آراء

د. بندر عباس اللامي: عندما سقطت الاخلاق بالعراق انهارت الدولة!

كثيرا ما اسأل عن رأيي بما حدث وسيحدث بالعراق منذ جريمة احتلاله وبما ان الان موسم الدعايات الانتخابية ورغبة السوداني بتجديد بيعته لولاية رئاسية ثانية ازدادت الاسئلة من محبي العراق وشرفائه عن تقيمي الموضوعي للسيد محمد شياع السوداني وادارته للحكومة الحالية كرئيس لها . (للامانة أنا شخصيا لا اعرف السوداني ولا اي من رؤساء الوزراء الذين نصبوا بعد الاحتلال بتوافقات أمريكية بريطانية ايرانية ؟! بمعنى لاتوجد بيني وبينهم خصومات او دوافع شخصية إلا ربما خصومة الوطن والشعب العراقي !… باستثناء حيدر العبادي الذي التقيته عام ٢٠٠٧ على هامش مؤتمر عقد في البحر الميت وقتها وتحدث معي بعد مداخلة لي في احدى الجلسات وربما انطباعاتي العامه عن العبادي والسوداني انهما في بعض المعايير والمقاييس الخاصة بي افضل من غيرهم!؟)
طبعا حاولت ان تكون إجابتي عن تقيمي كعادتي دوما مستندة إلى معايير وأسس علمية ولتحقيق ذلك ولكي أضعهم في جو ما اريد توضيحه طرحت عليهم معادلة علمية تستخدم دائما في علوم الإدارة وهي أن المقدمات الصحيحة + عمليات تنفيذية صحيحة + بيئة سليمة = النجاح الأكيد. وسألت الحضور الذين يستمعون لإجابتي عمّا إذا كانت أركان هذه المعادلة متحققة في وزارة محمد شياع أو حتى سابقيه فجاء الجواب بلا تردد من الجميع “كلا”. وعليه قلت اذن الأمور لا تبشر بخير. وهنا طبعا لا نلقي اللوم على السوداني ولا نبرئ ساحته من المسؤولية لاسيما وانه قد يكون ضحية للظروف التي وضعه فيها جماعة الإطار – التنسيقي المختلفون في المصالح والمتفقون على الفساد والتآمر على العراق وشعبه – وقد سمعنا انهم أرادوا ان يجعلوا السوداني كبش فداء لجرائمهم وفشلهم الأكيد منذ تسلطهم على مقدرات البلد بعد نيسان 2003.
وللتدليل على خطورة الوضع الذي اصبح عليه العراق ذكرت للسائلين مثالا عن الحوار الذي دار بين إنديرا غاندي ووالدها جواهر لال نهرو حول سيطرة الفساد على المجتمع. عندما سألت أنديرا والدها عما يحدث لو سيطر الفساد على الدولة والمجتمع أجاب الوالد سينهار الاقتصاد”. وعند سؤالها عما يحدث بعد انهيار الاقتصاد أجاب: “تنهار الأخلاق”. وعندما ألحت في السؤال عما يحدث لو انهارت الأخلاق رد عليها بحكمة: “وما الذي يبقيك في بلد انهارت أخلاقه؟!
في حقيقة الأمر ان الفساد في العراق بعد احتلاله كان فساد منظم ومخطط له يقوم به المتنفذين وفق الخطط التي اعدها الاحتلال الامريكي البريطاني بالتنسيق والتوافق مع ملالي طهران وقم قبل 2003. وقد تم تكليف الفاسدين والمنحرفين الذين سيقوا لحضور مؤتمر لندن وغيره بتنفيذ المخطط المشبوه و “الديمقراطية الهجينة” التي اقتصرت منذ ٢٠٠٥ على النخب الفاسدة التي تم عزلها عن الشعب وإغراقها في ترف ونعيم يفوق الخيال. ناهيك عن أن الاحتلال قرر مسبقا قبل نيسان ٢٠٠٣ خلق بيئة فاسدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن تكون رواتب قادة الحكم “رواتب اعضاء البرلمان” وتقاعدهم مرتفعة جدًا لشراء ذممهم وولائهم علما ان غالبيتهم من الحفاة والشحاتين فاقدي الشرف والوطنية. والملاحظ انه تم اختيار هؤلاء الفاسقين بعد دراسة مجهرية لكل فرد منهم .ولتنفيذ السيناريو الكارثي تم تشكيل نخبة إعلامية من “النكرات ” في بودابست ولندن وواشنطن وزُج بهم للترويج لهم وللاحتلال.

