آراء

د. بندر عباس اللامي: الانتخابات العراقية.. “تيتي تيتي مثل مارحت جيتي”!

أدرك أن وجهة نظري تعكس إحساساً عميقاً بالاحباط تجاه الوعود الأمريكية وتجاه استمرار ترسيخ اعمق للنفوذ الإيراني والمليشيات التابعة له وفقاً للأرقام والتفاصيل التي قدمتها نتائج مسرحية الانتخابات المزعومة (بتاريخ 11/11/2025).
تحليلنا يؤكد ما توقعناه أن الانتخابات لم تكن سوى الإقرار باستمرار الهيمنة الفارسية على الوضع بالعراق مع الحفاظ على حدود المصالح الأمريكية والبريطانية بالتنسيق والتوافق مع ملالي طهران ولذلك جاءت نتائج الانتخابات كما هو متوقع مؤكدة لنتائج عمليات التغيير السكاني والديموغرافي والسياسي الممنهج الذي تم على مدار ٢٣سنة في المدن العراقية ؟!؟!
لذلك لم نفاجأ بعودة قوى الاطار بما فيهم السوداني رغم أنوفهم إلى توحيد صفوفهم وتجمعهم مصالحهم ومكاسبهم المادية طيلة ٢٣سنة والتي قد تذهب ادراج الرياح مالم يضعوا مرحليا خلافاتهم جانبا (ولو مؤقتا) لاسيما بعد ان تلقوا أوامر مشدده من اسيادهم في طهران ويعلمون جيدا ان ترامب وجماعته يريدون ضبط إيقاع الفوضى (وإدارتها )وليس تغيرها او إنهائها ولذلك فجماعة الاطار توحدوا تحت شعار (لاتضيعوها) وهذا المقال يعكس هذه الرؤية ويضع التهديدات الأمريكية التي صدعوا رؤسنا بها موضع التساؤل في ضوء هذه النتائج.

اين ذهبت وعود ترامب وتهديدات “اقتلاع” النفوذ الإيراني؟
تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أكثر من مناسبة بـ “إنهاء الوجود الإيراني” و”اقتلاع الهيمنة” من العراق غير أن المشهد السياسي العراقي بعد اكثر من ٢٣سنة من الوجود الأمريكي لاسيما في ضوء النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة (كما أكدت المعلومات التفصيلية) الأمر الملفت ان تلك التهديدات يبدو انها تواجه كثير من علامات الاستفهام والتعجب ؟؟!!
الأمر الذي يثير تساؤلاً صارخاً: هل كانت تلك التهديدات مجرد فقاعات إعلامية للاستهلاك الداخلي أم أن واشنطن فشلت فشلاً ذريعاً في فهم عمق التغلغل الذي وصلت اليه طهران في العراق المحتل ام انهما وصلا إلى مرحلة لا يستطيعا مواجهة طهران او ان ما تقوم به ايران في العراق يخدم مصالحهما جذريا !!! اذن الهيمنة على العراق يبدو ظاهرا انه أمريكياً بريطانياً إلا انه فعليا فارسيا صفوياً؟ وهذا ما دللت عليه مجموعة معطيات أبرزها مايلي:
اولا:التطهير والتمكين عبر ولادة برلمان إيراني فالتحليل التفصيلي للنتائج البرلمانية المزعومة (2025) يكشف عن واقع أسود لأن العملية السياسية الفاشلة في العراق أصبحت إطاراً رسمياً لتمكين النفوذ الإيراني واستمراره ؟! فالأرقام المذكورة من مقاعد الفصائل المسلحة (التي تصل إلى 62 مقعداً لكتل مثل صادقون وبدر وحقوق) إلى مجموع تمثيل الأحزاب المقربة والتابعة للوصاية الإيرانية (الذي يصل إلى 202 مقعداً) ….وهي ترسم صورة لأغلبية ثلثين مهيمنة بالكامل على القرار التشريعي والتنفيذي.
ان هذه النتيجة ليست محض صدفة انتخابية بل هي نتاج “أكثر من عقدين من التطهير العرقي والتهجير القسري” التي ترافقت مع عملية ممنهجة لبناء نظام ولاء موازٍ. …فقد عملت “طهران وعملاؤها” على تنفيذ مايلي :
١-بناء نظام ولاء اقتصادي من خلال توزيع مكامن القوة الاقتصادية (من خطوط النقل الخاص والأكشاك والمشاريع الاستثمارية) والامتيازات الاجتماعية (رواتب الرعاية ومؤسسة السجناء السياسيين) على شبكة واسعة من المستفيدين الموالين يقدر عددهم بأكثر من ثلاثة ملايين ناخب متواصل. وهذا يضمن قاعدة تصويتية صلبة لا تتأثر بالبرامج الوطنية.
٢-اختراق المؤسسات الأمنية: إعداد وتنظيم الأجهزة الأمنية والجيش على قاعدة الولاء المطلق لأحزاب إيران وليس على قاعدة الكفاءة والوطنية.

ثانيا:المهزلة الأمريكية والتهديد على استحياء وتهليل للنتيجة ؟؟!! فإذا كان هذا هو المشهد السياسي الحقيقي فإن السؤال الذي يجب ان يوجه لإدارة ترامب خاصة وواشنطن عموماً ويصبح أكثر إلحاحاً بعد النتائج الكارثية لمسرحية الانتخابات وهو ما قيمة التهديدات القاسية بإنهاء الوجود الإيراني وارسال ترامب ممثل عنه لتنفيذ ذلك ؟؟ ولكنّ الغريب !!!! عندما تبارك الإدارة الأمريكية العملية الانتخابية نفسها التي شرعنت هذا الوجود؟
الأمر الواضح جدا أن ادارة ترامب اختارت التعامل مع نتائج الانتخابات كأمر واقع بدلاً من مواجهة التفاصيل العملية الملوثة للانتخابات رغم ان الأمريكيين والبريطانيين لديهم كل التفاصيل عما حدث في الانتخابات ؟! علما أنّ الهدف الأمريكي المعلن لاستهلاك كان بناء عراق ديمقراطي مستقر ؟؟!! لكن الذي تم بناؤه ومستمرين باصرار بتقوية دعائمه هو بناء نظام عميل مستقر يخدم المصالح الإيرانية والأمريكية والبريطانية تحت غطاء الديمقراطية المسخرة الهجينة !؟
في وقت يبدو أن استراتيجية ملالي طهران – التي تم تشبيهها بـ “حياكة السجاد الإيراني خيطاً بخيط” – كانت أعمق وأكثر تماسكاً من الاستراتيجية الأمريكية التي اقتصرت على ضربات عسكرية محدودة أو عقوبات اقتصادية لم تستطع تفكيك شبكة الولاءات المترابطة ناهيك عن ان هذا النظام الفارسي قدم خدمات جليلة لأمريكا وإسرائيل بالتحديد حيث جعل الأنظمة العربية تتسابق للتطبيع مع اسرائيل !!!
لكن مهما بلغت براعة هذا المخطط يبقى الإيمان بأن إرادة الله والشرفاء من العراقيين فوق كل تدبير كما تشير الآية الكريمة: “ويمكرون ويمكر الله .. والله خير الماكرين “

زر الذهاب إلى الأعلى