نزار العوصجي: لنتحدث بصراحة

مراجعة الذات حالة صحية تكشف مكامن الخلل ، وتكون في بعض الأحيان حافزاً لأن نأخذ منها العبرة ونصحح الأخطاء التي مررنا بها ، وهذه هي شيمة العقلاء ..
من جملة تلك الأخطاء هو فشل المعارضة العراقية في توحيد صفوفها ..
ففي ظل الأوضاع المتأزمة في العراق ، كان من المفترض أن تلعب قوى المعارضة دوراً محورياً في قيادة التغيير السياسي ، مستغلة السخط الشعبي الواسع تجاه الحكومة الحالية ، ومع ذلك فشلت هذه القوى في التوحد لأسباب متعددة ، من بينها غياب نكران الذات وهيمنة روح الأنا ، والتشكيك بأي مبادرة داخلية ، بانتظار تدخل القوى الكبرى لتوحيد صفوفها بدلاً من تحمل مسؤولية المبادرة الوطنية ..
هذا التشرذم أضعف موقفها أمام المجتمع الدولي ، وخاصة أمام الولايات المتحدة التي كانت تبحث عن بديل للحكومة الحالية ، مما دفعها إلى الاستمرار في دعم النظام القائم ، على الرغم من انه أثبت فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد ..
ان غياب نكران الذات وهيمنة روح الأنا ، هي أحد أبرز العوامل التي أدت إلى تشرذم المعارضة ، إلى جانب تغليب المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة الوطنية ..
فبدلًا من تقديم مشروع موحد يخدم العراق ، انشغلت القيادات السياسية بالصراعات الداخلية والتنافس على النفوذ ، مما أدى إلى إضعاف أي محاولات جادة للتنسيق بين مختلف القوى المعارضة ، بإلاضافة إلى انعدام الثقة المتبادلة والتشكيك بالمبادرات الداخلية ، فالمعارضة تعاني من أزمة ثقة عميقة ، حيث ترفض القوى المختلفة قبول أي مبادرة تأتي من جهة داخلية أخرى ، مفضلة التشكيك بها بدلاً من التعامل معها بجدية ..
هذه الذهنية حالت دون توحيد الجهود وأفشلت كل محاولات بناء جبهة وطنية قادرة على فرض نفسها كبديل حقيقي ..
أضف إلى ذلك حالة الخطأ الذي وقعت فيه غالبية قوى المعارضة ، واعتمادها في التركيز على القوى الكبرى بدلاً من المبادرة الذاتية ، وبدلاً من العمل على الوحدة من خلال حوار وطني حقيقي ، حيث تترقب المعارضة تدخل القوى الكبرى أو الأطراف الدولية الفاعلة لمساعدتها في تنظيم صفوفها ، وهو ما يعكس ضعف الإرادة السياسية لديها ..
هذا الانتظار جعلها رهينة لمواقف وأجندات خارجية ، بدلاً من أن تكون هي الطرف الفاعل في تحديد مستقبل العراق ..
ان غياب المشروع السياسي الواضح والقيادة الموحدة ، لم يمكن المعارضة من تقديم رؤية سياسية متكاملة ، أو اختيار قيادة موحدة تحظى بقبول داخلي وخارجي ..
هذا الفراغ جعلها تبدو غير مؤهلة لإدارة البلاد ، مما أفقدها المصداقية أمام المجتمع الدولي وأمام الشعب العراقي الذي يبحث عن بديل حقيقي ..
ان انعكاسات فشل المعارضة على المشهد السياسي ، أدت إلى فقدان التأثير أمام المجتمع الدولي والولايات المتحدة ..
فبدلًا من أن تفرض المعارضة نفسها كقوة بديلة للحكومة الحالية ، أدى فشلها إلى إضعاف موقفها أمام المجتمع الدولي ، وخاصة الولايات المتحدة التي لم تجد فيها شريكاً جاداً يمكن أن يعول عليه في تحقيق الاستقرار أو الإصلاح السياسي ..