كذلك تم بعد 2003 أُدخال العراق المحتل وشعبه في تعددية شاذة ومشهد فوضوي مترهل. وتركز دور العملاء ومهامهم ليس فقط بإثارة النعرات الطائفية والمناطقية بل وكذلك بنقل الصراعات الحزبية المتخلفة إلى مؤسسات الدولة. ففشلت العملية السياسية الهجينة المعوقة قبل أن تبدأ رغم كل ما وفر لها الاحتلال ولايزال من بيئة مناسبة وظروف كي يهيمن عليها الأحزاب والكتل الطائفية المناطقية المتخلفة والتي تعتمد الهرطقات والخرافات في تسيير الحياة الاقتصادية والسياسية والإدارية.
نعم خطط الاحتلال لتمكين هذه الأحزاب عبر اعتماد مبدأ فرق تسد الإنكليزي وتقسيم الشعب إلى ثلاثية مقيتة غريبة (الشيعة والسنة والكرد) كبديل عن مفهوم المواطنة الحقيقية. الملفت أن هذه الثلل التي سلطت على رقاب العراقيين تثبت في كل يوم أنها لا تؤمن بوجود الله أو يوم الحساب جراء ما تقترفه من جرائم بحق الشعب العراقي لا سيما القتل والتغييب والسرقات ونشر الفساد والرذيلة في مجتمع كان الأكثر تحصنًا في كل ذلك قبل الاحتلال.
وعلى سبيل المثال لا الحصر ذكرت للسائلين ايضا حديث الخبير النفطي الوطني الكفوء المرحوم عصام الجلبي عن الكوارث جراء إطلاق يد العملاء الفاسدين للسيطرة على مقدرات العراق.فذكر ان إيراد العراق المالي منذ اكتشاف النفط وحتى نيسان 2003 بلغ 230 مليار دولار أمريكي بينما بلغ دخل العراق منذ الاحتلال أكثر من 1650مليار دولار أمريكي والسؤال الذي يفرض نفسه اين ذهبت كل هذه الثروة الهائلة ؟!والجواب واضح: الأموال ذهبت غالبيتها لجيوب العملاء والفاسدين من سياسيي آخر زمن وإلى اسيادهم بالنظام الإيراني ؟!
اذن واضح ان كل شيء كان مُعدًا ومُخططًا سلفا ولذلك لم نفاجأ أبدا عندما تم تشكيل مؤسسة حكم من أطراف مؤشر على كثير منها علامات استفهام قوية وخليط من معارضة عميلة سابقة كذلك تم إحياء القبلية لأنها ستتوافق مع برلمان فاسد ومترف وساسة لصوص وعناصر حكم من النظام القديم لتكون قابلة للخنوع. كما تقرر إبعاد كل الوطنيين عن مؤسسة الحكم ولم يكن أمامهم سوى الاندماج أو الإقصاء أو الاغتيال. كذلك تم تنفيذ كم كبير من العمليات الارهابية في مدن العراق وتم تنسيبها إلى منظمات إرهابية في أقذر وليمة للسطو على شعب غُيِّب بالبحث عن الخدمات والمفخخات والمسرحيات الانتخابية حتى اصبح العراقيون لا يعرف هل هم ذلك الشعب العظيم أم ماذا؟ هل هم جمهور أم قطيع؟ هل يعيشون في وطن أم مبغى سياسي؟.
وهنا يحق لنا أن نتساءل لماذا يبدو البعض “مندهشا” مما جرى ويجري؟ ياترى هل عرفوا بأرقام ثروات المسؤولين الفاسدين وبرواتبهم وهم قلة من المعوقين عقليًا وكذا اعضاء البرلمان ورجال يُحسبون انفسهم على الإسلام زورا وبهتانًا وعدوانًا؟.

زر الذهاب إلى الأعلى