د. بندر عباس اللامي: هل سيتحول العراق من عمق ايران الاستراتيجي إلى عبئا عليها؟!

من يتابع ما تقوم به إسرائيل في جنوب لبنان يستنتج ان هناك ثمة علاقة استراتيجية وثيقة ومباشرة بين ما تقوم به إسرائيل في جنوب لبنان وبين ما يجب ان تقوم به (أو يُتوقع أن تقوم به) الولايات المتحدة في العراق. في سياق المشهد الجيوسياسي لنهاية متوقعة لعام 2025 لم تعد هاتان الجبهتان منفصلتين بل هما “فكّا كماشة” ضمن استراتيجية أوسع تُعرف بتفكيك وحدة الساحات أو تقطيع أوصال محور مايسمون انفسهم بالمقاومة.
ان تحليلنا المبني على الرؤيا الاستراتيجية لهذه العلاقة وما “يجب” على واشنطن فعله في العراق لإكمال ما بدأته إسرائيل في لبنان والمنطلق من المعطيات الراهنة يؤكد مايلي :
اولا:الرابط الجوهري او مايسمى بنظرية “الأواني المستطرفة”حيث تتعامل الاستراتيجية الأمريكية-الإسرائيلية الحالية مع النفوذ الإيراني كجسد واحد: من خلال الاعتبارات التالية :
١- تعتمد إسرائيل الخيار العسكري في لبنان اي انها تتولى مهمة تكسير “رأس الحربة” (حزب الله) عبر القوة النارية لإنهاء دوره كقوة ردع متقدمة لإيران.
٢- تعتمد أمريكا في العراق (الخيار السياسي/الأمني) وتتولى مهمة خنق “الرئة الاقتصادية واللوجستية” (الفصائل العراقية) ولكن ليس بالحرب المباشرة بل عبر تجفيف المنابع وتفكيك الهياكل.
العلاقة اذن نجاح إسرائيل في إضعاف حزب الله في لبنان يخلق فرصة ذهبية لأمريكا في العراق للانقضاض على النفوذ الإيراني هناك وهو في أضعف حالاته كونه اصبح معزولاً ومكشوفاً !
ثانيا:ما السيناريو الأمريكي المتوقع في العراق؟ (السيناريو المكمل)
لكي تكتمل النتائج الاستراتيجية لما يحدث في لبنان يتوقع ان تتجه واشنطن (أو سيُطلب منها) تنفيذ خطوات حاسمة في العراق لمنع طهران من تعويض خسائرها اللبنانية عبر الساحة العراقية من خلال عدد من الخطوات أبرزها :
أ. تفكيك “نموذج حزب الله العراقي” أي منع الاستنساخ لاسيما وان الخطر الأكبر الذي تعتقده واشنطن ان “الحشد الشعبي” والمليشيات المسلحة التابعة لملالي طهران تحولت إلى نسخة كربونية عن حزب الله اللبناني اي خلق دولة داخل الدولة لذا مطلوب من امريكا الان وليس غدا الخطوات التالية :
١-حل الهيئات الموازية والضغط لإنهاء أو دمج هيئة الحشد بالكامل في الجيش والشرطة ليس دمجاً شكلياً والمطلوب هنا هو تفكيك للألوية الموالية لإيران (الولائية) ونزع سلاحها الثقيل.
٢-السيطرة على الحدود وإغلاق الحدود العراقية-السورية بإحكام (وهو ما بات أسهل بعد التغيرات في سوريا أواخر 2024) لمنع أي إمداد لوجستي من العراق لنجدة ما تبقى من الحزب في لبنان.
ب. الخنق الاقتصادي وتجفيف التمويل
فواشنطن باتت على قناعة تامة أن هذه الفصائل في العراق تمول نفسها من الفساد والهيمنة على مؤسسات الدولة (وتمول ايران وحزب الله) عبر شبكات اقتصادية معقدة.
لذلك فإن ما تفعله واشنطن الآن هو فرض عقوبات قاسية على بنوك وشركات اتصالات ونفط عراقية تديرها هذه الفصائل لذلك المطلوب استكماله هو رفع الغطاء عن الحكومة العراقية إذا لم توقف تهريب الدولار والنفط لصالح إيران وتهديد الحكومة اللاعراقية بقطع الوصول إلى النظام المصرفي العالمي (SWIFT) بشكل كامل إذا استمرت عمليات تدفق الأموال للميليشيات وملالي طهران !!
ج. العزل السياسي عبر استغلال ضعف “محور المقاومة” إقليمياً لفرض معادلة سياسية جديدة في بغداد تُخرج الفصائل من دائرة القرار ودعم حكومة جيده تتكون من الـ تكنوقراط أو قيادات عسكرية تلتزم بالتحالف مع الغرب مما يجعل العراق “جدار ومصد” في وجه ملالي إيران بدلاً من كونه “جسر عبور”كما هو الحال لحد الان !!
ثالثا السؤال الاهم لماذا الآن؟
واضح ان الرابط الزمني مهم جداً …فمع سقوط النظام في سوريا (الذي شكل ضربة قاصمة للجسر البري الإيراني) ومع انشغال حزب الله بمعركة وجودية في الجنوب أصبح العراق “القلعة الأخيرة” المكشوفة.
لذلك إذا لم تتحرك أمريكا الآن ونؤكد الان وليس غدا ؟! في العراق فإن ملالي إيران سيعيدون تجميع قواهم هناك ويستمر العراق قاعدة صاروخية بديلة لتهديد إسرائيل والخليج العربي مما يفرغ العملية العسكرية لاسرائيل في لبنان من مضمونها الاستراتيجي.
اذن نتوقع ان ما تقوم به إسرائيل في جنوب لبنان هو “التمهيد الناري” الذي يجعل مهمة أمريكا في العراق ممكنة. فالمعادلة تقول: كلما ضغطت إسرائيل عسكرياً في لبنان كلما زادت قدرة واشنطن على فرض شروطها سياسياً في الواقع الملتبس في بغداد. والهدف النهائي كما يطمح ٩٩٪من العراقيين هو تحويل العراق من “عمق استراتيجي” لإيران إلى “عبء استراتيجي” عليها.
