آراء

موفق الخطاب: تحت المجهر.. العراق بين صناديق الاقتراع وصناديق الوصاية، قراءة في انتخابات 2025

سيدخل العراق غدا منعطفا خطيرا إما أن يخرجه من عنق الزجاجة التي بقي فيها حبيسا منذ الاحتلال عام 2003 أو سيحصل تغيير جذري في المشهد العراقي لكنه محفوفة بالمخاطر ..
حيث سيتوجه غدا الناخب العراقي لممارسة حقه الدستوري في الانتخابات النيابية لعام 2025 وهو يرزح تحت أثقال المشهد ذاته الذي لازم جميع الدورات السابقة: وجوه متكررة، أموال اغلبها فاسدة في تمويل الحملات الانتخابية تجاوزت المليارات فساد مستشري ، مكاتب اقتصادية انهكت المواطن وأخرت عجلة الاعمار والاستثمار ، قوانين مفصّلة، وناخب يائس فقد ثقته في أن صوته يمكن أن يغيّر شيئًا من معادلة ما بعد 2003.
وبرغم الوعود المتكررة بالإصلاح والتغيير والقضاء على السلاح المنفلت والفساد، فإن الوقائع الميدانية تشير إلى أن العملية الانتخابية المقبلة لن تخرج كثيرًا عن النسق المألوف الذي صاغته المصالح الحزبية والوصايات الإقليمية والدولية.
دعونا نعرج بكم سادتي و بعجالة على اهم المحاور في هذه الانتخابات..

  • قانون “سانت ليغو”… أداة لإعادة تدوير السلطة

تعود معضلة القانون الانتخابي (المعروف باسم “سانت ليغو” وما حصلةعليه من تعديل الذي يصب ايضا في صالح الكتل) لتتصدر الجدل مجددًا؛ فقد ثبت أن هذا القانون يميل إلى تكريس هيمنة الكتل الكبرى وتشتيت وإغراق الأصوات الصغيرة، ما يُفقد المستقلين فرصهم ويحوّل التنافس إلى لعبة توازنات نفعية أكثر منها تعبيراً عن الإرادة الشعبية.

  • إقصاء ملايين المهجّرين… وصوتٌ غائب في المنفى

من بين أبرز المآخذ على انتخابات 2025، حرمان ملايين العراقيين في المهجر عمدا من حقهم في التصويت، وغالبيتهم من طائفةٍ محددة هُجّرت قسرًا خلال العقدين الماضيين. هذا الإقصاء هو خلل بنيوي يُضعف شمولية العملية ويغيّب أصواتًا كان من الممكن أن تعيد تشكيل التوازنات.

  • السلاح والانتخابات… مخالفة صريحة للدستور

تشارك الفصائل المسلحة هذه المرة بشكل مباشر أو عبر واجهات سياسية في دعم مرشحين وترشيح قادة فصائل، في انتهاك واضح لمقتضيات الدستور التي تقصر العمل السياسي على المدنيين و من لا يحمل سلاحًا خارج إطار الدولة. فوجود السلاح خارج سلطة الدولة يُضعف نزاهة الاقتراع ويحوّل كل منافسة إلى صراع نفوذٍ مسلح وسياسي.

  • هيمنة الخارج… وشرعية الداخل المفقودة

ما زال النفوذ الأجنبي، الأمريكي والإيراني تحديدًا ولا نغفل ايضا الدور التركي وحتى بعض الدول العربية بضغط اقل، حاضرًا بقوة في رسم ملامح المرحلة المقبلة. كل طرف يسعى لترتيب البرلمان بما يضمن مصالحه؛ فالولايات المتحدة تحرص على شكل العملية الديمقراطية صوريا فقط لحفظ ماء وجهها فيما تسعى إيران لضمان برلمان يحافظ على امتداداتها السياسية والعسكرية داخل العراق فهو متنفسها و رئتها الوحيدة التي لن تستغني عنه. هذا التنافس الخارجي يترك القرار الوطني في موقعٍ ضعيف.

  • موقف السيد مقتدى الصدر… المقاطعة كأداة ضغط ومخاطرة شرعية

مقاطعة السيد مقتدى الصدر للانتخابات، مع قواعد التيار الصدري وسرايا السلام وثباته على موقفه المقاطع ولاول مرة ، تشكل عاملاً موازناً ومهدِّدًا في آنٍ معًا. فالصدر يمتلك ثقلًا شعبيًا كبيرًا وقدرةً على تحريك الشارع، ومقاطعتُه ليست مجرد انسحاب، بل رسالة ضغط مفادها أن اللعبة السياسية مسروقة ولا تعبّر عن إرادة الشعب. هذه المقاطعة قد تُضعف نسب المشاركة وتُقلّص شرعية النتائج، لكنها في الوقت نفسه تُثير احتمال تفجّر احتجاجات واسعة إذا تم الإعلان عن نتائج يعتقد جمهور الصدر أنها مفصّلة مسبقًا وقد تعيق تشكيل الحكومة.

