د. بندر عباس اللامي: الميليشيات الإيرانية سيف الإرهاب المسلط على رقاب المعارضة الوطنية في العراق

يُشكل العراق بعد عام 2003 ولا سيما بعد تزايد نفوذ الميليشيات الموالية لإيران ساحة معقدة لفقدان الامن والأمان ولغياب الدولة والقانون والانفلات الامني حيث تتداخل السياسة مع المصالح الاقتصادية المليشيات وللنظام في ايران مع العنف المسلح الخارج عن السلطة والمصالح المتضاربة واستغلال الدولة.
هذه الميليشيات التي تُوصف بالفارسية نسبة إلى تبعيتها الوجدانية والطائفية والتسليحية للنظام الحاكم في ايران لم تقتصر أدوارها على خلق الفوضى و اضعاف الجانب العسكري والأمني في العراق بعد احتلاله بل امتدت لتصبح أداة رئيسية في صياغة المشهد الاقتصادي و السياسي والاجتماعي العراقي والهيمنة المطلقة عليه وفي مقدمة ذلك قمع وتصفية كل الأصوات المعارضة للهيمنة الإيرانية ومليشياتها ومشروعها الإقليمي.
نفوذ عابر للدولة:
تتمتع الفصائل والمليشيات المسلحة الموالية لإيران بنفوذ هائل يتجاوز مؤسسات الدولة العراقية. فهي تنظيمات مسلحة تتلقى الدعم المادي والعسكري والاستخباراتي من طهران وتعمل كدروع للثورة الإسلامية ؟!؟! في بلاد الرافدين وتعمل المليشيات بتحويل المليارات من الدولارات لدعم النظام في طهران ولولا هذا الدعم لفشل النظام في ايران منذ عقدين في مواجهة العقوبات وغيرها. وقد أتيح للمليشيات فرصة الانخراط في “الحشد الشعبي” بعد عام 2014 كغطاءً قانونياً ورسمي مما زاد من تمكنها وتغلغلها في جميع مفاصل الدولة الأمنية والسياسية والاقتصادية وغيرها !! هذا التمكين يجعلها بمنأى عن المساءلة القانونية الحقيقية داخل العراق.
آلة التصفية الممنهجة:
تعد عمليات المليشيات باستهداف المعارضين السياسيين والناشطين المدنيين والإعلاميين المستقلين الذين يعارضون او ينتقدون النفوذ الإيراني والفساد الذي ترعاه الميليشيات جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها لإحكام السيطرة. ومن أبرزها عمليات التصفية المنظمة التي تأخذ أشكالاً متعددة وممنهجة أبرزها :
1-الاغتيالات المباشرة: هي الأسلوب الأكثر دموية وفظاعة حيث يتم استهداف الناشطين والمنتقدين البارزين (خاصة خلال وبعد احتجاجات تشرين 2019) وآخرها وليس أخيرها اغتيال المرشح المشهداني الثلاثاء بعمليات اغتيال منظمة غالبًا ما تتم بأيدي “فرق الموت” المتخصصة دون أن تسفر التحقيقات الحكومية لحد الان عن نتائج تُقدم الجناة للعدالة.
2-الاختطاف والإخفاء القسري: تلجأ إليها المليشيات لإرهاب وترهيب المعارضين وأسرهم حيث يتم خطف شخصيات معارضة وإخفاؤها قسرياً ثم يُطلق سراح بعضهم بعد تعذيب أو تهديد او إجبارهم على دفع مبالغ مالية كبيرةً بينما يظل مصير آخرين مجهولاً بهدف بث الرعب وإسكات أي نداء للمقاومة أو التغيير.
3-الهجمات الإلكترونية والتشهير: عادة تسبق التصفية الجسدية أو تترافق معها حملات واسعة النطاق من التشهير والتضليل تُدار عبر “جيوش المليشيات الإلكترونية”. وتهدف هذه الحملات إلى نزع الشرعية عن المعارضين وتشويه سمعتهم وتوجيه اتهامات لهم بالعمالة والخيانة او اعداء المذهب مما يمهد الطريق لاستهدافهم جسدياً أو حرمانهم من الدعم الشعبي وتحويلهم إلى أهداف “مباحة”.
4-الضغط القانوني والإعلامي: تُمارس الميليشيات ضغوطاً هائلة على هيئة الإعلام والاتصالات والمحاكم العراقية لتقييد حرية الصحافة وإسكات المنتقدين وتحاول إعادة تشريع او صياغة القوانين لضمان استمرار سيطرتها وإضفاء الشرعية على وجودها غير الدستوري.
5-الشرعية المفقودة والمساءلة الغائبة:
تستغل هذه الميليشيات غياب او ضعف الدولة و القانون لتنفيذ جرائم ترقى إلى مستوى (جرائم حرب ضد الشعب العراقي حسب تقارير لمنظمات حقوق الإنسان العالمية والعربية والعراقية). وهي تفعل ذلك تحت ستار اكذوبة “المقاومة” أو مكافحة الإرهاب بينما الواقع يؤكد أنها تستخدم قوتها لتعزيز نفوذ إيران وتقويض السيادة الوطنية العراقية.
إن استمرار هذا الوضع الكارثي في العراق يشكل تهديداً وجودياً على مستقبل العراق كدولة ذات سيادة حيث تحولت بغداد وكل المحافظات الأخرى إلى ساحة خلفية لتصفية الحسابات الإقليمية واصبحت الحريات السياسية والمدنية مجرد حبر على ورق أمام فوهات الكواتم والبنادق الموالية لملالي طهران ويبقى الطريق نحو الاستقرار الحقيقي مرهوناً بوجود حقيقي إلى الحكومة العراقية القادرة والمقتدرة المحاطة بدعم شعبي وعربي ودولي وإقليمي على نزع سلاح هذه المليشيات وكل المظاهر المسلحة خارج اطار الدولة ؟! ودمج من يصلح من عناصرها في المؤسسات الوطنية وفق أسس مهنية وضوابط ملزمة ووضع حد للإفلات الذي يتمتع به قادة وأفراد هذه الميليشيات من العقاب دون مساءلة حقيقية ومحاسبة لمن يرفع السلاح بوجه الشعب ويخالف القانون واستهداف المعارضين لهم أن غياب المحاسبة وتطبيق القوانين بحق هذه المليشيات فإن ذلك يعني أن العراق سيظل رهينة لأدوات الهيمنة الخارجية والمنفلتة وفي مقدمتها مليشيات ملالي طهران وستظل أصوات الحرية واصحابها رهينة بخطر الموت والتغييب ؟!
فمتى نشهد نهاية هذه الحقبة الكارثية ؟؟!!