د. عبدالسلام سبع الطائي: عراقهم.. وطن بلا قيم وشعب بلا هوية!

استفهام؟
• العراق بين أيدينا أم بين أيديهم؟
• هل نعرف أنفسنا بعد 2003؟
موتُ الأخلاق وانهيارُ القيم إثر نكبة 2003… هل بقّى للعراقيين شيء يُذكر؟
القارئ اللبيب
بقدرِ جُرحِ هذا الاسئلة ومرارةِ سمِّ الحقيقة، أما آنَ لهذا الاستفهام أن يشقَّ لحمَ السياسة، وأن يفتح جراحها النازفة، ويهدم الأقنعةَ، ليوقِظَ الصمتَ الميت.
عسى أن يهزَّ بحثنا هذا الوعيَ لدى البعض هزًّا يعيد إليهم ما تبقّى من ضميرٍ ووطن؟
مقدمة
بعدَ نكبةِ العراقِ بالاحتلالِ 2003 حصلت تحوّلاتٍ عميقةً وسريعةً، ولّدت شعورًا جمعيًّا بحدوثِ انهيارٍ في منظومةِ القيم وفي بنيةِ وطبيعةِ شخصيةِ العراقيّ. ويمكنُ تفسيرُ هذا التحوّلِ – من منظورِ علمِ الاجتماع – بوصفِه نتيجةً طبيعيةً مباشرةً لـ «الصدمةِ الجمعيّة» التي أحدثَها الاحتلالُ، وما تبِعه من تفكّكٍ للدولة، وإلغاءٍ للقوانينِ الوطنية، وتشويهٍ للدين وغيرها؛ مما أدّى إلى اضطرابِ المعايير والأخلاق وانهيار القيم وتسارعِ التغيّراتِ الناجمةِ عن الرعبِ الجمعيِّ المباغت الذي فاقت سرعتُه قدرةَ العراقيينَ والمؤسساتِ على التكيّف او وقفه. لان التكيّف المقترح، بمثابة امتثال اجباري وخضوع قسري لا يشكّل مجرد تناقض مع القيم والعاداتوالاديان، بل يُعدّ انتهاكًا فجًّا لها، ومحاولة لفرض واقع لا يعترف به الضمير ولا تقبله الهوية الوطنية العربية الإسلامية وغيرها.
منذ الغزو الأميركي–الإيراني، تصدر العراقُ عالميا خط الصدمة الاولى للمدرسة المذهبية والإرهابية، حاولت واشنطن عبثًا إعادةَ هندسة العراق في قالبٍ دين–ثنو–غرافي جديد، ولما وجدت أمريكا ، ان ايران أقدرَ منها على هندسةِ المجتمعِ بأحجارٍ مذهبيةٍ قديمة . قامت أميركا بتسليمِ العراقِ لطهران؛ نجم عن ذلك ولادةُ حكومة وبرلمان من: أُمٍّ إيرانيةٍ هرمة وقابلةٍ أميركيةٍ غيرِ مُرخَّصة، وكان مولودُها المشوَّه : حكومةٌ وبرلمانٌ ولاؤهما للرحمِ الإيراني لا العراقي، ولسيّدُهما الأميركي.
النتيجة:
• احتلال القيم قبل احتلال الأرض
• انهيار الأخلاق قبل انهيار الدولة
• والضمير لازال تحت الإجهاض السياسي لأحزاب النكبة
واستخلاصا لما سلف، تحوّل العراق إلى دولة منكوبة بنظام سياسي سايكوباثي مذهبي صنع كوارث تفوق الزلازل والحروب. وولّدت صدمة الاحتلال رعبًا جمعيًا أحدث تفككًا للدولة واضطرابًا للأخلاق والمعايير وانهيارًا للتضامن والتكافل الاجتماعي، ما أدى إلى اضطراب شخصية العراقي.
