د. حيدر علي السماوي: سلطات فوق القانون
ملاحظات عن قانون التقاعد العراقي الذي ينص على ان سن التقاعد هو ستين سنة ما راي القضاء العراقي باعمار هؤلاء السياسيين الذين يمارسون عملهم بقوة الميليشيات وقد تجاوزا السن القانوني ؟
نوري المالكي 75 سنة
هادي العامري71 سنة
إياد علاوي 81 سنة
عبد اللطيف 81 سنة
حيدر العبادي73
لفت انتباهي بشكل كبير ماكتبه الاخ بسام شكري والمتعلق بالسياسيين البارزين الذين يهيمنون على السلطة منذ الاحتلال الذين تجاوزوا السن القانوني للتقاعد (60 سنة) واستمرارهم في العمل إلى الان وفي المرحلة القادمة ايضا
ومن وجهة نظرنا فإن تحليل ظاهرة تجاوز سن التقاعد للسياسيين في العراق الذين ركبوا موجة الاحتلال وتنافسوا مع توجهاتها
يُثير هذا الموضوع إشكالية كبيرة وخطيرة ومفارقة قانونية وسياسية واخلاقية عميقة في المشهد العراقي الذي لا يشابهه مشهد آخر في سوئه ففي حين ينص قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 المعدل (الذي شرع من قبلهم) على أن سن الإحالة الوجوبية للتقاعد هو 60 سنة لغالبية موظفي الدولة بينما نجد أن شخصيات السياسية المحورية التي تقود النظام الذي أنتجه الاحتلال ممن ذكرت أسماءهم (نوري المالكي وهادي العامري وعبد اللطيف جمال رشيد وحيدر العبادي وغيرهم )تواصل ممارستهم النفوذ السياسي والعملي على الرغم من تجاوزهم هذا السن بكثير.
ما موقف القضاء والقانون؟
نحن هنا نفترض وجود القانون !
من الناحية القانونية الصرفة ينطبق سن التقاعد (60 سنة) على الموظفين بشكل عام. ومع ذلك غالبًا ما تقع المناصب القيادية والسياسية العليا ضمن خانة مايسمونها “الدرجات الخاصة” أو “المناصب السيادية” التي قد تكون لها ربما أحكام قانونية مختلفة أو استثناءات في قوانينها الخاصة أو بقرارات من مجلس الوزراء (الله اعلم ) لتمديد الخدمة (وفقًا لمصلحتهم او مصلحة وضغوط الجهات التي تفرضهم او يمثلونها )أو أنها لا تُصنف كموظفين (مثل بقية ابناء الشعب العراقي المستضعفين )بالمعنى الضيق للقانون بل كمسؤولين منتخبين أو معينين بدرجات عليا.
ورغم ان القضاء العراقي أصدر قرارات مهمة بخصوص رواتب ومخصصات أعضاء البرلمان والرئاسات الثلاث مؤكداً على ضرورة مساواتهم بالموظفين وعدم جواز منحهم رواتب خلافاً لقانون التقاعد الموحد وهذا ما يشير إلى سعي قضائي لفرض سلطة القانون على هذه الفئة لكن مثل هكذا قوانين او تشريعات تبقى حبيسة الورق ثم الأدراج التي تحفظ فيها إلى مالا نهاية ؟! ومع ذلك فإن الإحالة الفعلية للتقاعد تتطلب قرارًا من جهات إدارية وتنفيذية (الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة) والتي قد تكون كالعادة بعيدا عن سلطة القانون وخاضعة للنفوذ السياسي.
لذلك فإن في العراق المحتل تمثل سلطة النفوذ السياسي هي الأقوى مع تغييب تطبيق القانون ويُشير الواقع منذ نيسان ٢٠٠٣ الى أن استمرار هؤلاء السياسيين في مناصبهم يتم “بقوة الميليشيات” وهو ما يعكس حقيقة أن البقاء في السلطة والنفوذ في العراق لا يعتمد بالضرورة على الشرعية القانونية للسن، بل على موازين القوى السياسية وامتلاك النفوذ الفعلي والدعم المسلح. هذا الوضع يؤدي إلى:
-تعطيل التداول السلمي للسلطة: يحرم جيل الشباب والكوادر الأكفأ من تولي المناصب القيادية.
-تغييب سلطة القانون: يكرّس فكرة أن بعض الشخصيات والمواقع “فوق القانون” التقاعدي العام.
-ترسيخ النخبة القديمة التي جاء بها الاحتلال وفشلت بمهامها في خدمة الشعب
استمرار ذات الوجوه لعقود يمنع التجديد والإصلاح.
ان هذا التفاوت بين النص القانوني والواقع السياسي يمثل مثالًا صارخًا على تحديات تعطل بناء دولة المؤسسات في العراق حيث يظل العامل السياسي والنفُوذ أقوى من سيادة القانون.
