د. بندر عباس اللامي: 150 مليار دولار ديونًا… حبل الإعدام الصامت يلتف حول عنق الاقتصاد العراقي

تتوالى الكوارث على العراق منذ احتلاله وهيمنة هذه الطبقة الفاسدة على الدولة في يوم السبت 18من شهر تشرين الاول الجاري كشف الفاسد محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق عن رقم صادم جديد يخص الدين العام للبلاد مُعلنًا أن مجموع الديون الداخلية والخارجية للعراق بلغ نحو 150 مليار دولار أمريكي. هذا الإعلان لا يمثل مجرد إحصائية مالية عابرة بل هو جرس إنذار يدق بعمق حول صحة ومستقبل الاقتصاد العراقي. في بلد ريعي يعتمد بشكل شبه كامل على النفط وموازناته الفلكية مسروقة ويعاني من فساد مزمن وسوء إدارة مالية !!؟؟ فإن هذا الحجم الهائل من الديون يهدد بتحويل العراق إلى سجين لدائرة الاقتراض (ويبدو واضحا انه هدف مقصود) مُكبلًا للأجيال القادمة بعواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة!!
الأسباب الكامنة وراء هذا التراكم الكارثي للديون
إن الوصول إلى هذا الرقم 150مليار دولار المهول لم يكن وليد اللحظة بل هو نتاج تراكم لسياسات اقتصادية ومالية خاطئة وعوامل هيكلية مزمنة أبرزها :
١-الاعتماد المفرط على النفط والهشاشة المالية (الاقتصاد الريعي) حيث يشكل النفط أكثر من 90% من إيرادات الدولة. عند انهيار أو تذبذب أسعار النفط تجد الحكومة نفسها في عجز فوري لا يمكن تغطيته إلا بالاقتراض.
٢-الإفراط في الإنفاق التشغيلي (الرواتب لمئات الالاف الذين عينوهم لكي يعطوهم اصواتهم اثناء الانتخابات والدعم غير المنتج) الذي يستهلك الجزء الأكبر من الموازنة مما لا يترك أي مجالاً حتى ولو ضيقاً للاستثمار المنتج ولاحتياطيات الطوارئ.
٣-الفساد الإداري والمالي: حيث يُعد الفساد المالي والإداري أحد أخطر أسباب استنزاف الأموال العامة وفشل المشاريع التنموية. فالمبالغ الضخمة من الديون الداخلية والخارجية لم تُستخدم اياً منها في مشاريع منتجة تدر عائداً بل ذهبت جميعها (ترليون دولار او اكثر ) إلى جيوب الفاسدين عبر صفقات وهمية أو مشاريع لم تنفذ مما جعلها “ديون ميتة” لا تقابلها أصول أو إيرادات مستدامة.
٤-تمويل العجوزات الحكومية المتكررة حيث لجأت الحكومات المتعاقبة الفاسدة والفاشلة بشكل متعمد لتمويل العجز في الموازنات – الذي يتفاقم سنويا بسبب الإنفاق غير المقيد- بالاعتماد على الدين الداخلي من خلال الاقتراض من المصارف الحكومية (البنك المركزي والرافدين والرشيد) وهي خطوات مدمرة تضر بالسيولة النقدية وتنافس القطاع الخاص على التمويل.
٥-تراكمات الحروب والتعويضات:
هناك جزء من الدين الخارجي للعراق يعود إلى ديون سياسات خاطئة للحكومات الفاسدة ما بعد عام 2003، والتي ترتبط بالحروب والتعويضات والتبرع لدول وأحزاب بأوامر من ملالي طهران .