تأثير صدمة الرعب الجمعي الدولي: أحدث تعاقب الصدمات الجماعية:
1. تراجع الثقة والتعاون بين العراقيين
2. تزايد السلوك العدواني والعنف
3. الانحراف السياسي وغياب المرجعية الوطنية
4. الإحباط والقلق المزمن
5. اضطراب الهوية وتغوّل الانتماء الطائفي
أولاً: عَوامِلُ دِينِيَّةٌ دَخِيلَةٌ تَقودُ إِلى اِنْهِيارِ شَرْعِيَّةِ القِيَمِ.
كان الدينُ الإسلامي الحنيف مصدرًا للقيم، لكنَّ العراق بعدَ 2003 شهدَ تفكيكَ الدِّين الإسلامي إلى دينٍ حكوميٍّ ومرجعياتٍ متصارعة، مع ظهورِ تناشزٍ بين الدين الإسلامي والدين الاصطناعي لفقهِ وليّ الفقيه. ونتيجةً لذلك، تَسَلَّلَ وعّاظُ السلاطين المرتبطين بالأحزاب الولائية لإيران، إذ شعروا بأنهم دخلوا مرحلة “شمِّ النسيم المُنعِش“، وكان أغلبُهم من المستعرقين غير العراقيين؛ فعملوا على نشر الموروث الفارسي: البكائيات واللطميات والخرافات والأساطير، مما أضعف المنظومة الدينية الحقيقية. وكان من أبرز دعواتِ وعّاظ سلاطين الدِّين الاصطناعي الزرادشتي والفارسي الجديد:
• طرح “قرآن فاطمة” و“قرآن خميني” بديلا عن كتاب الله المنزل.
• الدعوة الى استبدال الكعبة المشرفة بكربلاء وقم!
• سبّ الصحابة واباحة المتعة وتفضيل الولادات غير الشرعية على الشرعية، بتشريع يكرمهم!. ترافق ذلك مع تسيسي الطائفة وعسكرة المذهب عبر الحشد الشعبي وبفتاوى “رجال الطين الاصطناعي”، ناهيكم عن شرعنة نهب المال العام بنظرية “المالك المجهول” ودفن المسلمين بطرق غير شرعية!
ثانيًا: تفكك الأسرة والقبيلة: وقد تصدعت منظومة قيم الأسرة المقدسة بسبب النزوح التهجير القسري والقتل على الهوية وغيرها، فأصبحت الاسرة اسرتين:
1. الأسرة البيولوجية غير الشرعية الناتجة عن المتعة كبديل عن :
2. الأسرة الإسلامية الشرعية
الانقلاب القيمي: من الشرف الإسلامي الى شرف ولي الفقيه الفارسي، النتائج:
• تفكك منظومة الشرف والتضامن
• اباحة نكاح الأطفال بحجة زواج القاصرات
• صعوبة تحديد الأبوة
• هدر حقوق الأطفال والزوجات
حتى اصبح العراق جمهورية للأرامل والمشردين يفوق عددهم سكان الكويت او النرويج!
ناهيكم عن تفكيك القبيلة وإعادة تركيبها سياسيًا لأغراض انتخابيًة بالمال والميليشيات.
ثالثًا: تفكك رأس المال الاجتماعي “إني شعليّه“ ، بهذا الشأن أدت نكبة العراق الكبرى بالاحتلال قيميا إلى:
• انخفاض الثقة العامة بين العراقيين
• ضعف العلاقة بالدولة
• تراجع المشاركة الاجتماعية والسياسية.
• ما أدى إلى صعود الفردانية السلبيّة وشيوع شعار: “إني شعليّه!”
رابعًا: عوامل بنيوية وسياسية، أدت الى:
صعود بلا قاعدة ولا جذور، لطارئي النِّعمة إلى واجهة الدولة، وكأنّهم يعتلون منصّتها بلا تاريخ ولا انتماء،أدى الى:
1. تفكك الدولة وضعف مؤسسات الضبط، حصل هذا ايضا نتيجة سياسات الإقصاء والاجتثاث، بعد حلّ الجيش والشرطة والقضاء، واجتثاث المدرّسين وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين وغيرهم.
2. العنف الطائفي الذي غيّر السلوك وعمّق سيكولوجية الحقد والكراهية الثأرية.
