آراء

د. قاسم حسين صالح: السياسيّون العراقيون الذين سلطوا على العراق مرضى نفسيا

كتب ا د قاسم حسين تحليلا نفسيا معمقا مشخصا بشكل علمي الوضع الصحي النفسي للثلة التي فرضها الاحتلال لحكم الشعب العراقي منذ ٢٠٠٣ ومازالوا ؟؟!!
قضيت ثلاثة عقود أدرّس مادة الصحة النفسية في جامعات عراقية وعربية، وترأست مراكز للعلاج النفسي، وشاركت في مؤتمرات دولية،والّفت كتبا في الأضطرابات النفسية. اقول هذا كي يؤخذ كلامي على محمل الجد،فإن وجدوا فيما أدّعيه تهمة مخلة بالعقل او طعنا بالشرف السياسي، فلهم الحق في إحالتي الى القضاء،فان قضت المحكمة بأدانتي فلها أن تودعني السجن، وإن قضت بإدانتهم فعليها ان توصي بإحالتهم الى مصحة نفسية،بعد أن تعمد الى تشكيل لجنة من اطباء واخصائيين نفسيين لهم سمعة دولية محترمة،تؤكد لها في التشخيص إنهم مصابون بواحدة أو أكثر من الامراض النفسية الواردة لاحقا،نصوغها بما يشبه لائحة مقدمة الى نقابة المحامين،ونقابة الصحفيين،وممثل الأمم المتحدة في العراق.
لائحة نفسية
ما تتضمنه هذه اللائحة لاعلاقة له بالسياسة بل تنطلق من مسؤوليتنا العلمية والأخلاقية في تجنيب أربعين مليون عراقي المزيد من الضحايا البشرية والكوارث الاجتماعية والاخلاقية المتمثلة بتهجير أكثر من ثلاثة ملايين عراقي من مدنهم وقراهم، وهجرة الآف الشباب خارج الوطن،وتزايد حالات الجريمة والطلاق والانتحار والعنف المجتمعي،والاغتراب والضياع النفسي والخوف من المستقبل.
ومع إن قادة العملية السياسية العراقية يعانون من إضطرابات نفسية متعددة ،فاننا سنركز هنا على اخطرها.

اولا: الأدمان على انتاج الأزمات
اثبتت الأحداث التي شهدها العراق عبر السنوات العشرين الآخيرة إن العقل السياسي العراقي منتج للأزمات،وانه غير قادر على حل المشكلات.
وكما نوصي نحن المعنيين بالامور النفسية بوضع المدمن على المخدرات بمصحة نفسية حفاظاً على سلامته وسلامة الآخرين،فاننا نتهم العقل السياسي العراقي المسؤول في السلطة بأنه صار مدمناً على إنتاج الازمات.

ونوضح أن الادمان على الازمات كالادمان على المخدرات..ففي الحالتين يحدث للعمليات العقلية في الدماغ برمجة ثابتة تجعله يعتاد على تفكير نمطي محدد يجبره على تكراره.وبما ان المشكلات الاجتماعية تتطلب حلولا مبتكرة وان العقل السياسي في السلطة انشغل بإنتاج الأزمات،عليه فان بقاءهم فيها سيلحق المزيد من الأذى بالناس بما فيها إستهداف حياتهم وامنهم.

ثانيا: الحول العقلي

مصطلح (الحول العقلي) ..نحن ابتكرناه من متابعتنا للعملية السياسية في العراق. ونعني به إن المصاب باحولال العين يرى الواحد اثنين ويصر ويعاند ان ما يراه حقيقة مطلقة،وكذا السياسي العراقي ،فهو يرى انه على حق مطلق والآخر على باطل مطلق..وهذا ناجم عن تعصب طائفي او اثني.فعِلّة المتعصب السيكولوجية هي إنه يصنّف عالمه الاجتماعي الى مجموعتين:
(نحن) و (هم)..يضفي على جماعته الصفات الإيجابية ويغض الطرف عما فيها من سلبيات،وينسب للجماعة الاخرى الصفات السلبية ويغمض عينه عما فيها من ايجابيات.

ولقد أثبتت الأحداث ان السياسي العراقي في السلطة مصاب بـ(حول عقلي).
والمؤذي في هذا المرض او العقدة النفسية ،انه في حالة حصول خلاف أو نـزاع بين جماعته والجماعة الأخرى فإنه يحّمل الجماعة الأخرى مسؤولية ما حدث من أذى أو أضرار ويبرِّئ جماعته منها حتى لو كانت شريكاً بنصيب أكبر في أسباب ما حدث.وطبيعي إن شخصا بهذه الصفة المرضية لا يصلح لأن يكون قائدا لمجتمع تتنوع فيه الأديان والمذاهب والقوميات..ولكنها صلحت في العراق!

