جميع مؤسسات الدولة من البرلمان إلى الوزارات وحتى الجامعات. ويعتبر المواطن أن هذه الدولة أصبحت حكراً على طبقة لا تستحق مناصبها مما يزيد ويشرعن السخط الشعبي المتزايد ويؤدي إلى عزوف عن المشاركة في الحياة السياسية.
السبيل إلى الإصلاح
إن معالجة ظاهرة تزوير الشهادات في العراق لا يمكن أن تنجح إلا إذا تم التعامل معها كجزء من عملية شاملة لمكافحة الفساد السياسي. يجب أن تكون هناك حملة وطنية لا تستثني أحداً وتبدأ من المناصب العليا وبتفعيل دور القضاء المستقل ؟! والجهات الرقابية. فاذا لم تُحاسب الرؤوس الفاسدة التي تستخدم الشهادة المزورة كدرع للوصول إلى السلطة ونهب ثروات البلاد ستظل هذه الظاهرة تنخر في جسد الدولة وسيبقى العراق المحتل أسير نظام ومجموعة فاسدة لا يحترم فيه العلم أو الكفاءة بل يقدس فيه النفوذ والمال الحرام. إن استعادة هيبة الشهادة هي الخطوة الأولى نحو استعادة هيبة الدولة.
