د. عبدالرزاق محمد الدليمي: العراق.. من التغيير المنشود الى إدارة الفوضى

بعد مرور اكثر من عقدين على الغزو والاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق في نيسان عام 2003 لا يزال الجدل محتدمًا حول الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة وحلفائها من هذه الجريمة النكراء والمسار الذي اتخذته الأمور لاحقًا. فبدلًا من التغيير الجذري الذي وعدت به الإدارات الأمريكية اخرها وعود ترامب ومعالجة الاخطاء التي ارتكبت بحق العراقيين ؟! انتهى المطاف بالعراق بسبب هذه الاخطاء الكارثية بحقه وبات في حالة من الفوضى المستمرة وعدم الاستقرار والتخلف. فلماذا اختارت أمريكا وحلفاؤها هذا المسار؟ وكيف دخلت إسرائيل على الخط في العراق؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة لمستقبل هذا البلد؟
١-لماذا إدارة الفوضى بدلًا من التغيير الجذري؟
هناك عدة تفسيرات محتملة لسبب اختيار الولايات المتحدة وحلفائها استراتيجية “إدارة الفوضى” بدلًا من التغيير الجذري في العراق:
أ-صعوبة او الرغبة بالتغيير الجذري وربما أدركت الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد فترة وجيزة من الغزو أن مهمة إعادة بناء العراق وتغيير تركيبة المجتمع العراقي بشكل جذري هي مهمة معقدة للغاية إن لم تكن مستحيلة. فالعراق بعد احتلاله صور للعالم منذ الايام الاولى بإنه بلد متعدد الأعراق والطوائف والأيديولوجيات؟ ولكل منها مصالحه الخاصة ! وصوروا للعالم كذبا ؟؟ ان محاولة فرض نظام سياسي أو اجتماعي واحد على الجميع قد يؤدي إلى صراعات داخلية لا نهاية لها.
ب- الادعاء بأن التغيير الجذري قد تكون تكلفته المادية والبشرية في العراق باهظة للغاية وتنسوا أن تكلفة احتلاله كانت اكبر رغم انها دفعت من الآخرين ؟!؟!؟ ولا تستطيع الولايات المتحدة تحملها. فاحتلال العراق وما زرعه الاحتلال من تناقضات ومشاكل وخلافات بين ابناء الشعب الواحد والتغيرات الديمغرافية (المسلمون سنة وشيعه والأكراد ووو) التي شجعوا جماعات ايران (الذين جمعوهم من الشتات وفروضهم حكاما على العراق )على تنفيذها استنزفت ظاهريا موارد هائلة (في حين يعلم الجميع أن تلك الاموال سرقت من قبل من الفاسدين ذيول أمريكا وايران )وأدت إلى خسائر فادحة في الأرواح. والاستمرار في هذه الظروف المختلقة لفترة أطول كان سيؤدي إلى تفاقم هذه المشاكل.
ج-خدمة المصالح الأمريكية قد تكون استراتيجية “إدارة الفوضى” تخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل من التغيير الجذري. فالعراق الضعيف والمنقسم يسهل السيطرة عليه والتأثير فيه. كما أن الفوضى في العراق قد تساهم في إضعاف دول أخرى في المنطقة مثل إيران وسوريا وغيرهما !!
د-غياب رؤية واضحة وربما لم تكن لدى الولايات المتحدة وحلفائها رؤية واضحة لما يريدون تحقيقه في العراق. فهدفهم الرئيسي كان إسقاط نظام صدام حسين ولكنهم لم يفكروا مليًا او يضعوا في حساباتهم الدقيقة في كيفية إدارة العراق بعد ذلك. وهذا الغياب للرؤية أدى إلى اتخاذ قرارات متخبطة وغير متسقة ساهمت في تفاقم الفوضى رغم شكوكنا في هذا الادعاء لاننا نعتقد ان كل مافعلوه وسيفعلون بالعراق يخدم مصالحهم ؟؟
الدور الإسرائيلي في العراق
على الرغم من أن إسرائيل لم تشارك رسميًا بشكل علني في الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 !! إلا أن لها مصالح مهمة وعميقة في هذا البلد. فإسرائيل كانت تعتبر العراق اكبر تهديدًا استراتيجيًا لها وتسعى إلى إضعافه وتقويض قدراته. ولتحقيق هذه الغاية كان قادة إسرائيل اول من تلقوا التهنئة بخبر احتلال العراق من المجرم بوش الابن لذلك من الطبيعي انها دعمت الجماعات والأطراف العراقية التي تسعى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد. كما أن إسرائيل لعبت دورًا اساسيًا في تحريض الولايات المتحدة على احتلال العراق من خلال تقديم معلومات استخباراتية مضللة حول برنامج الأسلحة النووية العراقي لذلك فإن حكومة إسرائيل ومن خلال مراكز البحوث فيها لاتزال تزود امريكا وبريطانيا وعملائها في العراق بالدراسات والتصورات والمقترحات المفيدة لاسيما في تمرير مسرحية عدائها المزعوم مع ملالي طهران والبرنامج النووي الايراني!
السيناريوهات المتوقعة لمستقبل العراق
في تصورنا هناك عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل العراق أبرزها :-
الاول :الاستمرار في حالة الفوضى وعدم الاستقرار وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحًا في ظل استمرار الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية.وفي هذا السيناريو سيظل العراق بلدًا ضعيفًا ومنقسمًا وغير قادر على تحقيق التنمية والازدهار.
السيناريو الثاني : الذهاب إلى التقسيم حيث ينتهي المطاف بالعراق إلى التقسيم إلى عدة دول صغيرة على أساس عرقي أو طائفي. وهذا السيناريو قد يؤدي إلى المزيد من الصراعات والحروب في المنطقة.
ثالثا:الاستقرار النسبي وفيه قد يتمكن العراق في نهاية المطاف من تحقيق الاستقرار النسبي من خلال التوصل إلى تسوية سياسية بين مختلف الأطراف العراقية. وفي هذا السيناريو سيظل العراق بلدًا موحدًا شكليا ! ولكنه سيظل يعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة.
رابعا:أما التحول إلى دولة قوية ومزدهرة فهذا هو السيناريو الأقل ترجيحًا ولكنه ليس مستحيلًا. فالعراق يمتلك موارد طبيعية هائلة وشعبًا مثقفًا وطموحًا. وإذا تمكن العراقيون الوطنيون الشرفاء من تجاوز خلافاتهم والعمل معًا من أجل بناء مستقبل أفضل فقد يتمكنون من التخلص من الوضع الحالي وتحويل بلدهم إلى دولة قوية ومزدهرة.
لذلك يمكن القول أن مستقبل العراق لا يزال غير واضح. ولكن الشيء المؤكد هو أن العراق يواجه تحديات كبيرة، وأن تحقيق الاستقرار والازدهار في هذا البلد يتطلب جهودًا مضنية من جميع الأطراف المعنية رغم ان ادارة ترامب وبريطانيا وإسرائيل يريدون اجراء عمليات تجميلية للنظام الذي صنعوه وفرضوه في العراق بسبب تخوفهم من غضب الشعب العراقي ورفضه بكل الأشكال لهذا النظام العميل الفاسد .