ثالثا: البرانويا (الشك المرضي)
ثبت للمختصين بعلم النفس المرضي العقل السياسي في الزعامات العراقية مصاب بالبرانويا.. التي تعني ،بمصطلحاتنا ، إسلوبا او شكلا مضطربا من التفكير يسيطر عليه نوع شديد وغير منطقي ودائم من الشك وعدم الثقة بالآخر، ونزعة دائمة نحو تفسير أفعال الآخرين على انها تهديد مقصود.

وقد حددت منظمة الصحة العالمية أعراض إضطراب الشخصية البارانوية بسبعة نوجزها بالآتي:

  1. نزعة لحمل ضغينة مستديمة،ورفض التسامح عن الإهانات او الحيف او الاستخفاف.
    2.حساسية مفرطة للنكسات او العقبات،والصد والرفض.
  2. شك ونزعة شاملة نحو تشويه الخبرة تتضمن سوء الفهم للأفعال الحيادية وتفسيرها على انها ازدراء او عداء.
    4.استعداد للقتال او المقاومة والأصرار بعناد على التمسك بحقوقه الشخصية بغض النظر عن الموقف العملي.
    5.نزعة مفرطة في الاحساس بأهمية الذات، تصبح معها( الذات )الاتجاه المرجعي الدائم له.
    6.انشغال لا مبرر له بتفسير الاحداث المحيطة به بأنها تآمر موجه ضده.
    7.استفهامات لا مبرر لها بخصوص الطرف الآخر الذي تربطه به علاقة شراكة.

ومع إن منظمة الصحة العالمية أشارت الى إن توافر ثلاثة أعراض منها في الفرد تكفي ليكون مصابا بهذا الاضطراب،فان واقع الحال يشير الى إن قادة العملية السياسية في العراق تنطبق عليهم معظم هذه الاعراض،أخطرها إنهم لم يتمكنوا من التخلص بالشك المرضي بالآخر عبر عشرين سنة من الشراكة السياسية..بل انهم أشاعوها بين أتباعهم لدرجة إن عددا من أحياء بغداد هاجمت بعضها البعض بالصواريخ..وإن هذه البارنويا بالذات كانت السبب الرئيس في احتراب سنوات (2006 – 2008 ) الذي راح ضحيته مئات الالاف من الابرياء،وإن خطرها ما يزال قائماً ما دام العقل السياسي ملوثاً بها.

رابعا: الدوغماتية
يفيد التحليل السيكولوجي للفكر السياسي ان العقل السياسي العراقي مصاب بالدوغماتية Dogmatism التي تعني الجمود العقائدي او الانغلاق الفكري الذي يفضي الى التطرف الديني او المذهبي او القومي او القبلي. ولأن علماء النفس والاجتماع وجدوا ان الدوغماتية هي أحد أهم وأخطر أسباب الأزمات السياسية والاجتماعية،وإنها السبب الرئيس للخلافات السياسية التي غالبا ما تنتهي بحروب، وإنها (مرض)خالقي الأزمات من القادة السياسيين، عليه فإن قادة العملية السياسية العراقية لن يستطيعوا أن يتحرروا فكريا من معتقدات ثبت خطؤها،ولن يستطيعوا أن يجدوا حلا او مخرجا لما هم فيه،بل إنهم سيعرضون ملايين الناس الى مزيد من الأذى،فضلا عن إنهم أشاعوا التفكير الخرافي بين جماهيرهم واشغلوهم بخلافات الماضي التي أشاعت الكراهية والقتل بدوافع ناجمة عن معتقدات سخيفة،وأوصلوا غالبية مؤثرة الى الشعور باليأس من إصلاح الحال.بعد ان تاكد للجماهير العراقية ان من يستفرد بالسلطة والثروة والقوة لا يمكن له ان يبني دوله لانه يكون مسكونا بالخوف من ان تكون نهايته شبيهة بمن سبقوه!
ونضيف إلى ماشخصه دقاسم الامراض النفسية الاخرى التالية :
من منظور علم النفس السياسي والتحليل الاجتماعي، لا يمكننا تشخيص أفراد معينين بـ “أمراض عقلية” سريرية (مثل الفصام أو ثنائي القطب) دون فحص طبي مباشر. ومع ذلك، يمكن تحليل السمات النفسية والسلوكية (Psychological Traits) التي طغت على الطبقة السياسية في العراق بعد عام 2003، والتي يصفها العديد من الباحثين والمراقبين العراقيين بأنها “باثولوجيا السلطة” (Pathology of Power).
فيما يلي تحليل لأبرز العقد والظواهر النفسية التي يُعتقد أنها تؤثر على سلوك صناع القرار في العراق:

