آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: العراق في قلب العاصفة : قراءة في خلفيات نشر قرار إدراج حزب الله والحوثيين في قوائم الإرهاب والتراجع عنه

شهدت البيئة السياسية المتناقضة في العراق مؤخراً حدثاً سياسياً لافتاً ومثيرا جدا تمثّل في نشر قرار إدراج حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين ضمن “القوائم الإرهابية” في الوقائع العراقية الرسمية، قبل أن يصدر بيان حكومي يقول إن النشر كان “عن طريق الخطأ” ؟؟!!! وتم سحبه. هذا الحدث ليس بسيطاً، بل يحمل في طيّاته دلالات سياسية وقانونية وإقليمية تعكس حساسية موقع العراق في محيط صراع النفوذ الإقليمي والدولي.
اولا قانونيا:
من الناحية القانونية، فإن نشر أي قرار في “الوقائع العراقية” يعني أنه أصبح ملزماً ونافذاً رسمياً، ولا يمكن اعتباره مجرّد مسودة أو توصية. لذلك فإن نشر القرار المتعلّق بحزب الله والحوثيين أثار تساؤلات حول الجهة التي صادقت عليه وسمحت بمروره عبر أكثر المراحل التدقيقية حساسية، إذ إن الوقائع لا تنشر أي نص إلا بعد وصوله بشكل رسمي من الأمانة العامة لمجلس الوزراء أو وزارة العدل. هذا بحدّ ذاته يوحي بأن القرار لم يكن مجرد خطأ مطبعي كما ادّعت الجهات الرسمية لاحقاً، بل هو نتيجة مسار إداري اكتمل ثم أُلغي تحت ضغط سياسي.
ثانيا:سياسيا
أما من الناحية السياسية، فتوقيت القرار يرتبط بعدة عوامل. الأول هو الضغوط الأمريكية المتزايدة على العراق للتماشي مع التصنيفات الدولية المتعلقة بالتنظيمات المسلحة المرتبطة بإيران، خاصة مع تصاعد التوترات الإقليمية. الولايات المتحدة ترى في العراق ساحة يجب أن تكون متناسقة مع سياساتها تجاه حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، خصوصاً بعد الهجمات المتبادلة في البحر الأحمر والمنطقة. وعليه، قد يكون القرار ترجمة لضغط أمريكي مباشر على الحكومة العراقية أو على بعض مؤسساتها.

ثالثا:العراق في قلب العاصفة
في المقابل، القوى السياسية العراقية المقرّبة من إيران رأت في الخطوة تهديداً استراتيجياً، لأن حزب الله والحوثيين يُعدّان جزءاً من محور سياسي وعسكري يمتد عبر لبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن. ومن وجهة نظر تلك القوى، فإن إدراج الحزبين ضمن قوائم الإرهاب يمثل انحيازاً عراقياً لسياسة “المحور الأمريكي” والاسرائيلي(إسرائيل شكرت السوداني على هذا القرار ) وهو ما أثار اعتراضاً شديداً ورفضاً واسعاً داخل الأوساط السياسية المحسوبة على ملالي طهران. هذا الرفض يمكن أن يفسّر سرعة إصدار البيان الرسمي الذي قلّل من قيمة الحدث وأرجعه إلى “خطأ غير مقصود” رغم ان الجميع يعلمون ان الفأس وقع على الرأس؟!ولذلك ربما ان الذي حدث قد يكون بالون اختبار متفق عليه له علاقة بالمستجدات الاقليمية القريبة القادمة ؟!
رابعا: الصراع على المصالح
من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى الحادث باعتباره انعكاساً لصراع داخلي بين مؤسسات عراقية مختلفة بعضها تميل إلى التوازن مع الولايات المتحدة وتحاول استرضاءها.
واخرى مرتبطة بقوى سياسية شيعية تابعة لايران ترفض أي خطوة تُدرج جماعات حليفة ضمن خانة الإرهاب.
في ضوء ما اشرنا اليه أعلاه فإن ذلك يعني ان توازن القوى في العراق كان ومايزال وسيبقى هش كما خطط له وبما يخدم مصالح المخططين ؟!وأي خطوة صغيرة قد تُقرأ كرسالة سياسية خارجية، وهذا ما حدث فعلاً. فالنشر لم يكن خطأً بريئاً كما تم تصويره بل نتيجة تضارب المصالح والاتجاهات داخل النظام والدولة العراقية، يُضاف إليه الضغط الإقليمي المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران على أرض العراق.

بالمحصلة، يكشف هذا الحدث أن العراق ما يزال يقع في قلب التنافس (العاصفة) بين المحاور الإقليمية، وأن مؤسساته لم ولن تتحرّر من الاستقطابات السياسية بل تعكسها وتعيد إنتاجها في قراراتها، حتى تلك التي تُنشر في أرفع الوثائق الرسمية في البلاد انها احدى المفارقات المثيرة للسخرية !

زر الذهاب إلى الأعلى