٦- اكاذيب ومسرحيات تكلفة الحرب على داعش وما تلاها من اكاذيب عمليات إعادة إعمار المناطق المحررة ؟؟والتي سرقت في الغالب دون رقابة ؟
النتائج والكوارث الاقتصادية والاجتماعية
هذا الحجم من الدين يمثل قيدًا ثقيلاً ويُهدد بجر العراق إلى أزمات اقتصادية هيكلية وكوارث اجتماعية لا حصر لها وهو أصلا يعاني منها منذ عقدين من زمن الاحتلال مما يضيف اعباء كارثية اخرى أدت إلى :
-زيادة أعباء خدمة الدين: تتطلب خدمة هذه الديون (فوائد وأقساط) تخصيص جزء متزايد من الإيرادات السنوية في الموازنات وهو ما يُحرم القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية من التمويل اللازم. هذا التحويل يعيق التنمية ويُرسخ التخلف.
-خنق فرص النمو والاستثمار: فعندما تستنزف الحكومة سيولة المصارف المحلية لتمويل الدين الداخلي فإنها تقلل من قدرة هذه المصارف على منح القروض للقطاع الخاص (الشركات والمستثمرين) مما يعيق نمو القطاعات غير النفطية وزيادة معدلات البطالة.
-ارتفاع الدين يضعف التصنيف الائتماني للبلاد مما يجعل الاقتراض المستقبلي أكثر كلفة ويصعّب جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
-كارثة انخفاض مستوى المعيشة:للوفاء بالتزامات الديون قد تضطر الحكومات مستقبلاً ؟! إلى اتخاذ إجراءات تقشفية قاسية تشمل: خفض الإنفاق الاجتماعي الذي هو أساساً شبه معدوم وتجميد التوظيف الحكومي الذي استهلكوه بتعيين من ينتخبونهم وزيادة الضرائب التي اصبحت تؤذي المواطن بشكل كبير أو حتى خفض قيمة العملة (التي انخفضت بسبب اجراءات الحصار الظالم ويفترض انها عادت قوية بعد الاحتلال وانتهاء مخلفات الحصار لكن العملة بقت قيمتها متدنية وهذا يعني ان هناك اخطاء كارثية أدت إلى بقاء العملة متدنية ؟!) وجميع هذه الإجراءات تؤدي مباشرة إلى تدهور مستوى معيشة المواطنين لاسيما الفقراء وهم الغالبية العظمى في بلد غني وموازناته خرافية !؟!؟
وزيادة معدلات الفقر والبطالة.
-التبعية والسيادة الاقتصادية المهددة بسبب تزايد الدين الخارجي خاصة من المؤسسات الدولية قد يفرض على العراق شروطاً وإجراءات اقتصادية “مؤلمة” قد لا تتناسب مع واقعه الاجتماعي والسياسي الفاسد والمتأزم أصلا مما يهدد السيادة الاقتصادية ان وجدت ؟! ويجعل القرار الوطني المغيب مرتهناً لإملاءات الخارج.
ويبقى السؤال المهم متى تنفجر القنبلة؟
إن رقم {150} مليار دولار ليس مجرد رقم عارض او بسيط بل هو مؤشر على أن العراق المحتل يسير بخطى حثيثة نحو فخ وكارثة المديونية الذي يصعب الإفلات منها. ما لم يتم اتخاذ إصلاحات هيكلية جذرية وفورية تبدأ بمكافحة الفساد وهذا امر مشكوك فيه وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط وهذا ايضا بعيد المنال وترشيد الإنفاق التشغيلي وإدارته بكفاءة وهذا ما يتنافى مع توجهات الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة ويتناقض مع تحقيق واستمرار مصالحها فإن الدولة وهذا هو المتوقع ستجد نفسها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.
الخطر الأكبر ليس في حجم الدين بحد ذاته بل في استمرار الأسباب التي أدت إليه والى استمراره طيلة ٢٣سنة ظلماء . إن استمرار النهج الاقتصادي الحالي الفاشل والفاسد سيحول هذا الدين من عبء مالي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية شاملة تجعل الأجيال القادمة تدفع ثمن أخطاء وسوء إدارة وفساد الطبقة الحاكمة والمتحكمة الحالية. إن مستقبل العراق المالي يمر بمفترق طرق حاسم فإما إصلاح حقيقي وهو مستبعد تماما ؟! أو الارتماء في فخ الانهيار الاقتصادي وهذا هو المتوقع ؟!