  1. متلازمة الغطرسة (Hubris Syndrome)
    هذا المصطلح صاغه وزير الخارجية البريطاني السابق وطبيب الأعصاب “ديفيد أوين”. ليست مرضاً عضوياً، بل حالة “تسمم بالسلطة”.
  • الأعراض: الثقة المفرطة بالنفس، احتقار آراء الآخرين، فقدان الاتصال بالواقع، والشعور بأنهم مسؤولون فقط أمام “التاريخ” أو “الله” وليس أمام الشعب أو القانون.
  • التطبيق: يظهر ذلك في السياسيين الذين يرفضون الاعتراف بفشلهم الخدمي أو الأمني رغم وضوحه للعيان، معتقدين أنهم “المنقذون” الوحيدون.
  1. عقدة الضحية وتحولها إلى جلاد (Victimhood Mentality)
    معظم السياسيين الذين حكموا بعد 2003 كانوا معارضين سابقين، وعاشوا فترات من السجن، التعذيب، أو النفي.
  • التحليل النفسي: بدلاً من أن تدفعهم هذه المعاناة للتعاطف مع الشعب، ولدت لدى بعضهم شعوراً بـ “الاستحقاق” (Entitlement). أي أنهم يرون أن العراق “مدين” لهم بالسلطة والثروة تعويضاً عما عانوه في الماضي.
  • النتيجة: تبرير الفساد والاستيلاء على المال العام باعتباره “غنيمة” مشروعة، وليس سرقة.
  1. النرجسية الخبيثة (Malignant Narcissism)
    تتجاوز النرجسية العادية لتشمل مزيجاً من حب الذات، العدوانية، والشك المفرط (البارانويا).
  • السلوك: يحيط السياسي نفسه بـ “المتلقين” (Yes-men) الذين يمدحونه فقط، ويعتبر أي نقد سياسي “مؤامرة شخصية” أو “استهدافاً وجودياً”.
  • التأثير: العجز التام عن الشعور بالتعاطف (Empathy) مع معاناة المواطنين الفقراء، والاهتمام فقط بالمظهر الخارجي للسلطة (المواكب، الحمايات، القصور).
  1. الفصام السياسي أو ازدواجية الشخصية
    استناداً إلى طروحات عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي حول “ازدواجية الشخصية”، لكن بصيغة حديثة.
  • المظهر: تظهر الشخصية السياسية بمظهر “المتدين والزاهد” أمام الشاشات وفي الخطابات الدينية، بينما تمارس في الكواليس سلوكيات مغايرة تماماً (صفقات مشبوهة، ثراء فاحش، إقصاء للخصوم).
  • التنافر المعرفي: يعيش السياسي حالة من الكذب على الذات، حيث يقنع نفسه بأن سرقاته هي “من أجل المذهب” أو “من أجل الحزب” لتخفيف وطأة الشعور بالذنب.
  1. جنون الارتياب (Paranoia)
    بسبب طبيعة الصراع الدموي في العراق، يعيش الكثير من القادة حالة من الرعب الدائم.
  • الأعراض: الشك في أقرب الحلفاء، بناء أسوار عالية (المنطقة الخضراء)، والخوف من الانقلابات والمؤامرات.
  • النتيجة: يصبح “الولاء” مقدماً على “الكفاءة”. يتم تعيين الأقارب وغير الأكفاء في المناصب الحساسة لأن السياسي لا يثق إلا بدائرته الضيقة جداً، مما يدمر مؤسسات الدولة.
  1. سيكولوجية “الغنيمة” (The Spoils Mentality)
    هذه حالة نفسية جماعية وليست فردية فقط.
  • التوصيف: التعامل مع الدولة ليس ككيان يجب إدارته وتطويره، بل كجثة يجب تقاسم أجزائها قبل أن يطردك الآخرون.
  • الدافع: شعور عميق بـ “عدم الأمان المستقبلي” (Insecurity)، مما يدفعهم لنهب أكبر قدر ممكن في أسرع وقت وتأمين عائلاتهم في الخارج، لأنهم لا يؤمنون باستمرارية الدولة أو بقائهم فيها
    اذن ما يعاني منه الطقم السياسي في العراق ليس بالضرورة “جنوناً” بالمعنى الطبي الذي يرفع عنهم المسؤولية الجنائية، بل هو تشوه أخلاقي ونفسي ناتج عن:
  • الطبيعة الديكتاتورية في تكوينهم.
  • غياب المحاسبة القانونية.
  • الانتقال المفاجئ من الفقر والتهميش إلى الثراء الفاحش والسلطة المطلقة.وقد أثرت هذه النفسيات المريضة على كل جوانب الحياة (مثل الاقتصاد والأمن) في العراق؟

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

زر الذهاب إلى الأعلى