ان مؤشر فشل إدارة الحكومة القائمة في التعامل مع الأزمات الأمنية والاقتصادية والخدمية أدى إلى استمرار حالة الفوضى والفساد ، مما عمق أزمة الثقة بين الشعب والسلطة ، نتيجة فقدانه لأي رؤية إصلاحية حقيقية ، كان الأجدر بالعارضة استغلاله لصالحها ..
فبدلاً من أن تمثل المعارضة تهديداً حقيقياً للحكومة الفاسدة ، أدى انقسامها إلى استمرار القوى الحاكمة في السلطة ، مستفيدة من غياب بديل موحد قادر على حشد التأييد الشعبي والدولي ..
إن فشل قوى المعارضة العراقية في التوحد يعود إلى عوامل داخلية خطيرة ، ونتيجة لهذا الفشل ، خسرت المعارضة فرصة ذهبية لإثبات نفسها كبديل قوي ، قادر على تحقيق إصلاح حقيقي ..
فإذا أرادت المعارضة استعادة دورها ، فعليها أن تتخلى عن الحسابات الضيقة ، وتعمل بجدية على تقديم مشروع وطني شامل يوحد صفوفها ويستعيد ثقة الشارع والمجتمع الدولي ..
قد يخرج علينا من يقول اننا لا نملك في جعبتنا سوى النقد ، لذا نضع امام القوى كافة رؤيتنا للحلول العملية ، علها تحرك مشاعرها ..
لذا دعونا نتحدث بصراحة فنقول ، لم يعد أمام المعارضة العراقية متسع من الوقت للمزيد من التردد أو الانقسام .. المطلوب اليوم هو عمل جاد ومسؤول يرتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها العراق ، ولابد من تجاوز الخلافات ، والتوحد تحت مشروع وطني حقيقي ، والانفتاح على المجتمع الدولي ضمن رؤية واضحة لعراق مستقر وقوي ..
من هنا نطرح مشروع الحلول حسب رؤيتنا الاستراتيجية لإنقاذ العراق ، وكيفية توحيد الصفوف ، نحو معارضة عراقية موحدة ..
ففي ظل المشهد السياسي العراقي المعقد ، لم يعد من المقبول أن تبقى المعارضة عاجزة عن تقديم بديل حقيقي يحقق تطلعات الشعب ..
إن غياب التنسيق والعمل المشترك لا يخدم سوى القوى الحاكمة ، بينما يبقى الشارع العراقي أسيراً لدوامة الفشل المستمرة ..
لذا لا خيار أمام المعارضة سوى تجاوز الخلافات الضيقة والجلوس على “طاولة مستديرة” تجمع مختلف القوى الوطنية ضمن إطار يحفظ خصوصياتها لكنه يوحد جهودها في مشروع وطني شامل ..
هذه الطاولة ليست ساحة لإلغاء الهويات السياسية أو الأيديولوجية ، بل منصة للتنسيق والعمل المشترك ، حيث تحتفظ كل جهة باستقلاليتها وهويتها ، لكنها تتشارك في رؤية موحدة تصب في مصلحة العراق .. بمجرد تحقيق هذا الهدف يتعين على المعارضة الانتقال إلى المرحلة التالية ، وهي التواصل مع القوى العالمية الفاعلة والمجتمع الدولي ، بما في ذلك الإدارة الأمريكية ، وبناء شراكات مع القوى العالمية لضمان الدعم السياسي والدبلوماسي لمشروع التغيير ، ولبناء رؤية مشتركة لعراق جديد يسهم في استقرار المنطقة ، ويكون محركاً للانتعاش الاقتصادي الإقليمي والدولي ..
ولكي نضع أسس بناء معارضة قوية وفاعلة ، علينا التخلي عن الحسابات الشخصية والحزبية ، حيث لا يمكن لأي مشروع وطني أن ينجح إذا كان مبنيًا على المصالح الضيقة ..
