آراء

د. بندر عباس اللامي: امريكا وبريطانيا وترقيع النظام الفاسد في العراق بدل تغيره

هذا الموضوع يعكس إحباطاً واسعاً ومبرراً من استمرار الفساد في العراق بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني عام 2003 وهو موضوع معقد جداً تحكمه اعتبارات سياسية واستراتيجية أمريكية بريطانية متعددة اكثر من كونه يمثل معاناة للعراقيين على مدى ٢٢ سنة عجاف .
من وجهة نظرنا فإن هناك عدة أسباب رئيسية تجعل الولايات المتحدة وتؤيدها حليفتها بريطانيا تمنعهما من تغيير النظام الفاسد الفاشل الذي أسسته في العراق بعد احتلالهما له بشكل جذري على الرغم من فساده وفشله المخزي؟! من ابرز الاسباب من وجهة نظر دول الاحتلال:-
اولا :الكلفة السياسية والعسكرية والمالية الباهظة وهذا يشمل:
-فشل التجربة السابقة: بعد غزو 2003 تحمّلت الولايات المتحدة كلفة هائلة في الأرواح والأموال (تريليونات الدولارات) دون أن تحقق الاستقرار المنشود. وحسب اعتقاد ووجهة نظر المسؤلين الأمريكيين فإن أي محاولة جديدة لإعادة بناء النظام من الصفر تعني تكرار تلك التكاليف والمخاطر وهو أمر يرفضه الرأي العام الأمريكي والقيادة السياسية وهم بواقع الحال غير معنيين برأي الشعب العراقي ولا مصالحه ولا معاناته رغم انهم ارتكبوا جريمة شنعاء حينما احتلوا العراق بدون مبررات او مسوغات وكل ماحدث ويحدث يتحملون مسؤليته القانونية والاخلاقية وربما يأتي يوم يحاسبون عليه !
-تجنب الفوضى: تخشى واشنطن أن يؤدي تغيير النظام بالقوة إلى فراغ أمني وفوضى أعمق قد تستغلها التنظيمات الإرهابية (مثل فلول داعش) رغم اننا نعتقد ان هذه اكذوبة فداعش كما ادعوا هم مرات واعلنوا انها انتهت وربما قد يزعج الوجود الامريكي دعائيا هو النفوذ الايراني ومليشياته في العراق ولبنان مما يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة حسب الادعاء الأمريكي !

ثانيا:الحفاظ على اكذوبة التجربة الديمقراطية (الواجهة) والذي يستهدف مايلي :
-شرعنة النظام الحالي: ترى الولايات المتحدة أن النظام الحالي الفاشل الفاسد على علاته هو نظام برلماني قائم على الانتخابات (حتى لو شابتها عمليات التزوير وهذا امر غريب ) ويُعدّ الحجة الوحيدة الباقية لاسباب الاحتلال الأمريكي والوجود في المنطقة.
-ادعاء وجود السيادة العراقية: بعد سحب القوات القتالية رسمياً تشدد واشنطن إعلامياً اكذوبة احترام سيادة العراق وتعتبر أن مسؤولية الإصلاح تقع على عاتق الشعب والقادة العراقيين الذين تم انتخابهم والغريب أن المسؤلين الأمريكيين يعلمون زيف الانتخابات وفساد وفشل وتدوير نفس الاشخاص الفاسدين وان الشعب العراقي يرفضهم قلبا وقالبا وأمريكا تضحك على العراقيين والعالم بانها لا ترغب في الظهور بمظهر القوة المحتلة مرة أخرى.

ثالثا :المصالح الاستراتيجية المعقدة
-موازنة النفوذ الإيراني: النظام السياسي الحالي في العراق رغم فساده وفشله الواضح للجميع يعمل كنقطة توازن للنفوذ الإيراني مع الاحتلال الامريكي البريطاني وتعتقد الطبقة السياسية الأمريكية خطئا ان تغيير النظام بشكل جذري قد يؤدي إلى سيناريوهين أسوأ بالنسبة لواشنطن: إما فوضى عارمة أو وصول حكومة أكثر عداءً للولايات المتحدة وهما توقعان للهروب من مواجهة الإشكاليات التي تسببوا بها في العراق منذ احتلاله !!!

  • اكذوبة الحرب على الإرهاب: لا تزال واشنطن بحاجة إلى وجود أمني واستخباري محدود في العراق لمكافحة الإرهاب الذي خلقته في العراق بعد احتلاله وضمان مسرحية عدم عودة داعش وهذا يتطلب العمل مع الحكومة العراقية القائمة.

رابعا :الفساد أصبح نظاماً هيكلياً (المحاصصة)
-تعلم الادارات الأمريكية المتعاقبة ان الفساد اصبح متأصل في النظام الذي أسّسوه في العراق بعد احتلاله فالفساد في العراق اليوم ليس مجرد وجود أشخاص فاسدين بل هو نظام سياسي واقتصادي كامل نظام المحاصصة الطائفية والحزبية تم تصميمه من قبل أمريكا وبريطانيا في العراق بعد 2003. أي محاولة لتغييره تعني تفكيك الدولة التي بنوها وليس لديهم الرغبة في تغييرها او اعادة بنائها طالما انها تخدم مصالحهما في العراق وتبقيه منكفئ على مشاكله في الداخل وهذا هو المطلوب ويجب ان يبقى كذلك ؟؟؟؟
-الفساد والمحاصصة من اهم اسباب وجودهما لينخر جسد العراق كما تراه امريكا وبريطانيا ويعتبر من وجهة نظرهما كعامل استقرار كما يرى العراقيين بشكل ساخر ان الفساد والمحاصصة والطائفية يعملان كـآلية لتقاسم السلطة بين الثلل واللصوص المتنافسة، مما يمنعهم من الدخول في صراع شامل وبالتالي يحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار السياسي الهش الذي تكتفي به أمريكا وبريطانيا حالياً.
تفضل الولايات المتحدة حالياً استخدام الضغوط البسيطة (مثل العقوبات المالية على أفراد وبنوك) على الفساد وتجفيف منابع تمويل الميليشيات مع الإبقاء على النظام السياسي القائم الفاشل الفاسد بدلاً من القيام بواجبهما المسؤلين عنه اقلها قانونيا واخلاقيا امام الشعب العراقي بإجراء التغيير الجذري الذي يدعي المسؤلين الأمريكان كذبا انه ربما قد يؤدي إلى الانهيار الكامل والفوضى ونسوا انهم كانوا وسيبقون المسبب الاول لكل ما عاناه وسيعانيه العراقيين …..لهذا فإن النهج الذي تسير عليه دولتا الاحتلال يهدف إلى “ترميم” النظام بدلاً من تغيره؟

زر الذهاب إلى الأعلى