د. بندر عباس اللامي: موقف الإطار التنسيقي الرافض لتعيين مبعوث لترامب في العراق: ازدواجية الخطاب ومرجعية القرار

أثار موقف “الإطار التنسيقي” الرافض لتعيين رجل الأعمال مارك سافايا مبعوثاً خاصاً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق بحجة أنه “تدخل سافر” ومحاولة لـ “فرض الهيمنة الأمريكية” السخرية العميقة لدى العراقيين الوطنيين وتساؤلات عميقة حول ازدواجية الخطاب السياسي ومرجعية القرار في المشهد العراقي. فالإطار وهو الكتلة السياسية الأقوى التي اصبحت هكذا بسبب الدعم الأمريكي الإيراني و الذي هيمن على كل الحكومات الفاسدة بعد الاحتلال وهو من يشكل الحكومة الحالية، يتبنى خطاباً مصلحيا يرفض فيه الوصاية بتعيين ممثل شخصي عن ترامب في الوقت الذي تشير فيه التحليلات الواقعية إلى التدخل العميق في القرار العراقي منذ نيسان ٢٠٠٣ من قوى إقليمية ودولية وتحديدا واشنطن وطهران.
رفض شكلي أم جوهري؟
يستند رفض الإطار على لسان عضوِه عمران الكركوشي إلى نقطتين رئيسيتين: الأولى افتقار المبعوث المعين (مارك سافايا) للخبرة الدبلوماسية والسياسية كونه رجل أعمال. والثانية اعتبار الخطوة “محاولة لفرض الوصاية الأمريكية” ؟؟!!!
فيما يتعلق بالنقطة الأولى قد يبدو الاعتراض وجيهاً ظاهرا من الناحية المهنية. فتعيين شخصية غير دبلوماسية في ملف معقد كالعراق يمكن أن يثير الشكوك حول طبيعة أجندته إن كانت سياسية أو اقتصادية بحتة.
أما النقطة الثانية وهي جوهر الموقف فتضع الإطار في موضع مساءلة تاريخية وواقعية. فمن المفارقات الساخرة أن الإطار التنسيقي نفسه وكثير من القوى المتكون منها هي جزء من العملية السياسية الفاشلة والفاسدة التي قامت وتأسست بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وهي من وقعت الاتفاقيات المهينة للعراق وشعبه مع الادارات الأمريكية وهي من خضعت لتأثير وهيمنة واشنطن منذ بدايتها (منذ اغتصاب المالكي لرئاسة الوزراء الاولى وما بعدها ولحد الان !!!) كما أن التشكيلات الحكومية المتعاقبة بما فيها الحكومة الحالية لم تكن بمعزل عن التوازنات بين واشنطن وطهران بشكل رئيسي والتي تقرر شكل ومضمون السلطة في بغداد.
سؤال المرجعية والوصاية الأمريكية والإقليمية
إن الادعاء برفض التدخل السافر يتجاهل واقع أن النظام السياسي العراقي الحالي قد وُلد في كنف التدخل الأمريكي المحتل للعراق وهو الذي اعطى مساحة لنظام ايران بالتدخل السافر بالشؤون العراقية لمصلحة أمريكا ولا يزال يتغذى على توازناته. التساؤل المبطن في سخرية المواطن العراقي ( ان الاطاريين نسوا أنهم يحكمون العراق بقرار وتدخل أمريكي ) الذي يضع الإصبع على الجرح. كيف يمكن لكتلة تحكم البلاد ضمن منظومة نشأت تحت الهيمنة الأجنبية ولا تزال تعتمد على الدعم الأمني (التحالف الدولي بقيادة أمريكا لمحاربة داعش) والمالي (بيع النفط بالدولار وضوابط النظام المصرفي الأمريكي) لاتزال تسيطر على الحكم أن ترفض تدخلاً “سافراً” لمبعوث شخصي لرئيس الدولة التي تحميهم من السقوط؟
غالباً ما يكون هذا النوع من الخطاب الرافض موجهاً للاستهلاك السياسي الدعائي المحلي ويهدف إلى ترسيخ صورة القوى السياسية كـ “المدافع الوطني” عن السيادة وهذا امر مثير للضحك خاصة في مواجهة أي تحرك أمريكي يُنظر إليه على أنه منافس للنفوذ الإقليمي الآخر في البلاد. يبدو أن الإطار التنسيقي يخشى أن يكون هذا المبعوث قناة اتصال موازية أو غير رسمية خارج قنوات الحكومة الرسمية، مما قد يربك التوازنات الحالية ويفتح الباب لفرض أجندة أمريكية مختلفة عن تلك التي تتعامل معها الحكومة حالياً.
ان موقف الاطار يكشف عن محاولة لتحديد طبيعة ونطاق “التدخل المقبول” و”المرفوض”. التدخل المرفوض هو الذي يأتي باحتمال وجود نوايا لتقليم مخالب القوى التابعة للقرار الإيراني (الاطار والمليشيات ) بخطوات من الإدارة الأمريكية الحالية وهذا يهدد النفوذ السياسي والاقتصادي الحالي للإطار والمليشيات المسلحة أما التدخل المقبول فهو الذي يضمن استمرار العملية السياسية الفاشلة والفاسدة وبقاء هؤلاء في السلطة والحفاظ على هيمنتهم ومصالحهم حتى لو كان على حساب السيادة الغير موجودة للبلاد. يبقى العراق للأسف ساحة للتوازنات الدولية وموقف الإطار هذا هو محاولة للتحكم في كيفية إدارة هذا التوازن واستمرار سيطرتهم على العراق؟