لذا يجب على القوى المعارضة أن تدرك أن نجاحها لا يتحقق عبر مكاسب جزئية ، بل من خلال تقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى أرضية مشتركة تضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار ..
ان إطلاق حوار وطني شامل على طاولة مستديرة يجمع القوى السياسية المعارضة يمثل الخطوة الأولى نحو بناء جبهة موحدة ..
لذا يجب أن يكون هذا الحوار صريحاً وشفافاً ، يهدف إلى صياغة خارطة طريق واضحة ومحددة المعالم للإصلاح السياسي ، تشمل تحديد الأولويات ، والاتفاق على آليات العمل ، واختيار قيادة تمثل المشروع الوطني أمام الشعب والمجتمع الدولي ..
ان بلورة مشروع وطني شامل قادر على تقديم رؤية سياسية واقتصادية واضحة تتضمن حلولاً عملية لمشكلات الفساد والبطالة والأمن والخدمات العامة والعلاقات الخارجية ، يكون بديلاً حقيقياً وقابلاً للتطبيق ، وليس مجرد خطاب معارض يفتقر إلى خطة تنفيذية ..
ان إعادة بناء الثقة بين أطراف المعارضة كان وما زال أحد أكبر العوائق أمام وحدة الصف ، ولتجاوز ذلك ، لا بد من وضع آليات واضحة وشفافة تضمن الالتزام بالاتفاقات ، مثل إنشاء هيئة تنسيق دائمة تتولى حل الخلافات وضمان تنفيذ القرارات المتفق عليها ..
كما نؤكد على ضرورة التواصل الفعال مع الشارع العراقي ، فالمعارضة التي لا تملك قاعدة شعبية قوية لا يمكنها أن تحقق تغييراً حقيقياً ..
لذا يجب على القوى المعارضة أن تنخرط بشكل مباشر مع المواطنين من خلال اللقاءات الجماهيرية ، ووسائل الإعلام ، وطرح حلول عملية تلامس هموم الشارع ، بدلاً من البقاء في دوائر النخب السياسية المغلقة ..
كما نؤكد على ضرورة تعزيز التواصل مع المجتمع الدولي ، لكون أن العراق جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية ، وفي ذات الوقت يجب أن تحافظ المعارضة على استقلالية قرارها ..
لهذا لابد أن تعمل المعارضة على تقديم نفسها كبديل مسؤول قادر على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني ، وأن تقدم مشروعاً مقنعاً للقوى العالمية والإقليمية حول رؤيتها لمستقبل العراق ..
ومن أجل ضمان نجاح هذا المشروع ، لا بد من تبني أسس تنظيمية واضحة تضمن تحقيق الأهداف المشتركة ..
لذا نقترح إرسال دعوة مفتوحة إلى كافة القوى الوطنية لإنشاء “المجلس التنسيقي للمعارضة العراقية”، وهو كيان مستقل يضم كافة القوى المعارضة ، ويهدف إلى تحديد أولويات العمل المشترك ، من خلال اجتماعات دورية تجمع ممثلين عن كل الأطراف ، يتم من خلالها الاتفاق على قيادة موحدة أو متناوبة تمثل المعارضة أمام الشعب والمجتمع الدولي ، وصياغة وثيقة سياسية ملزمة توضح رؤية المعارضة للإصلاح والتغيير ، والعمل على إطلاق حوار وطني مفتوح مع مختلف الأطراف ، بما في ذلك بعض القوى داخل السلطة أو العملية السياسية التي تحاول الإصلاح ولم تتلطخ أيديها بالجريمة والفساد ، والتحضير لمرحلة التواصل مع المجتمع الدولي عبر بناء رؤية موحدة للعراق الجديد ..
فإذا أرادت المعارضة أن تكون بديلاً حقيقياً ، فعليها أن تثبت للعالم أنها قادرة على بناء عراق جديد يسهم في استقرار المنطقة وازدهارها الاقتصادي ، بدلاً من أن يبقى ساحة للصراعات والفوضى …