3. التفاوت الطبقي بسبب: شرعنة السلب والنهب والمحسوبية لخدمة الفقيه لا الوطن.
4. المحاصصة والطائفية التي فضّلت الهويات الفرعية على الهوية الوطنية.
خامسًا: تأثير وسائل التواصل الاجتماعي ، والتي تسببت :
• بصراع القيم بسبب تدفق الإعلام والإنترنت.
• تفكك البنى التقليدية وتراجع السلطة الأبوية والامومية جراء: الطلاق، العزوف عن الزواج لإباحة المتعة.
• إعلام رقمي يروّج للفوضى ويغيّب المحتوى الوطني
سادسًا: عوامل نفسية واجتماعية
• الصدمة الجمعية: الحروب والتفجيرات ولّدت اضطرابات نفسية؛ أظهرت دراستنا الميدانية (بتكليف الصليب الأحمر السويدي وبالتعاون مع منظمة أطباء بلا حدود الدولية) أن أكثر من 30% من العراقيين يعانون من رهاب، كابة، كدمات ما بعد الحرب، وتعاطي المخدرات وهجرة العقول: التي تسببت بخسارة النخب وأضعفت إعادة إنتاج القيم الإيجابية. (عبدالسلام الطائي. السويد) 2008.
سابعًا: تداعيات انهيار القيم
على المستوى الإجرائي، حري بنا التطرق هنا،: الى تراجع الهوية الوطنية، انتشار الفردانية السلبية، تفكك الأسرة وارتفاع الطلاق والعزوف عن الزواج، عنف يومي وانخفاض التسامح، تراجع ثقافة المعرفة والعملمقابل تصاعد زيادة النهب والسرقة وتعاطي المخدرات وشيوع اللواطة وغيرها.
ثامنًا: سبل إعادة بناء القيم:
1. تعزيز القدوة الوطنية والثقافية والسياسية والدينية الصالحة، تجديد مناهج التربية، والتعليم والبرامج المجتمعية ، اصلاح القضاء لتطبيق العدالة وتعزيز الوعي النقدي وغيرها.
2. تقوية الوازع الديني غير المسيّس، بترسيخ القيم عبر التطوع والعمل الجماعي.
3. ان يكون العراق لكل العراقيين وليس لجميع الأحزاب.
خاتمة
في ضوء عنوان هذا البحث: تكشف الدراسة عن التداعيات العميقة لانهيار المنظومة القيميةالمقدسة في العراق نتيجة هيمنة نظامٍ سياسي مُصطنَع وتدخّلات ايرانية مؤثرة أعادت تشكيل البنى الدينية، وأضعفت الاقتصاد، وأدخلت تغييرات ديموغرافية تخدم مصالح ايران.
وتؤكد هذه المعطيات أن العراق بات اليوم بحاجة إلى مشروعٍ وطني شامل، يُقدَّم بصيغة ليست سياسية فقط بل استثمارية متوازنة للمجتمع الدولي، يوجّه فيه الاقتصاد السياسة بدل أن تخدم السياسة الاقتصاد ، لتصبح القرارات مقيّدة بمصلحة الشعب لابمصالح الاخرين. كي يعيد للدولة احترام مصادرها الأصيلة في التشريع: القيم، والأعراف، والتقاليد، والديانات السماوية، بعيدًا عن أي فقهٍ مُسيَّس أو منظومات عقائدية وافدة.
كما يهدف هذا المشروع إلى تمكين المجتمع من حماية الدين من التوظيف الحزبي، وبناء شخصيةٍ ومجتمعٍ يليقان بعراقنا، ويعيدان إلى العراقيين قيمهم الأصيلة وأعرافهم الكريمة وتقاليد أمجادهم، ويرفعان راية العزة والكرامة في رحاب أمة محمد ﷺ. ويحرّران هوية العراق الحضارية والوطنية المستلبة مما علق بها من قيم واعراف دخيلة.
▪ البحث اعد بتقنية الذكاء الاصطناعي