  • مخاض داخل الإطار التنسيقي: احتمال التفكك

أضيف إلى ذلك احتمالٌ استراتيجي مهم: تفكك الإطار التنسيقي (التحالف الشيعي واسع النفوذ) في حال تغيّرت موازين القوى البرلمانية بشكل يزيح كتلاً أساسية أو يعيد تشكيلها. على رأس هذه الاحتمالات، إمكانية أن تُؤدّي نتائج الانتخابات إلى إضعاف دور “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي أو إعادة تموضعه سياسياً. وبروز واضح لكتلة السيد محمد شياع السوداني رئيس الوزراء الحالي..
في سيناريو قد يبدو واردا، إن صدر اتفاق أو تهديد يفرز إخراجًا أو تهميشًا لـ”دولة القانون” من تحت عباءة بعض الميليشيات أو التحالفات التقليدية (كالإطار التنسيقي)، فقد يجد المالكي نفسه أمام خيارين قاسيين: البقاء في تحالفات تحجم نفوذه أو محاولة “ترميم” موقعه عبر تقارب مشروط مع قوى أخرى،
وربما إعادة ضبط ولاءاته خارج محاور إيران التقليدية. مثل هذا التحوّل، لو حدث، قد يكون مدفوعًا برغبة بعض الأطراف الأمريكية في رؤية قيادة شيعية أقل تبعية لطهران مقابل شروطٍ واضحة لإنهاء دور الفصائل المسلحة المرتبطة بالنظام الإيراني. لكن هذا السيناريو محفوفٌ بالمخاطر: انقلاب الولاءات داخل الإطار التنسيقي قد يثير ردود فعل عنيفة من فصائل مصرة على دورها السياسي والعسكري، وقد يفتح الباب لمعركة نفوذ جديدة داخل البيت الشيعي مع بروز دور السيد السوداني كمنافس قوي مستعد لتنفيذ اي مطلب امريكي مقابل دعمه لولاية ثانية وهنا مكمن الخطر.

** السيناريوهات المحتملة لما بعد الاقتراع

  1. استمرار النسق القديم: إعادة تدوير الوجوه والكتل عبر تحقيق توازنات إقليمية؛ النتائج تُدار بالمفاوضات والتسويات.
  2. تفكك الإطار أو إعادة ترتيب الولاءات: إذا تضرّر تكتّلٌ كبير أو تغيّرت موازين القوة (مثلاً، تراجع “دولة القانون” أو انشقاقات داخل الإطار)، فقد نشهد إعادة تشكيل تحالفات شيعية قد تُقوّض سلطة بعض الفصائل التقليدية أو تُعيد توجيه نفوذها. هذا قد يقود إلى حكومة مختلفة في الولاءات إذا رافق ذلك تدخل دبلوماسي أمريكي أو ضغط إقليمي.
  3. تصعيد احتجاجي واسع: إذا جاءت النتائج مشوبة بالتزوير أو حافظت على هامشية المقاطعة الشعبية، فالشارع (لا سيما قواعد الصدر والشباب المتظاهرون) قد يعيد إشعال الاحتجاجات، مع ما يحمله ذلك من مخاطر تفجّر أمني وسياسي.

الخلاصة

الانتخابات ليست مجرد سباق على المقاعد، بل اختبار لقدرة العراق على استعادة سيادته.
ما دامت القوانين مفصّلة على مقاس الكتل، والمغتربون محرومون من حقهم، والفصائل المسلحة تتعامل مع الصندوق كغنيمة، والمقاطعة الصدرية تضرب شرعية العملية، فإن صناديق الاقتراع ستبقى أشبه بصناديق جوفاء لا تولد تغييرًا حقيقيًا.
ومع احتمال حدوث شرخ داخل الإطار التنسيقي أو إعادة تموضع شخصيات مثل السيد نوري المالكي و قيس الخزعلي وهادي العامري وبعض الوجوه وبعض الشخصيات المؤثرة و المتخفية خلف الكواليس، يفتح الباب لمرحلة مفاوضات عسيرة وإمكانية انتقال ولاءات ستحدد اتجاه العراق نحو المزيد من الاستقلالية الوطنية أو مزيد من خضوع التوازنات الإقليمية. في كلتا الحالتين، مفتاح الحل يبدأ بإصلاح قانوني حقيقي، شمولية انتخابية، ونزع سلاح خارج منظومة الدولة…
وكل ما ورد في اعلاه مرهون بالتقلبات السياسية واحتمالية اندلاع أي مواجهة واستئناف الصراع بين إيران والكيان الصهيوني الذي سيغير قواعد اللعبة تماما..
مع تمنياتنا للشعب العراقي أن يستعيد مكانته المرموقة بين شعوب المنطقة ويرتقي بفضل موقعه وخيراته كدولة حديثة بعيدا عن المحاور والتجاذبات التي تفقدها السيادة والتوازن ..

زر الذهاب إلى الأعلى