آراء

د. عبدالرزاق محمد الدليمي: لماذا نخشى من الشيخوخة؟ ولماذا يتراجع معدل الأعمار في بلادنا العربية؟

في متابعاتنا لما يستجد نشره سيما مايتعلق بالجوانب الصحية وسلامة الانسان تؤكد الدراسات والبحوث الرصينة في العالم المتقدم ان الخوف لا يكمن في العمر بل في كيفية عيشه والخوف من تقدم العمر ليس خوفًا من “الزمن” بحد ذاته ! بل هو قلق عميق من نوعية السنوات المتبقية. في المجتمعات الغربية الأكثر تقدماً أصبح التركيز على “إطالة الحياة الصحية” (Healthspan) وليس مجرد “إطالة العمر” (Lifespan). أما في العالم العربي تواجهنا تحديات مزدوجة منها كيف نحسّن نوعية شيخوختنا ؟وكيف نرفع من متوسط الأعمار الذي ما يزال أقل من المتوسطات العالمية المتقدمة؟
ما الذي نخشاه حقاً من التقدم في العمر؟
إن أكبر المخاوف التي تواجهنا مع مرور السنوات ليست التجاعيد أو الشعر الأبيض بل هي الاعتلال الوظيفي والتبعية الجسدية (Functional Decline) والخوف الأكبر هو فقدان القدرة على العيش باستقلالية. تبدأ هذه التحديات في العظام والمفاصل مثل هشاشة العظام وضعف الحركة وتتفاقم مع الأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والزهايمر. وذلك ما يجعل الأنشطة اليومية البسيطة عبئاً على الإنسان فيزول جمال العمر المديد.
ثم يأتي دور التدهور المعرفي والعزلة الاجتماعية لاسيما الذاكرة التي لا يجب أن تتلاشى حتمًا لكن الخوف من أمراض مثل الخرف أو الزهايمر هو خوف حقيقي. يضاف إلى ذلك العزلة الاجتماعية حيث يتناقص عدد الأصدقاء او نوعهم والأقارب بمرور الزمن مما يؤدي إلى الوحدة والاكتئاب وهما عاملان يسرّعان بالتدهور الصحي.
وهناك الاعباء المالية على الأسرة التي تزيد من حدة وقوة القلق من أن يصبح الفرد عبئًا ماليًا على الأجيال الأصغر سناً بسبب الحاجة إلى الرعاية الصحية الطويلة الأجل أو تكاليف الأدوية.
لماذا يتأخر متوسط عمر العربي عن العالم المتقدم؟
وهو السؤال الذي مازال يبحث عن اجابات منطقية فعلى الرغم من التقدم الهائل في بعض الدول العربية ؟! إلا أن متوسط العمر المتوقع ما يزال يتأخر عن دول مثل اليابان وسويسرا وغيرهما ! والأسباب قد تبدو معقدة وتشمل عوامل هيكلية وصحية وسلوكية ومن الاسباب البارزة ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة حيث تنتشر أمراض نمط الحياة مثل السكري وأمراض القلب والسمنة في العالم العربي بمعدلات مقلقة وقد تتفاقم بسبب تأخر التشخيص الدقيق والصائب وهذه الأمراض تفتك بالعمر وتخفض من جودته وكثير منها يبدأ في سن مبكرة وهذا امر ملفت ويحتاج إلى تشخيص ومعالجة حقيقية !
وهناك العوامل السلوكية والغذائية مثل قلة النشاط البدني وارتفاع معدلات التدخين (بما في ذلك الشيشة) اللذان يمثلان قنبلة موقوتة ناهيك عن النمط الغذائي الغني بالدهون المشبعة والسكريات يزيد من مخاطر الأمراض الأيضية.
يضاف إلى ذلك ضعف جودة الوصول للرعاية الصحية المناسبة والفوارق في الوصول إلى الرعاية الصحية الأولية والوقائية بين المدن والمناطق الريفية وغياب ثقافة الفحص الدوري والكشف المبكر للأمراض يؤدي إلى اكتشاف الحالات المتقدمة والمكلفة علاجياً.
كذلك تأثير النزاعات وعدم الاستقرار في عديد من الدول حيث تؤدي الحروب والصراعات إلى انخفاض حاد ومباشر في متوسط الأعمار وليس فقط بسبب الوفيات المباشرة بل لتدمير البنية التحتية الصحية وتدهور التغذية والرعاية.

مالعمل؟ خارطة طريق نحو طول العمر
ابتداءا لابد من الإقرار بأن العمل على تحسين نوعية ومدة الحياة يتطلب جهوداً متكاملة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة:
فمثلا على المستوى الفرد يجب الاستثمار في الحركة وممارسة الرياضة بانتظام فهي أفضل “دواء” ضد تدهور العضلات والإدراك.
والاهتمام بصحة العقل وتحدي الدماغ بالتعلم المستمر سواء كانت لغة جديدة أو مهارة فنية للحفاظ على المرونة المعرفية.
ثم يأتي دور تقوية الروابط الاجتماعية بمكافحة العزلة بالتواصل الفعال والاندماج في الأنشطة المجتمعية.
أما على مستوى المجتمع والدولة فيجب العمل على :
١-التحول نحو الرعاية الوقائية حيث يجب أن تركز أنظمة الصحة على الوقاية والكشف والتشخيص المبكر بدلاً من الاقتصار على علاج الأمراض المتقدمة حيث يجب ان تبدأ الحملات التوعوية في مراحل الطفولة والمراهقة.
٢-بناء بيئات صحية من خلال تصميم مدن تشجع على المشي والحركة وتوفير خيارات طعام صحية ميسورة التكلفة للجميع.
٣-مكافحة “أوبئة” العصر وفرض رقابة صارمة على التدخين ومكافحة السمنة والسكري ببرامج صحية وطنية فعالة.

إن السباق نحو طول العمر ليس مجرد هدف شخصي !بل هو مؤشر على قوة ورفاهية المجتمع. ولن نستطيع اللحاق بالدول المتقدمة إلا إذا حولنا خوفنا من الشيخوخة إلى خطط عمل حقيقية لضمان أن تكون السنوات التي نعيشها مليئة بالصحة والإنتاجية.

زر الذهاب إلى الأعلى